سر انتقام النظام المصري من مزارعي القمح

26 يونيو 2016
معاناة الفلاح المصري مع زراعة القمح تتفاقم
+ الخط -

أعلن وزير التموين المصري، خالد حنفي، قبل أيام، عن استلام كميات قمح قياسية من المزارعين بلغت 5 ملايين طن!! بزيادة 25% عما كان يستهدفه الوزير، وأرجع الزيادة المزعومة إلى التيسيرات التي تم تقديمها للمزارعين!!

الوزير وصف موسم توريد القمح بالناجح، على الرغم من أن مزارعي القمح لم يتعرضوا لمهانة وإهدار حقوقهم وهدر عرق جبينهم منذ ثورة يناير 2011 بمثل ما تعرضوا له في موسم حصاد هذا العام على أيدي النظام الذي تعمّد الانتقام من مزارعي القمح هذا العام.

على مدار موسم القمح الماضي، تفننت الحكومة، ممثلة في وزيري التموين والزراعة، في وضع العراقيل أمام المزارعين لصرفهم عن زراعة هذا المحصول الاستراتيجي بألاعيب متعددة ورخيصة، بعضها من التراث البالي لنظام المخلوع مبارك، وبعضها مبتكر بدهاء ومكر.

 

المخطط الأول

بدأ مبكراً في يوليو 2015 قبل استعداد المزارعين لزراعة القمح بشهرين بإعلان وزير التموين عن نية الحكومة شراء القمح بالسعر العالمي، وهو السعر الذي يقل عن السعر الحالي بمقدار 1000 جنيه للطن، ما صرف المزارعين إلى زراعة المحاصيل الأكثر ربحية، البرسيم والبنجر، وتراجعت مساحة القمح بمعدل 500 ألف فدان، أو 23% عن مساحة العام الماضي، بحسب التقرير الرسمي الصادر عن شؤون المديريات الزراعية التابع لوزارة الزراعة، أو 800 ألف فدان، بحسب روايات غير رسمية.

ولمعرفة تأثير هذا المخطط، خرجت جريدة الأهرام التعاوني الحكومية بعد مؤتمر وزيري التموين والزراعة اللذين أكدا فيه ما أعلنه وزير التموين قبل موسم الزراعة، والمانشيت الرئيسي بعنوان "القمح في ذمة الله".. وزيرا الزراعة والتموين يعلنان نهاية عصر زراعة المحصول في مصر. وأشارت إلى مخطط وزارة التموين لتدمير زراعة القمح لصالح مافيا الاستيراد.


الحكومة تراجعت عن القرار، لكن التراجع جاء متأخرا جدا بعد نجاحه في تقليص المساحة على هذا النحو.

المخطط الثاني

كان إغلاق 105 شون مُعدة لاستقبال القمح في وجه الفلاحين، بحجة تطويرها بواسطة شركة بلومبيرغ الأميركية، ثم إغلاق 160 شونة أخرى بحجة أنها ترابية، أمرا مريبا حقا، خاصة أنها ظلت تستقبل أقماح الفلاحين لعشرات السنين، وكان يمكن تطويرها جميعا قبل بداية الموسم بوقت كاف، ووصل مجموع الشون التي أغلقت بأمر الوزير قبل بداية الموسم، 265 شونة، ولم يتبق من الشون المسموح باستقبال القمح فيها سوى 135 شونة على مستوى الجمهورية.

محافظة الشرقية وهي الأعلى في إنتاج القمح على مستوي الجمهورية، ورغم أن المحافظة بها 66 شونة وصومعة، إلا أن طوابير المزارعين طويلة بدون توريد، ما كبدهم خسائر مضاعفة، بسبب إيجار السيارات التي تنتظر محملة بالمحصول عدة أيام.

أحد المزارعين تنقّل بين 3 شون في 3 مراكز ولمدة أسبوع ولم يتمكن من توريد محصوله بسبب الزحام.

محافظة الدقهلية، ثالث أكبر محافظة إنتاجا للقمح، لم يسمح وزير التموين للمزارعين فيها سوى بـ6 شون فقط، بينها عشرات الكيلومترات، وإغلاق باقي شون المحافظة، حتى كانت مراكز ميت غمر وأجا ونبروه بدون شون لاستلام القمح. شونة بلقاس مثلا تتسلم القمح من 22 قرية، بعد أن كانت كل قرية بها شونة تقريبا، ولا يتحرك المحافظ لفتح الشون إلا بعد قرابة الشهر من بداية الموسم، وبعد أن لقن النظام المزارعين الدرس وخربت بيوتهم وناموا أياما عديدة أمام الشونة وخسروا 20% من ثمن القمح لسداد أجرة سيارات النقل لهذه الأيام!!

محافظة المنيا لا يسمح لها إلا بـ3 شون فقط لاستلام محصول القمح، والمسافة بينها أكثر من 70 كم، والطرق المؤدية إليها غير آمنة. التجار يساومون الفلاحين للشراء بمبلغ 350 جنيها للإردب، بدلا من 420 جنيها، مقابل توصيله إلى الشون البعيدة.

