اعتادت إيران الإعلان عن سلاح جديد كل فترة من الزمن، ما بين صواريخ بالستية، وطائرات بدون طيار وأسلحة برية، وفي كل مرة لا تنسى إيران تذكّر العالم بهدفها "الشيطان الأكبر، أمريكا وإسرائيل" بالتزامن مع الإعلان عن هذه الأسلحة، دون دليل بالطبع.
هذه المرة كان السلاح الديمغرافي هو السلاح الإيراني الجديد. أعلن عنه لأول مرة الرئيس السابق، أحمدي نجاد، في العام 2010 كاستراتيجية لزيادة السكان إلى 120 مليونا بدلاً من 75 مليونا وهدم شعار "طفل واحد يكفي" الذي استمر عشرين سنة.
زادت الاستراتيجية الجديدة قدسيةً عند الإيرانيين حين أصدر المرشد الأعلى، علي خامنئي، في العام 2012، التعليمات "الدينية" بزيادة السكان إلى الضعف لعلاج "شيخوخة الدولة" بحيث يصل تعداد الدولة الإيرانية إلى 150 مليوناً، دون اعتبار المشاكل الاقتصادية مانعاً في سبيل الإنجاب.
اليوم وبعد خمس سنوات أتت الإستراتيجية ثمارها، وأعلن رئیس دائرة الأحوال الشخصية الإيراني أن إيران أصبحت 80 ملیون نسمة نهاية العام الماضي.
ولكن بحسب رئیس دائرة الأحوال الشخصية فإن الإيرانيين تحت 30 عاما يشكلون 55% من السكان ونسبة من هم فوق الستين 6% فقط، ما يفند شيخوخة الدولة.
التغير في الإستراتيجية خطير، فخلال عقد التسعينات من القرن الماضي كانت إيران بمثابة قصة النجاح العظيمة للعالم في تحديد النسل رغم كونها دولة دينية، وأول دولة في العالم الإسلامي تقنن جراحة قطع القناة الدافقة للرجال واشتراط حضور حلقة دراسية لتعليم تقنيات تحديد النسل للحصول على ترخيص الزواج.
الحكومات العربية تشكو التدخل الإيراني حتى قبل أن تحبط السلطات البحرينية محاولة تهريب أسلحة ومتفجرات من إيران هذا الشهر.
وفي عام 2004 كشف ملك الأردن لصحيفة "واشنطن بوست" عن تدخل إيراني في العراق وسورية ولبنان لإنشاء هلال شيعي هناك.
أقرأ أيضاً: إيران لا تمانع من دخول الشركات الأميركية قطاع النفط
وقبل أيام، في خطاب عيد الفطر، تعهد خامنئي باستمرار دعم إيران لـمحور المقاومة وشعوب لبنان وفلسطين وسورية واليمن والعراق والبحرين مؤكدا أن هذا الدعم لن يتوقف أبدا بعد الاتفاق النووي.
اليوم أوشك الهلال الإيراني الشيعي أن يكتمل بدراً يغطي المنطقة.
السلاح الديوغرافي الجديد بطبيعته سلاح غير عابر للقارات، لا يهدد الشيطان الأكبر الذي أصبح صديقا استراتيجيا بعد الاتفاق النووي. أيضاً السلاح الديمغرافي سلاح إقليمي، حتى لو خرج تصريح إيراني يقلل من مخاوف دول الجوار العربي السني، لاسيما أن إيران أصبحت تتفوق في الجغرافيا السكانية على كل دول الخليج بخمسة أضعاف الكثافة السكانية وثلاثة أضعاف السكان. فمجموع سكان دول الخليج بدون الوافدين 28 مليون نسمة، ومساحتها 2.7 مليون كيلو متر مربع، وكثافة السكان 10 نسمة في الكيلو متر، مقابل 80 مليون إيراني يعيشون في 1.6 مليون كيلو متر مربع وكثافة السكان 50 نسمة في الكيلو متر.
ونقيضاً للاستراتيجية الإيرانية الجديدة، لا زالت الحكومات العربية مستمرة في سياسات جادة لتحديد النسل.
وتسببت هذه السياسات في تغيير التركيبة السكانية وجعلت شبه الجزيرة العربية فضاءً والمواطنين العرب أقليات في بلادهم. وكل عام يزيد عدد سكان إيران أكثر من مليون نسمة، ما يساوي تعداد البحرين وقطر بدون الوافدين.
ولا عذر للعرب، فالناتج المحلي الإجمالي للسعودية وحدها 1650 تريليون دولار وهو أعلى من الناتج المحلي الإيراني البالغ 500 مليار بثلاثة أضعاف ويزيد. وإنتاج دول مجلس التعاون من البترول 17.1 مليون برميل يومياً مقابل 1.1 مليون لإيران قد تزيد إلى 2.1 مليون بعد الاتفاق النووي.
وبعد التدخل الإيراني في العراق والبحرين وسورية واليمن يصبح ليس كل طويل إيراني حبلا! وليس كل زبادي فارسي بارد زلولا! وليس كل ظن سيئ بالإيرانيين إثما.
التكتيك الديمغرافي الإيراني ليس غريبا في المنطقة، فقد شجع الخميني، المرشد الأول للثورة، عند وصوله للحكم في العام 1979 زيادة المواليد لبناء جيش قوامه 20 مليون جندي، بعدها دخلت إيران في حرب مع العراق دامت ثماني سنوات.
وبالعكس، إسرائيل التي تحفز زيادة النسل استطاعت احتلال سيناء في ست ساعات في حرب 1967 بسبب ندرة السكان فيها. وبالمقابل لم تتمكن إسرائيل من الاستمرار في حصار بيروت المكتظة بالسكان فضلاً عن احتلالها عام 1982.
اقرأ أيضاً: الاستثمارات الأجنبية حذرة من التدفق إلى إيران