سقوط قائمة وسطاء الحوار في الجزائر: الشروط غير متوفرة

19 يوليو 2019
مطالبات بإطلاق سراح سجناء الرأي (العربي الجديد)
+ الخط -



أخفقت كتلة المنتدى المدني للتغيير، وهي تكتل مدني يضم منظمات وهيئات مدنية ناشطة في الجزائر، في طرح قائمة لشخصيات مستقلة كوسطاء لإدارة الحوار السياسي المرتقب في الجزائر، بعد تحفظ عدد من هذه الشخصيات عن الموافقة بالمشاركة في المسعى، وطرْح آخرين اشتراطات سياسية مسبقة تتصل بإجراءات التهدئة التي ترفض السلطة اتخاذها حتى الآن.

وانتقدت شخصيات ورد اسمها في القائمة المقترحة التي قدمها المنتدى المدني التغيير للسلطة، عدم استشارتها أو إجراء اتصالات معها للحصول على موافقتها قبل الإعلان عن القائمة. وكذبت المناضلة الثورية جميلة بوحيرد تلقيها أي اتصال من قبل المنتدى بشأن طرح اسمها ضمن قائمة الشخصيات التي ستدير الحوار. ونشرت بوحيرد بياناً ذكرت فيه أنها فوجئت بورود اسمها في القائمة دون استشارتها. وقالت: "علمت باستغراب وجود اسمي على قائمة الأشخاص المسؤولين عن تنظيم حوار بين السلطة والحراك الشعبي. لم يطلب أحد رأيي، ولم أعط موافقتي لأي أحد. لا يمكنني أن أكون جزءاً من مجموعة من الأشخاص خدم بعضهم السلطة". وبرأي بوحيرد، إن ظروف الحوار ليست متوفرة في الوقت الحالي، معتبرة أنه "بينما يتم إلقاء الوطنيين في السجن بسبب قضايا الرأي، بينهم ضابط في جيش التحرير الوطني الأخ لخضر بورقعة (اعتقل قبل أسبوعين بسبب تصريحات حادة مناوئة للجيش)، لا يمكن أن يكون هناك حوار مع من يهددوننا ويتهموننا بالخيانة". وجددت "تضامنها مع الأشخاص الذين يناضلون من أجل تحررهم المدني، بحرية وكرامة وديمقراطية".

وورد اسم بوحيرد ضمن قائمة تضم 13 شخصية سياسية وأكاديمية اقترحها تكتل مدني يضم منظمات وهيئات مدنية ناشطة في الجزائر، اعتبر أنها قادرة على المساعدة في تشكيل هيئة الحوار الوطني التي قرر رئيس الدولة عبد القادر بن صالح تشكيلها في غضون أيام. وضمت القائمة أيضاً وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، ورئيسي الحكومة الأسبقين مولود حمروش ومقداد سيفي، ورئيس البرلمان الأسبق كريم يونس، والخبيرة في القانون الدستوري فتيحة بن عبو، والناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي والناشط السياسي إسلام بن عطية.

وفي السياق، أبدى الناشط البارز في الحراك الشعبي والحقوقي مصطفى بوشاشي تحفظه على المبادرة. واعتبر، في بيان نشره على صفحته على موقع "فيسبوك"، أن الانخراط في الحوار يستدعي توفر شروط. وقال: "كمبدأ عام أعتقد بأن الحوار هو الوسيلة المثلى والحضارية للخروج من الأزمة التي تعيشها الجزائر اليوم، ولكني أرى أنه من الضروري توفر الشروط التالية قبل الدخول في أي حوار، منها ضرورة رحيل رموز النظام". واشترط "إطلاق سراح المساجين السياسيين ومعتقلي الرأي، وفتح الفضاء العام ووسائل الإعلام المختلفة أمام جميع الآراء والتوجهات بكل حرية، والكف ورفع كافة القيود المسلطة على المتظاهرين، كالاعتقالات وغلق الطرقات ومنع التنقل إلى العاصمة يوم الجمعة". وطرح الناشط السياسي إسماعيل لالماس، الذي ورد اسمه ضمن القائمة، اشتراطات سياسية قبل إجراء أي حوار. ويتعلق الأمر بمطلب رحيل حكومة نور الدين بدوي وإطلاق من يصفهم بسجناء الرأي، موضحاً أنه "لا يمكن الذهاب إلى الحوار والذين كانوا ينادون به موجودون في السجون".



واعتبر الباحث والأستاذ الجامعي ناصر جابي، رداً على ظهور اسمه في قائمة الشخصيات المقترحة للوساطة السياسية، أن "استمرار الحراك الشعبي سيبقى الضامن الأساسي لأي حوار ناجح. حوار لن يكون مجدياً من دون القبول بمطالب الجزائريين، كذهاب الوجوه المرفوضة شعبياً وإطلاق سراح سجناء الرأي ووقف التحرش بالحراك الشعبي وغيرها من إجراءات التطمين المتفق عليها وطنياً، والتي تؤكد السلطة من خلالها صدق نواياها في إطلاق حوار سياسي جدي سيبقى في نهاية الأمر المخرج الضروري نحو بناء جزائر جديدة".

