سعيد عيسى:الطبقة السياسية مسؤولة عن انتشار الفساد في لبنان

23 سبتمبر 2015
مديرالمشاريع الميدانية في "لا فساد" سعيد عيسى( تصويرحسين بيضون)
+ الخط -
قال مدير العلاقات العامة والمشاريع الميدانية في المركز اللبناني لتعزيز الشفافية لا فساد، سعيد عيسى، في مقابلة مع "العربي الجديد" إن الفساد لم يعد سمة من سمات المجتمع اللبناني، بل بات متحكماً بكافة جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ولذا نشهد هذا الكم من الحراك الشعبي، للمطالبة بالإصلاحات.

وهذا نص المقابلة:

*حل لبنان في المرتبة 127 من أصل 177 في مؤشر مدركات الفساد في عام 2014، كيف تقيم هذا الواقع؟ وما هي أسبابه ونتائجه؟

حصل لبنان على مستويات متدنية في مؤشر مدركات الفساد في السنوات الماضية، ويعود السبب في ذلك إلى الطبقة السياسية التي حكمت، وما زالت تحكم، لبنان. ويعد هذا المؤشر ترجمة حقيقية للحرب الأهلية التي عصفت بلبنان، والتي أنتجت هذه الطبقة السياسية. فقد أنتجت الحرب طبقة تحاول الحفاظ على مكتسباتها ومصالحها، ولذا عمدت إلى نشر ثقافة الفساد في لبنان، لأن تفعيل مبدأ الرقابة والمحاسبة يعرض مصالحها للخطر، ولذا فإنه من الطبيعي أن يحصل لبنان على مستويات متدنية في مؤشر مدركات الفساد، فالفساد يطال الوزارات، الإدارات، المؤسسات العامة، الغذاء، الطبابة. أما بالنسبة إلى النتائج، فإن النتيجة الأساسية لارتفاع حدة الفساد في لبنان تكمن في ارتفاع الدين العام الذي تخطى 60 مليار دولار، ارتفاع عجز الكهرباء إلى مليارَي دولار سنوياً.

*كيف يؤثر الفساد برأيكم على البنية الاقتصادية اللبنانية؟

أولاً يجب التوضيح أن الاقتصاد اللبناني جزء منه منظور، وجزء آخر غير منظور، ويطال الفساد كلا الشكلين، خاصة البنية الاقتصادية التي أسست بطريقة فاسدة، فلبنان يعيش في منظومة فاسدة سياسياً، وهو ما انعكس بطبيعة الحال على الاقتصاد والمجتمع. ويمكن ملاحظة سيادة منطق اللاقانون في العديد من مؤسسات الدولة، التي تعتمد القانون معياراً أساسياً في عملها. لا شك في أن الاقتصاد اللبناني دفع ثمناً بالغاً، ونحن نشهد اليوم التحركات الشعبية التي تطالب بمحاسبة الفاسدين. غياب الكهرباء في لبنان يعود بالدرجة الأولى إلى الفساد السياسي والإداري، وارتفاع نسبة الرشوى والمحسوبية.

أزمة النفايات فصل جديد من فصول الفساد السياسي بكافة أشكاله، يدفعه المواطن الفقير. هل يمكن ونحن في عصر يواكب التطور والسرعة في كافة المجالات، نعجز عن تأمين قرار موحد بين الوزراء لحل أزمة النفايات؟

إلى ملف الدواء والغذاء، وقد شهدنا ما قام به وزير الصحة، وائل أبو فاعور، من حملات خلال نهاية العام الماضي وبداية هذا العام. للأسف الفساد في لبنان بات سمة من سماته.


اقرأ أيضاً:أديب نعمة: توزيع الثروة الوطنية أساس الاقتصاد العادل

 
*برأيكم، كيف يمكن الخروج من آثار الفساد ونتائجه على المجتمع اللبناني؟

لا شك في أن هناك خططاً عديدة للنهوض بالاقتصاد اللبناني عبر القضاء على الفساد، ويتجلى ذلك من خلال العمل على إنتاج بنية سياسية جديدة، إذ إن البنية السياسية تعد النموذج الأساسي الذي يدير البلاد، فتشجيع الكوادر الشابة والسماح بالتعددية، من الأساسيات لبناء نظام سياسي، وفي لبنان عشنا الحرب الأهلية مع ما ترافقت معها من مآس على كافة المستويات، خاصة وأنها سمحت بانتشار الفساد في كافة المجالات في الدولة بسبب انتشار المليشيات المسلحة، وبعد انتهاء الحرب، للأسف ملوك الحرب تقاسموا دفة الحكم، وبتنا محكومين بالفساد، ولذا فإن آليات الخروج من الفساد تكمن في تغيير الطبقة السياسية، وانتشار الوعي بأهمية محاربة الفساد، وسَنّ قوانين و تشريعات جديدة.


