سلفيون وعلمانيون في أوروبا

24 ابريل 2016
لاجئون في الدانمارك (العربي الجديد)
+ الخط -
يتشارك سلفيون مع لادينيين في النظر للإسلام كنص أولاً وأخيراً، كما يخشى كلاهما تدفق اللاجئين (أغلبهم مسلمون) إلى أوروبا، إذ يخاف السلفيون تأثير المجتمع المضيف على عادات، ولاحقاً، عبادات القادمين، فيما يخشى الآخرون العكس، وهو تأثير المسلمين بأعدادهم المتزايدة على نمط الحياة الأوروبي!
تعزز هواجس الأولين، مشاهدات من قبيل مصافحة سيدات محجبات للبابا الكاثوليكي فرانسيس، أو لجوء مسلمين للكنائس والجمعيات الخيرية المسيحية لمساعدتهم. فيما يستثير الآخرين، رفض فتية مسلمين، مصافحة معلمات أو موظفات قادمات لمساعدتهن، أو مثلاً أداء الصلاة الجماعية في الشارع، أمام مسجد مكتظّ بالمصلين.
ورغم قِدَم تواجد المسلمين في أوروبا، وتنوُّع مصائرهم بين الاندماج والغيتويّة، إلا أنَّ ضخامة الموجة الأخيرة للجوء، وثبوت تورط أوروبيين مسلمين في القتال مع داعش، وتفجيرات بروكسل وباريس، تحفز على متابعة التحولات الاجتماعية للجدد منهم.
للقادمين حديثاً درجات تديُّن متفاوتة، بمعنى تنوُّع العادات ومدى الالتزام بالنصوص. وكون الدول الأوروبية المضيفة علمانيّة القوانين، فهي توفّر فرصة لممارسة الفرد لقناعاته بمعزل من الفرض، وهنا تظهر مفارقة الممارسة المشروطة لهذه القناعات بوجود أو غياب الأخر. ففي الكامب أولاً، ومن ثم في التجمعات السكنية ذات الغالبية الوافدة، أو في الأماكن العامة المحتمل وجود عرب فيها، ينزع السوري القادم للتصرف وكأنه لايزال في بلده، فيشرب البعض الكحول سراً، رغم حقهم الطبيعي بالعلنية دون أي مساءلة، ويدّعي البعض صيام رمضان، وهم مفطرون، كما يلتزم البعض بالعبادات، ولكن من باب الحرج، ويرفض آخرون، مجالسة شارب الكحول عندما يكون سورياً، ولكنهم لا يمانعون ذلك، عندما يكون الجليس أوروبياً. أغلب هؤلاء قد يخفت التزامهم، مع ابتعادهم عن تأثير التجمعات الإسلامية.
أما الحجاب، فيرتبط أيضاً بوجود معارف محيطين، وخلعه السائد حالياً هو كمقدمة للبدء في حياة جديدة، لا سيما مع الاستقلال المادي الذي توفره المساعدات الحكومية الشهرية، بعيداً عن سلطة الرجل. إلا أن وجود المعارف قد يصعب على السيدة هذا القرار.
في المقابل، هناك “لادينيون” يجعلون من الوجود المسلم، ومظاهره المتنوعة في أوروبا، وكأنه قضيتهم الوحيدة. يعتقد هؤلاء أنهم حراس العلمانية في بلادهم الجديدة، ويزايدون على اليمين العنصري الأوروبي، في الرغبة بمنع المسلمين من ممارسة شعائرهم. وتشتكي سيدة من بينهم، من وجود مسلمين مهاجرين في محيطها السكني، مما يقيد حريتها في الملبس أو السهر، فعلمانيتها تتمظهر في محيط أوروبي نقي فقط، بينما يجعلها وجود مسلمين في حالة قلق عصابي.
كما يشتكي آخرون من صوت الأذان المرتفع الصادر من الهواتف النقالة لشباب مسلمين، ويسخر كثر من خوف مسلمين، وجود منتجات الخنزير في المواد الغذائية. وفي الوقت الذي ترحب به متاجر أوروبية بزبائنها المسلمين، وتحرص على توافر منتجات "حلال" لهم، ويتطوع أوروبيون لضمان احترام شعائرهم، يتمنى بعض اللادينيين لو تمنع هذه الشعائر، علماً أنهم يحترمون الشعائر المسيحية، والاحتفال بأعيادها، ويعتبرونها كعلامات اندماج، ولا تخدش اللادينية الخاصة بهم!
ورغم كل ما يمكن تخيله من تناقضات بين الطرفين، إلا أن ذلك لا يمنع من اتفاقهم في بعض الممارسات المشتركة، ومنها مثلاً: العمل في السوق السوداء، مع عدم التصريح عن الأرباح، خوفاً من الاقتطاع الضريبي وانقطاع المساعدة الحكومية، وفيما يبرر الإسلاميون ذلك بأنّ الحكومة كافرة، وبالتالي عدم دفع الضرائب لها أمر جائز، ولكنهم يقبلون أخذ المال منها. وعلى الضفة الثانية، يتناسى خصومهم كل كلامهم عن الاندماج، واحترام القوانين الخاصة بالدول المضيفة، ما دام الأمر صار متعلقاً بالمصالح الخاصة.
المساهمون