وبخلاف هذه المواقف الرافضة والمتحفظة، كان رئيس البرلمان الأسبق كريم يونس (2002-2004)، الشخصية السياسية الوحيدة التي أعلنت موافقتها على مقترح المنتدى المدني للتغيير للمشاركة في هيئة إدارة الحوار الوطني. وأعلن يونس، في بيان، أنه يوافق على "طلب الانضمام والمساهمة إلى جانب أولئك الذين يبحثون عن طرق للخروج من الأزمة، إدراكاً مني أن المأزق السياسي الذي نعيش فيه يحمل مخاطر كبيرة. ما زلت مقتنعاً بأن نهج الوساطة والتواصل مع جميع الجهات الفاعلة في المجتمع هو القادر على الوصول إلى نتيجة سلمية تلبي توقعات الجزائريين. وعليه آمل أن أكون جديراً بالثقة التي وضعت في شخصي". وأضاف أن "هذه المبادرة جزء من عملية الوساطة السيادية بين أبناء الوطن، وعليه فهي تتناسب مع روح المطالبات المشروعة لملايين الجزائريين الذين خرجوا إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم والرغبة في التغيير".

لكن تعثر هذه المبادرة لا يتعلق بمواقف الشخصيات السياسية المقترحة، والتي ترفض مباشرة الحوار في هكذا ظروف ودون توفر اشتراطات ومناخات هادئة بقدر ما يتعلق برفض واسع أيضاً من قبل الناشطين في الحراك الشعبي وقوى سياسية إزاء الجهة التي اقترحت قائمة الأسماء (كتلة المنتدى المدني للتغيير)، والذي يضم تنظيمات لم تكن لها سوابق نضالية ضد النظام ولا تتمتع بالجدية والمصداقية اللازمة، وجزء منها كان ضمن تنظيمات موالية للسلطة. كما أن من بين الأسماء المقترحة من كان له مواقف ومساهمات في صناعة الأزمة السياسية للبلاد في تسعينيات القرن الماضي، كرئيس الحكومة الأسبق مقداد سيفي، وعدم وجود الخبرة السياسية الكافية لبعض الشخصيات المقترحة، كالمناضلة جميلة بوحيرد، لإدارة حوار سياسي في ظرف أزمة عصيبة. ويعتقد الناشط السياسي في الحراك الشعبي منير آيت يعلى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذه القائمة عبثية ولا تستند إلى أي معطى. نحن بصدد أزمة سياسية حادة تتطلب مستوى من المسؤولية السياسية والإدراك الواسع لأبعاد الأزمة وحداً من المصداقية لضمان نجاح الحوار"، فيما ذهب الناشط محاد قاسمي إلى اعتبار أن "هذه القائمة (والمبادرة) يمكن أن تكون مجرد جس نبض من قبل دوائر في السلطة أوحت بها إلى المجتمع المدني لقياس رد الفعل السياسي والشعبي إزاء طبيعة الشخصيات المقترحة".

والثلاثاء الماضي، أعلنت الرئاسة الجزائرية، وفقاً لمقترح كان قدمه بن صالح في 3 يوليو/تموز الحالي، استمرار المشاورات السياسية قبل الإعلان قريباً عن قائمة الشخصيات التي ستشكل هيئة إدارة الحوار الوطني، ذات مصداقية ودون انتماء حزبي وتحظى بشرعية تاريخية وسياسية وأكاديمية، وليس لها أي طموح انتخابي، والتي ستكون لها سلطة معنوية وكامل الحرية في استدعاء المكونات السياسية والمدنية والشعبية إلى الحوار، وفي مناقشة كامل القضايا المرتبطة بآليات تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة وتحديد تاريخها بالتوافق مع المكونات السياسية والمدنية. وتأتي مجمل هذه التطورات عشية الجمعة 22 من الحراك الشعبي، الذي سيتزامن مع مباراة نهائي كأس أفريقيا لكرة القدم. ويعتقد ناشطون أن لعب المنتخب الجزائري لمباراته أمام السنغال، سيكون حافزاً كبيراً للجزائريين للمشاركة منذ الصباح في مسيرات الحراك الشعبي والتحضير لاحتفالات فوز "فريق الحراك" بكأس أفريقيا مساءً، في ظل إسقاطات سياسية على الشأن الرياضي في علاقة بالشحنة الشعبية التي استفاد منها المنتخب بسبب الحراك الشعبي.

المساهمون