*برأيكم هل يمكن للنخبة الموجودة في لبنان أن تساهم في بناء دولة جديدة بعيدة عن الطبقة السياسية الحاكمة؟

لنكن واضحين: جزء كبير من هذه النخبة نشأ على يد السلطة السياسية الفاسدة، وتعلم مبادئ الرشوة والمحسوبية، لا يمكن الاعتماد على النخب فقط لبناء دولة جديدة، بل يجب الاعتماد على تربية جيل جديد بمفاهيم جديدة، وهذا يتطلب فترة طويلة لنزع آثار الفساد من نفوس المواطنين. وبالرغم من ذلك، يمكن ملاحظة الوعي الشبابي اليوم لقضايا الفساد.

*منذ سنوات، عملت الجمعية مع بعض المؤسسات الدولية على تعزيز الشفافية في لبنان، أين أصبح هذا المشروع؟ وهل تعتقدون أن تعزيز الشفافية يمكن أن يبصر النور في لبنان في ظل هذه الأوضاع؟

عملت الجمعية انطلاقاً منذ عام 2008 على ترسيخ حق الحصول على المعلومات، وجاءت هذه المبادرة بالتعاون مع منظمة "برلمانيون لبنانيون ضد الفساد" و "الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية - لا فساد" و "جمعية الدفاع عن الحقوق والحريات - عدل"، بالتعاون مع "جمعية المحامين والقضاة الأميركيين"، في مبادرة سيادة القانون. وسعت هذه المبادرة إلى تعزيز الشفافية والمساءلة وإلى النهوض بسيادة القانون والمشاركة المدنية في لبنان، من خلال الوصول إلى المعلومات وتوفير الحماية للأفراد الذين يبلّغون عن أعمال الفساد.

وفي عام 2008 تحديداً، تم العمل على إطلاق هذه المبادرة انطلاقاً من غياب الشفافية في لبنان، فالتشريعات الخاصة بالكشف عن الفاسدين ما زالت غير مكتملة، ولذا فقد تم وضع مشروع قانون يضمن الحق في الوصول إلى المعلومات، والذي من شأنه أن يؤسّس لمجتمع أكثر انفتاحاً وديمقراطية، ويتجلى ذلك من خلال السماح للمواطنين في لبنان بطلب، من جميع الإدارات الرسمية، الوثائق التي من شأنها أن تؤثر على حياتهم اليومية وتمكنهم من اتّخاذ القرارات. ويعد هذا القانون، من وجهة نظري، أول الخطوات لتعزيز الثقة بين المواطنين وحكوماتهم. إلى ذلك، فإن حق الوصول إلى المعلومات يزيد من فعالية الحكومة ويثني الدولة عن أي عمل تعسّفي ويحدّ من الفساد و يروج للاستثمار. ولذلك عملت الجمعية خلال هذه السنوات على إيصال هذا القانون نحو مجلس النواب ليصار إلى إقراره.


*يتبين، من خلال حديثكم، أن المجتمع المدني يقوم بخطوات فعالة لجهة الكشف عن الفساد ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم. برأيكم هل يُعَدُّ دور المجتمع المدني، حتى اليوم، كافياً لمواجهة الفساد المستشري في لبنان؟

لا شك في أن المجتمع المدني في لبنان يقوم بدور فعال في هذا الاتجاه. وقد أظهرت التجارب خلال السنوات الماضية قدرة المجتمع المدني على خوض معارك كبيرة ضد الفاسدين. حتى اليوم فإن تحركات المجتمع المدني ضد الفاسدين تعد من المعارك الشرسة التي خاضها ويخوضها، إلا أنه وبرأيي هناك العديد من النقاط التي يجب معالجتها، ليتمكن المجتمع المدني من لعب الدور الأساسي الموكل إليه، لذا فإنه من الضروري متابعة الظواهر الاجتماعية، وتحليلها، ومن ثم العمل على إنتاج الحلول المناسبة، فالشعارات أو البيانات الصحافية لا تكفي لمعالجة الفساد في لبنان، أو حتى معالجة أية ظاهرة سلبية. ولذا أعتقد أن المجتمع المدني يقوم بخطوات فعالة وتشكيل آليات للضغط على الطبقة السياسية تفيد في الكثير من الأحيان، لكنني في هذا الصدد، أؤكد أنه لا بد من تفعيل المزيد من الخطوات لتشكيل قوة ضاغطة أكبر في وجه السلطة.

