تشغل المرأة العربية بهمومها وأحلامها الحيّز الأكبر من عالم الروائية سلوى بكر (1949)، وتعلّل ذلك في حديثها مع "العربي الجديد" بأن "إشكاليات وجود المرأة ودورها في مجتمعاتنا تتفرع عن إشكالية محورية، وهي وضع المرأة تحت مظلة القيم والمفاهيم الماضوية". ولذلك فهي ترصد في كتاباتها الصراع بين القيم التي يفرضها المجتمع والأدوار التي تلعبها النساء بالتضاد مع تقسيم العمل الاجتماعي القديم بين الرجل والمرأة، حيث المرأة منوطة بأدوار صناعة الحياة، بينما الرجل مكلّف بصناعة العالم.
المرأة التي تتناولها صاحبة "عن الروح التي سُرقت تدريجياً" ليست المرأة الحبيبة أو الأم أو سائر الأنماط المعتادة في الأدب العربي، إنما تحاول بكر تسليط الضوء على "المرأة المُعَشْوَأَة" -نسبة إلى الحياة العشوائية على حد تعبيرها- وهي المرأة التي لم تتوفّر لها الفرصة للحصول على جرعة تعليمية تؤهّلها للانخراط في المجتمع. وبالنسبة لصاحبة "شعور الأسلاف" لا يمكن تصوّر حدوث أي تغيير جذريّ في المجتمعات العربية بعيداً عن فكرة التغيير في إطار هذه الكتلة البشرية من النساء، فالرجال الذين يمارسون الآن التحرش والبلطجة ليسوا إلاّ نتاجاً لـ"المرأة المعشوأة".
لغة بكر الروائية تواصليّة، بسيطة، تطعّمها بالعامية المصرية، فالأدب عند صاحبة "وردة أصفهان" يجب أن يُحدث تغييرات في الوعي الإنساني على مستويات عدة؛ الوعي بالذات وبالعالم والعلاقات الإنسانية والوجود الإنساني بشكل عام. وتتعجّب كثيراً من الكُتَّاب الذين يستخدمون الإلغاز في نصوصهم، كأنها تشير إلى شعراء قصيدة النثر، وتتساءل: "لمن يكتبون إذن؟!".
كان لتجربة الاعتقال التي تعرّضت لها بكر أثناء "إضراب عمال الحديد والصلب" عام 1989 أثر رجعي بسبب نشاطها الطلابي أثناء دراستها الجامعية في 1972. وقد أتاحت لها الفرصة للاختلاط بالسجينات الجنائيات، حيث كانت السجينة السياسية الوحيدة بينهن في "سجن القناطر"، ونتج عن هذه الفترة رواية "العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء"، حيث تدور أحداثها في عالم السجن النسائي، وعلاقته بوضع المرأة في المجتمع.
التاريخ إحدى أهم ركائز تجربتها، إذ تحاول أن تعيد النظر من خلاله إلى العلاقة بين المتون والهوامش التاريخية لتقيم علاقة جدلية بينهما، فعندما كان سؤال الهوية مطروحاً بقوة في الأوساط الثقافية العربية، وبعد أن قرأت ما كتبه ابن المقفع عن ثورة البشموريين الممتدة بين القرنين السابع والتاسع الميلاديين، شمال الدلتا المصرية، في عهد الخليفة المأمون، كتبت روايتها "البشموري"، طارحةً فيها رؤى جديدة حول الهوية المعاصرة، والتحيزات الدينية والأيديولوجية المتعلقة بها.
إلا أنها تؤكد "أنا لا أكتب الرواية التاريخية، بل أكتب الرواية التي تتساءل عن المسكوت عنه في التاريخ"، فصغائر التاريخ من وجهة نظرها هي الأهم.
وعن "ثورة يناير" ترى صاحبة "وصف البلبل" أن "أعظم ما فعله الشباب هو استنفار الشعب المصري بالكامل، لكن هؤلاء الشباب لم يكونوا مسلحين بنظرية ثورية، ولم يكن لديهم خبرات سياسية كافية، فلم يجدوا أمامهم غير التظاهر في الميادين"، وتضيف: "إن يناير حقّقت ما لم يتم تحقيقه خلال تاريخ مصر الحديث، لأن المصريين جميعاً أصبحوا منخرطين في الشأن العام، وتمكّنت الثورة أيضاً من إسقاط كل التابوهات داخل المجتمع المصري".
أما عن الأحداث الجارية في مصر الآن فتعلّق: "العسكر والإخوان ينتمون إلى طبقة رأسمالية واحدة ذات مصالح مشتركة، والصراع بينهما صراع على السلطة".
وفي حديثها عن النخبة الثقافية ودورها في المجتمع، ترى بكر أن دور النخبة في الأساس هو إنتاج الأفكار التي تعين المجتمع على التقدم إلى الأمام، مثلما فعل قاسم أمين والشيخ علي عبد الرازق وغيرهما، لكن المشكلة الآن من وجهة نظرها "أن النخبة منذ عهد عبد الناصر وهي عاجزة عن إنتاج أفكار تستطيع أن تساهم عملياً في نهضة المجتمع، باستثناء محاولات نصر حامد أبو زيد عندما دعى إلى قراءة النص المقدس باعتباره نصا لغوياً".
وعن دور وزارة الثقافة المصرية تقول بكر "إن دورها منذ عصر الانفتاح الساداتي أصبح منحسراً في خدمة السلطة، عن طريق استقطابها لقطاع ليس بالقليل من النخبة لإنتاج الأفكار التي تدعم هذه السلطة، باستخدام خطاب تنويري زائف لا يختلف كثيراً عن الخطاب الماضوي، مما أدى إلى تفريغ الثقافة من مضمونها".