كفر الشيخ وهي من المحافظات العالية في إنتاج القمح، دخل كذلك منتجو القمح فيها في اعتصام مفتوح أمام مكان استلام القمح وعلى شريط السكك الحديدية بسبب عدم استلام المحصول منهم، رغم انتظارهم أكثر من أسبوع لتسليم المحصول، وانتقلت إليهم قوات الشرطة ورددوا هتافات ضد المسؤولين لعدم تسلمهم المحصول.

 

المخطط الثالث

اشترط الوزير على مزارعي القمح وجود حيازة زراعية لديهم تثبت أنهم زرعوا القمح في أراض مصرية، وليس في أراض فرنسية أو روسية!! فصدم المزارعين، لأنه يعلم أن 70% من المزارعين لا يملكون حيازات، أو مستأجرين لا يملكون الأرض التي زرعوا القمح فيها، ما جعل هذا الشرط سكينا يذبح به المزارعين لينتظروا أمام الشونة عدة أيام، لأنهم مستأجرون لا يملكون حيازة زراعية.


ولم يتمكن المزارع من بيع محصوله في الشونة، واضطر كثيرون إلى البيع للتجار في السوق السوداء بأسعار بخسة تقل 60 جنيها في الإردب عن السعر الرسمي، وهو مبلغ يبدو بسيطا، لكنه يكبد المزارع خسارة قدرها 1200 جنيه في كل فدان.

المخطط الرابع

بعد أن نجح مخطط الحيازة في تعطيل التوريد لمدة شهر وقبل انفجار الفلاحين، اشترط الوزير وجود أسمائهم في كشوف حصر حقول القمح المعدة من قبل وزارة الزراعة بدل الحيازة.

والوزير يعلم كذلك أن كشوف الحصر الموجودة لدى الجمعيات الزراعية هي كشوف وهمية وسداد خانة والأسماء بها خاطئة أو ساقطة. زاد الوزير معاناة الفلاحين هذه المرة بإصدار تعليمات بعدم اشتراك الفلاحين في سيارات نقل القمح المجمعة، بحيث يورد كل مزارع في سيارة بمفرده! أقل ما يقال عن هذه التعليمات أنها انتقامية، ما ضاعف من الأعباء المادية على الفلاح وزاد من خسائره.

 
المخطط الخامس

وبعد أن يتمكن المزارع من دخول الشونة، بعد ما سبق من عراقيل، يجد إجراءات استلام القمح تتم ببطء شديد، بهدف تعطيله عن توريد محصوله، فتظهر الشونة وكأن العمل يسير فيها لاستقبال القمح، ولكن فعليا فإن الشونة شبه مغلقة، ويقف المزارعون مكدسين في صفوف طويلة ومهينة. وهذا المخطط يُعرف في عصر المخلوع مبارك بعملية "خنق الشونة".

 

المخطط السادس

وبعد انتهاء أزمة توريد الأقماح للشون، تتولد أزمة أخرى، وهي عدم صرف الحكومة مستحقات المزارعين عن القمح الذي ورّدوه لمدة تصل إلى شهر كامل، بحجة أزمة السيولة لديها. الحكومة استلمت أقماحا تجاوز سعرها 11 مليار جنيه، ولم تصرف سوى 3 مليارات جنيه فقط. المجلس القومي للفلاحين ناشد الحكومة سرعة صرف مستحقات الفلاحين قبل بداية شهر رمضان.

ونتيجة هذه المخططات الخبيثة، وأمام إحدى الشون في محافظة المنيا، تظاهر المزارعون بسبب غلق الشونة، رغم توقع بطش النظام بهم، وصرخ أحدهم "الفلاح قرب يشحت يا ريس، وخلاص بقينا جعانين، ولو يا حكومة مش عايزة محصولنا، خلاص مش هنزرعه تاني". فهل لهذه النتيجة يصف الوزير موسم توريد القمح هذا العام بالناجح؟!

 
لماذا يحارب النظام مزارع القمح؟

في مقابل هذه الإجراءات التعجيزية ومنذ اللحظة الأولى التي تولى فيها الوزارة، يتفاخر وزير التموين بأن مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، بل ذهب إلى أبعد من ذلك وصرح بأنه ليس من مصلحة مصر أن تكتفي ذاتيا من القمح، كما أنها لا تستهدف ذلك.
ويتساهل النظام في جودة القمح المستورد ويوافق على استيراد أقماح فرنسية ذات محتوى رطوبي مرتفع يصل إلى 13.5%، رغم اعتراض غرفة صناعة الحبوب، لأنه يخالف المواصفات القياسية المصرية المعمول بها، وذلك لمحاباة الحكومة الفرنسية التي تدعم الجنرال السيسي.

ولنفس السبب، تساهل النظام في استيراد أقماح تحتوي علي فطريات "الإرجوت" السامة، رغم خطورته على الصحة، وذلك لإرضاء حكومتي روسيا وفرنسا الداعمتين لنظام السيسي والمورّدتين لهذه النوعية من الأقماح الموبوءة على حساب صحة المصريين وتفريطا في السيادة الغذائية والأمن القومي.

يرى الحاج عبد الرحمن شكري، نقيب فلاحي مصر ونائب رئيس لجنة الزراعة في مجلس الشعب السابق، أن هدف النظام من هذه المخططات ألا يربح الفلاح المصري الذي يزرع القمح، وبهذا لا يقوم بزراعته مرة أخرى، وهو ما سبق مع القطن حتى اختفى ونظل نستورد من الدول الأجنبية.

دلالات