بعد ربع ساعة فقط من بقائه في أحد شوارع مدينته فولوكولامسك الواقعة على بعد نحو 120 كيلومتراً شرقيّ موسكو، شعر ألكسندر (25 عاماً) باختناق وغثيان لاستنشاقه روائح سلفيد الهيدروجين المنبعث من مكبّ للنفايات قريب من المدينة، وهو الأمر الذي يثير غضباً متزايداً لدى السكان. ويخبر ألكسندر "العربي الجديد" أنّه "في كل الأيام تقريباً، نشمّ روائح كريهة في كل أنحاء المدينة، وحتى في وسطها، وكذلك في القرى المحيطة بها".
وبعد حادثة تسمم عدد من الأطفال بغازات سامة، تشهد فولوكولامسك منذ أكثر من شهر احتجاجات حاشدة تطالب بإغلاق مكب يادروفو للنفايات القريب منها، تخللتها مناوشات مع الشرطة. وعند أطراف المدينة، قطع السكان الطرقات أمام شاحنات النفايات المتّجهة إلى يادروفو لمنع وصولها. ويشارك ألكسندر، كما آلاف من سكان فولوكولامسك، في تلك الاحتجاجات أملاً في تغيير الوضع نحو الأفضل، وكانت آخرها عفوية بعد استنشاقهم الروائح ليلاً.
على الرغم من ذلك، تعتزم سلطات ضواحي موسكو الاستمرار في استخدام مكب يادروفو كما هو الحال اليوم، وذلك إلى حين فتح آخر حديث في عام 2020؛ الأمر الذي ينذر بتزايد استياء السكان. ومن المتوقع أن تبلغ الطاقة الاستيعابية للمكب الحديث 600 ألف طن سنوياً بدلاً من 430 ألفاً حالياً.
ولا تختلف حال فولوكولامسك عن أحوال عدد من مدن مقاطعة موسكو من قبيل كلين وكولومنا وترويتسك وبالاشيخا وغيرها. وما يزيد الضغط على مكبات النفايات في ضواحي موسكو هو تدفق النفايات من العاصمة التي لا تضمّ سوى ثلاثة مكبات نفايات تستوعب 10 في المائة فقط من نفايات المدينة.
تجدر الإشارة إلى أنّه في العام الماضي، أغلق مكب كوتشينو في بالاشيخا بعد تدخّل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ما بات يُعرف بـ "التحكّم اليدوي" في البلاد، وذلك بعدما شكا سكان المنطقة من خلال "الخط المباشر" معه من حرائق متكررة في مكب النفايات وسط تراخي السلطات المحلية.
ويشير الباحث في معهد مشكلات الاقتصاد الإقليمي التابع لأكاديمية العلوم الروسية، رومان فيسينكو، إلى أنّ "حالة فولوكولامسك ليست فريدة من نوعها في روسيا في ظل انتشار مكبات النفايات بالقرب من المدن"، مشدداً على أنّ "المشكلة تتطلب حلاً شاملاً". يضيف فيسينكو لـ "العربي الجديد" أنّ "في روسيا والعالم، تُقام مكبّات النفايات بالقرب من المدن من أجل تقليص النفقات، من دون الأخذ بعين الاعتبار أنّ المدن تتوسّع إلى درجة أنّ المكب يصير في داخلها في نهاية المطاف، وهو الأمر الذي يثير استياء السكان المحليين". وعن كيفية احتواء غضب السكان، يقول فيسينكو: "هذه المشكلة اجتماعية، ويمكن حلها عبر إبعاد مكبّات النفايات عن المدن. عندها تتوقف الاحتجاجات، إلا أنّ ذلك لن يحل مشكلة النفايات بشكل عام".
ويلخّص فيسينكو رؤيته للحدّ من أزمة النفايات في روسيا، أنّها "في زيادة نسبة تدوير النفايات بالإضافة إلى إنشاء مكبّات لحرق النفايات بتكنولوجيا حديثة عبر درجات حرارة مرتفعة مع انبعاثات قليلة، إلى جانب الاستمرار في طمر النفايات". ويلفت إلى أنّه "لا بدّ أولاً من الحدّ من تراكم النفايات عن طريق تمديد العمر الافتراضي للمنتجات قدر الإمكان، ثمّ تدوير بعض العناصر وطمر ما يتبقى".
وما زالت روسيا متأخرة في مجال تدوير النفايات بالمقارنة مع الدول الغربية، إذ إنّ نحو 95 في المائة في النفايات تُطمر في مقابل واحد في المائة و11 في المائة فقط في كلّ من السويد وإستونيا على التوالي. إلى ذلك، يعدّ حرق النفايات الوسيلة الأكثر انتشاراً للتخلص من النفايات في أوروبا، والسويد على سبيل المثال تحرق نحو 50 في المائة من نفاياتها، الأمر الذي يساهم في إنتاج الطاقة، في حين يجري تدوير نحو ثلث النفايات في الاتحاد الأوروبي. ويحتضن وسط العاصمة النمساوية فيينا مكباً لحرق النفايات يُعَدّ واحداً من أكثر المكبات نظافة بيئية.
من جهتها، تسعى سلطات موسكو إلى تحفيز سكان العاصمة على الفصل بين النفايات العضوية والبلاستيكية وغيرها عن طريق استحداث 200 نقطة لاستقبال النفايات بحسب أنواعها، الأمر الذي يساعد في تدوير نحو 200 طن من النفايات شهرياً، من دون أن يغيّر ذلك المشهدَ بشكلٍ عام.
إلى ذلك، تفيد بيانات وزارة الموارد الطبيعية الروسية بأنّ روسيا البالغ عدد سكانها 146 مليون نسمة، تنتج نحو 50 مليون طن من النفايات المنزلية الصلبة سنوياً. ويصار إلى حفظ 96 في المائة منها في مكبّات للنفايات، ثمّ طمرها في أكثر من 11 ألف مكبّ في أنحاء البلاد.