اقرأ أيضاً:لماذا ينتفض اللبنانيون؟

*من خلال موقعكم، ورصدكم جميع التحركات في لبنان، هل تعتبرون أن الوسائل الرقابية في الدولة تلبي الحاجات؟ هل تقوم الهيئات الرقابية بالدور الموكل إليها والمنصوص عليه في القوانين والتشريعات؟

أولاً، لا بد من الاعتراف بأن الهيئات الرقابية في لبنان تقوم بالدور الموكل إليها، ولكن تحديد الدور، وآليات المتابعة، وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب، خطوات ما زالت تحتاج إلى دراسة أكثر. فالهيئات الرقابية لا تمتلك الآليات الأساسية للقيام بدورها. الأجهزة الرقابية كباقي مؤسسات الدولة تعاني من الفراغ، غياب العدد الكافي من الموظفين، وجود هيكلية تابعة للأحزاب السياسية. منذ تسعينيات القرن الماضي لم يتم تفعيل عمل هذه الجهات الرقابية، لم يتم تحديث القوانين التي تلبي مصالح المواطنين، وهذا الأمر في اعتقادي من الأساسيات التي ساهمت في انتشار الفساد في لبنان وداخل جميع القطاعات.

*في السنوات الماضية، ربط العديد من الكتاب ظاهرة الإرهاب بالفساد، وكثرت التقارير التي تشير إلى أن انتشار الفساد أدى إلى ارتفاع موجة الإرهاب، كيف تقيّمون هذه المقولة؟ وهل ولدت ظاهرة الإرهاب من رحم الفساد؟

من ينظر إلى الأماكن التي انطلقت منها بذور الإرهاب، يلاحظ أن سوء توزيع الثروات، وغياب العدالة الاجتماعية، الفروقات الطبقية، غياب السلطة وتمركزها في يد القلة، بالإضافة إلى الاستبداد والظلم، كانت محور مجتمع الإرهابين. في علم الاجتماع لا يولد الفرد وفي داخله نواة إر
هابي. هناك عوامل عديدة تساهم في تعبئة المواطنين. على سبيل المثال، غياب فرص العمل، والفقر، القهر في العديد من مناطق العالم، كانت النواة الأولى لظهور الإرهاب، وبالتأكيد هناك عوامل أخرى تلعب دوراً في هذا الصدد، ولكن لا يمكن فصل الفساد لدى الطبقات السياسية والاستبداد عن انتشار الإرهاب في العديد من المناطق، والمسؤولية تقع بالدرجة الأولى على الحكام الذين أنشأوا مجتمعاً إرهابيّاً.


*نتناول كثيراً موضوع الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، ألا يوجد فساد في القطاع الخاص؟

الفساد داخل القطاع الخاص موجود، ولا يمكن القول إن المؤسسات الخاصة تتمتع بالشفافية 100%، لكن انتشار الفساد داخل القطاع الخاص أقل بكثير من انتشاره داخل القطاع العام، لأسباب عديدة، منها منطق الربحية في القطاع الخاص، تطبيق مبدأ الثواب والعقاب. ولكنني أودّ الإشارة هنا إلى نقطة هامة يجهلها البعض، القطاع الخاص من وجهة نظري رافد أساسي لانتشار الفساد في القطاع العام. فتمركز الأموال بيد القطاع الخاص يدفعه لشراء الموظفين في مؤسسات الدولة من أجل التخلص من آليات البيروقراطية. ونلاحظ أن الرشى ودفع الأموال من تحت الطاولة تكون عادة من قبل المؤسسات الخاصة، من أجل تمرير ملفاتها. ومن هنا أعتبر أن الخاص يعزز الفساد عند العام بشكل كبير.

اقرأ أيضاً:التفاوت الصارخ: لبنانيون يعيشون برواتب لا تكفي سعر مسكن
المساهمون