"لا أجد أي متعة في اللعب برباعي دفاعي بالخلف كما يفعل معظم مدربي أوروبا. قامت هذه اللعبة على الابتكار والتخيّل، ولا يوجد أهم من عملية خروج الكرة من حارس المرمى إلى المهاجم الصريح، لذلك لا بد من تمركز ثلاثي خلفي يتحول إلى خماسي أثناء بناء الهجمة، هذا ما أعرفه وأفهمه وأؤمن به حتى الموت". يقدم ريكاردو لافولبي نفسه كأحد المجددين في عالم التكتيك بأميركا اللاتينية، تلك القارة المعزولة التي قدمت لكرة القدم العديد من المدربين الثوريين، منهم بلا شك خورخي سامباولي، الرجل الذي عرف كيف يُسقط أتليتكو سيميوني في المواجهة الأولى بينهما، وينقل ما تعلمه في بلاده إلى أوروبا برفقة إشبيلية.
التعصب للكرة
أشاهد مباريات عديدة لكنني لا أشاهد كرة القدم، بهذه العبارة افتتح سامباولي مقابلته مع صحيفة آس الإسبانية، وذلك بعد حضوره عدة مباريات في إسبانيا بالموسم الماضي. وعبّر خورخي عن عدم رضاه عن المستوى الذي وصلت إليه اللعبة في أوروبا، بسبب عدم الإتيان بالجديد والاستمرار على الأدوات نفسها التي تضمن فقط الفوز، لذلك قال عن برشلونة إنريكي إنه فريق فردي بحت يعتمد على مهارات نجومه، بينما قال صراحة إن طريقة لعب ريال مدريد لا تناسب طموحات جماهيره، صحيح أنه يفوز لكن دون إقناع أو إمتاع.
وعند الحديث عن دييغو سيميوني، مواطنه وخصمه بالليغا الإسبانية، عبّر مدرب تشيلي السابق عن إعجابه الشديد بتجربة الأتليتي، لكنه لا يتفق في المبدأ مع أفكار الشولو، لأن كلاهما له مبادئ مختلفة في فهم التكتيك، لأن سامباولي يتبع أكثر مارسيلو بييلسا وطريقته، ويتفق مع بيب غوارديولا في طريقة تناول التكتيك، لذلك أصر منذ يومه الأول في إشبيلية على ضبط الفريق وفق أفكاره هو فقط، فلا تدخل لأي شخص آخر بمن فيهم مونشي، الرجل الذي يصر على الرحيل لكن الإدارة ترفض قراره حتى هذه اللحظة.
كرة القدم التي يعرفها سامباولي باختصار تسير نحو الصبغة اليسارية الواضحة، الكل في الكل دون توقف، أن تهاجم بأكبر عدد ممكن من اللاعبين، وتدافع بالعدد نفسه في مناطقك، تطلب الكرة باستمرار، تضغط للحصول عليها بلا خوف، وبكل تأكيد تركز على تقديم كرة سريعة مباشرة، لكن مع التحكم في نسق المباراة بتوظيف الاستحواذ كأداة داخل الفريق وليست كفلسفة مفردة، لأن المبادرة هي الأساس للرياضة التي يفضلها سامباولي وأقرانه.
الثقافة الخططية
يسلط موقع "فيفا" الضوء على قواسم مشتركة كثيرة تجمع بين سامباولي ومواطنه مارسيلو بييلسا. لكنه أمر طبيعي إذا علمنا أن خورخي سامباولي هو عاشق كبير لبييلسا. فقد وصل به الإعجاب إلى درجة أن هذا المدرب الأصلع كان يستمع كثيراً لمحاضرات بييلسا مسجلة على أشرطة وذلك حتى خلال ركضه. لدرجة أنه تابع بييلسا عن قرب، حينما كان أستاذه يشرف على تدريب مراكز شبان وفرق صغيرة في روزاريو، حتى قرر بصفة نهائية ترك مجال البنوك الذي يعمل فيه، ويتجه إلى الكرة مثل اللوكو.
وصنع خورخي طفرة تكتيكية مع منتخب شيلي، لدرجة إسهامه في تطوير الثقافة الخططية للاعبيه، عن طريق إشرافه على تطوير تطبيق إلكتروني يُحمّله اللاعبون على هواتفهم الذكية حيث يكون بإمكانهم أن يتحكموا في تحركاتهم على أرض الملعب ويواجهوا خصوما يتسمون بإمكانيات مشابهة لخصومهم المقبلين، كما أكد الموقع الرسمي للاتحاد الدولي لكرة القدم.
إشبيلية مثل تشيلي، لذلك سنجد فارقا شاسعا في مستوى سمير نصري عن المواسم السابقة، لأن الفرنسي آمن بأن مستقبله على الخط انتهى، حيث لا مكان للجناح البطيء في الكرة الحديثة، لذلك اتجه سريعا إلى العمق بمساندة مدربه الجديد، الذي وضعه كلاعب "جوكر" في قلب مركز الهجوم، لا يرتبط بمكان معيّن قدر ارتباطه بالحصول على الكرة وتوزيعها على زملائه، ليتحول إلى أهم قطعة تكتيكية داخل الفريق في غضون أشهر معدودة.
