انتهت خطة الحكومة اللبنانية لمعالجة أزمة النفايات إلى فشل غير مُعلن، بعد تأجيل وزير الزراعة أكرم شهيّب لموعدين وصفهما بـ"المصيريين" لإعلان مسار الخطة وكشف الخلافات السياسية التي أدت لتعطيلها. إلا أن الموعدين مرّا مرور الكرام الأسبوع الماضي، دون أن يكشف شهيّب مسار الخطة وأسباب الخلاف السياسي على تحديد مواقع الطمر المُحتملة التي تنص عليها الخطة لإزالة مئات أطنان النفايات، التي ترمى عشوائياً في محافظتي بيروت وجبل لبنان.
فقد تركزت الخطة على تحديد مطامر"طائفية" للنفايات (كل طائفة تطمر نفاياتها في نطاقها السكاني)، وهو الطرح الذي لاقى عقبات لإيجاد مطمرين في المناطق ذات الغالبية الشيعية والمسيحية مع إعلان وزير الزراعة "رفض حزب الله لإقامة مطمر في منطقة البقاع الشمالي كونها منطقة أمنية لعملياته في سورية"، ورفض شعبي لإقامة مطمر في الجنوب. يُضاف إليهما رفض الأحزاب المسيحية إقامة مطمر في منطقة كسروان شمالي بيروت. كما أدّى الاعتراض الشعبي الحاد من قبل اللبنانيين المُقيمين قرب المواقع المُحتملة في المناطق ذات الغالبية السنية إلى تعطيل الأعمال الهندسية التي باشرت بها الحكومة لإعداد موقعين في محافظتي البقاع شرقاً وعكار شمالاً.
ورفض شهيّب التعليق لـ"العربي الجديد" على أسباب فشل الخطة، مُكتفياً بالاعتذار عن التصريح للإعلام بشأن أزمة النفايات.
الحديث عن الأزمة وسبل حلها عاد وطُرح على طاولة الحوار الوطني التي يرعاها رئيس مجلس النواب نبيه بري. وأعلن رئيس الحزب "الديموقراطي اللبناني" طلال أرسلان، بعد جلسة الحوار التاسعة، "مناقشة بند تصدير نفايات لبنان إلى الخارج". طرح يضعه الخبير البيئي فاروق المرعبي، في إطار "النقاش السياسي للأزمة البيئية، وهو النقاش الذي أدى إلى تعطيل البحث البيئي والتقني حول مطامر النفايات المؤقتة المنصوص عليها في خطة شهّيب، والتي كانت مُطابقة للمواصفات البيئية المطلوبة، ونقلها إلى مادة للخلاف السياسي".
ويؤكد المرعبي أن "تصدير النفايات إلى الخارج لن يكون سهلاً بسبب حاجة لبنان لتوقيع معاهدات دولية مع البلدان التي قد تستقبل النفايات إلى جانب الكلفة المُرتفعة للتصدير". كلفة يقدرها وزير الصناعة آلان حكيم، في حديث مع "العربي الجديد" بين "90 و140 يورو للطن والواحد، وهي كلفة مبدئية قابلة للارتفاع أو الانخفاض مع سعي الشركات الخاصة لتسجيل أرباح إضافية على حساب أزمة النفايات لدينا". ويؤكد حكيم أنه "أول من طرح خيار التصدير على طاولة مجلس الوزراء (المُعطل حالياً) قبل بدء الأزمة، لكن الوزراء قابلوا الطرح بالتهكّم".
وكان حكيم قد تواصل مع السفير الألماني في بيروت، ومع وزيري البيئة الألمانيين، السابق والحالي، "علماً أن خيارات تصدير أوروبية وعربية أخرى كانت مطروحة، في السويد وإيطاليا وسورية والعراق".
اقرأ أيضاً: القمامة تهدّد بالسرطان... لا تحرقوها
وترك العجز الرسمي عن حل أزمة النفايات الباب مفتوحاً أمام مزايدات بيئية قدمها عدد من السياسيين اللبنانيين، بوصفها "الحل الأمثل للأزمة". فكان إعلان وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب، عن تجهيز بلدته ضهور الشوير بـ"معمل بيئي لحرق النفايات، وهو معمل لاقى قبولاً وترحيباً من الأهالي"، وفق ما قال. إلا أن وصف المرعبي للمعمل لم يتجاوز حدود "فرن الضيعة، فهو عبارة عن غرفتين للحرق ومدخنة للتخلص من الانبعاثات".
ويشير المرعبي إلى "عدم مراعاة المحرقة المذكورة للشروط الصحية التي توجب تنقية الانبعاثات السامة ومعالجة الرماد السام الذي تنتجه عملية الحرق". ويُذكّر المرعبي بقرار وزارة البيئة إقفال محرقة بنفس المواصفات قررت بلدية شكا شمالي لبنان استخدامها للتخلص من النفايات قبل عامين، "وذلك بعد إجراء سلسلة فحوصات بيئية وصحية عليها". ما يعني إسقاط خياري التصدير والحرق بمواصفتهما الحالية من دائرة الحلول العملية لأزمة النفايات.
يؤكد وزير الصناعة آلان حكيم لـ"العربي الجديد" أن لا حل في الأفق للأزمة، "خصوصاً أن خطة شهّيب حوّلت مواقع المطامر المُقترحة إلى مناطق نفوذ سياسي وطائفي ومناطقي للقوى السياسية".
وقد حاول الحراك الشعبي في لبنان القيام ببعض الخطوات البسيطة للتخفيف من أثر الأزمة مع بدء موسم الشتاء وتحوّل أكوام النفايات إلى سيول غزت الشوارع. فقام ناشطو حملة "طلعت ريحتكم" بتوضيب جزء من النفايات المرمية في محيط مجرى نهر بيروت وعدد من بلديات جبل لبنان، لمنع انجرافها في الطرقات. وهي خطوات محدودة لا يمكن أن تشكل حلاً فعلياً للأزمة التي تحتاج إلى قرار رسمي لبناني.
من جهة أخرى، طلب قاضي الأمور المستعجلة نديم زوين الإيضاحات اللازمة حول علاقة شركة "سوكلين" (الشركة المكلفة بمعالجة نفايات بيروت وجبل لبنان) بأزمة النفايات وذلك بعد طلب محامي الحراك الاستماع إلى شهادة رئيس الحكومة تمام سلام وعدد من الوزراء ورئيس مجلس إدارة شركة "سوكلين"، ميسرة سكر، في ملفات فساد مُرتبطة بمعالجة النفايات.
اقرأ أيضاً: نفايات لبنان.. محاولة إرساء خطّة لإدارة الكوارث