تحدي الأفضل
وصف مدرب إشبليية خصمه أتليتكو مدريد بأنه أفضل فريق في العالم حاليا، نتيجة الوحدة التامة لهذا الفريق دفاعا وهجوما مع سيميوني، لكن سيد الأندلس عرف من أين تؤكل الكتف أمامهم، لأنه وضع الضغط عليهم في منتصف ملعبهم، مع حرمانهم من الحصول على الكرة، وتقليل الفراغات في الخطوط وبينها بتوزيع اللاعبين على أكثر من خط، ما كسر من حدة فريق العاصمة أثناء المرتدات، ليفشل تقريبا في الحصول على هجمة واحدة بلعبة التحولات التي يتقنها.
يهاجم أتليتكو الفراغ جيدا، لكن أمام خصمهم الأخير فشلوا في تحقيق ذلك، بسبب نظام الرقابة القوية على مفاتيح اللعب، فوجود فيتولو على الطرف قلل من قدرة كوريا على الهروب، كذلك فرانكو فاسكيز الذي نجح في إجبار كاراسكو على الاكتفاء بالدفاع دون التفكير في الهجوم، ومع عودة نصري المستمرة إلى الوسط أمام نزونزي، لم يعد الهجوم متاحا أمام الضيوف، بل كان كل تفكيرهم في محاولة الهروب من هذه المصيدة، ليتم فصل خط وسطهم تماما عن العمل، وينجح سامباولي في عزل غريزمان عن البقية.
وفي الشوط الثاني بعد نجاح خطة إشبيلية، استلم غريزمان 5 تمريرات فقط في المنطقة بين دفاع أصحاب الأرض ومنطقة وسطهم، مع تمريرة يتيمة داخل منطقة الجزاء، ولا يعد هذا الرقم سلبيا بالنسبة للفرنسي، بقدر ما هو سيئ لفريقه الذي لم ينجح في خلق الفراغ اللازم لحصول نجمه الأول على الكرات في مناطق خطيرة وقريبة من مرمى خصمهم، وبالتالي سدد الفريق 9 كرات فقط على مرمى إشبيلية، منها 4 بالكرات الثابتة، ليفشل أتليتكو في التعامل مع نظام الضغط العكسي المدعم بالرقابة رجلا لرجل في منطقة المنتصف.
فك الشيفرة
حتى تستطيع التغلب على دفاع بقيمة وصلابة أتليتكو، عليك بنقل الكرة باستمرار من جانب لآخر، أملا في تحريك الخصم قليلا بعيدا عن مراكزه، بالإضافة إلى فتح الأطراف بثنائي على كل جانب، من أجل استغلال أنصاف المسافة بين الظهير المقابل وقلب دفاعه. وفعل إشبيلية ذلك في أكثر من كرة، بصعود ماريانو خلف فرانكو فاسكيز على اليمين، ودخول نصري معهما في الهجمة، لإجبار ارتكاز أتليتكو على ترك مناطقه في العمق والانتقال للطرف للمساندة، هنا يتم صنع المساحة المطلوبة أمام الدفاع في القلب.
قام نصري بدور صانع اللعب المتأخر، في عودته المستمرة إلى منطقة الارتكاز وحصوله على الكرة في الخلف، ما جعله بمثابة رأس المثلث المفقود مع ثنائي الأطراف، ماريانو وفاسكيز ونصري يمينا، كذلك اسكوديرو وفيتولو ونصري يسارا، لصنع 3 ضد 2 على الخط، وسحب غابي بعيدا عن الدائرة حتى يساند زملاءه أسفل الأطراف، ما يعطي نزونزي وفييتو مساحة أكبر في المنتصف.
بالإضافة إلى استخدام فكرة الظهيرين الوهميين، بضم ميركادو إلى عمق الملعب كلاعب وسط إضافي، لإجبار غابي وزميله كوكي أو تياغو بعد نزوله على البقاء في منطقة الارتكاز، وبعدها يتحرك سمير بين الخطوط، يحصل على الكرة أسفل الطرف مع ماريانو المتقدم وفاسكيز المائل للعمق، ليتم ضرب تكتل أتليتكو بكل سلاسة، بسبب بقاء لاعبي الارتكاز في العمق، وميل الجناح المقابل إلى الداخل لمساندتهم أو للتغطية مكان زميله المنشغل بالدعم.
تمثل هذه اللقطة قيمة الشكل الهجومي لسامباولي أمام دفاعات سيميوني، بعد دخول المدافع ميركادو إلى منطقة الارتكاز، وصعود نزونزي بالكرة، ليتم الضغط بثلاثي هجومي على جانب من الملعب، ماريانو وفيتولو ونصري على اليمين، وبعد خلق التفوق على الطرف، يتم سحب الارتكاز بعيدا عن مناطقه، وتتحول اللعبة إلى هجمة خطيرة، بعد ضرب أطراف ووسط الخصم بهذه الخدعة، في مباراة تسيدها الوافد الجديد إلى الليغا في كافة تفاصيلها.