سر البرق... بطاريات السماء

15 فبراير 2020
أطول ارتفاع لبرقٍ رصُد كان 321 كم (جيسون وينغارت/Getty)
+ الخط -
سحرت ظاهرة البرق البشر منذ آلاف السنين. كيف ينشأ البرق؟ لا جواب دقيقاً على هذا السؤال حتّى الآن. يحاول الباحثون الآن، البحث في هذه الظاهرة باستخدام التكنولوجيا المتطوّرة. ثمَّة قصص عديدة في التاريخ القديم، تدلُّ على افتتان البشر بالعواصف الرعديَّة منذ أزمنة سحيقة. في الكتاب المقدس، تم تفسير البرق والرعد على أنّه غضبٌ من الله. في بعض الحضارات الأخرى، البرق هو مطرقة يلقيها الإله من أجل تنبيه البشر إلى ذنوبهم. بعيدًا عن هذه التفسيرات، يحاول العلم حاليًا، البحث أكثر في أصول ظاهرة البرق، علمًا أنّ آليته الدقيقة ليست معروفة حتّى الآن بالكامل.

أوّل محاولة جديّة في دراسة البرق جاءت من عالم الطبيعة والسياسة الأميركيّ بنجامين فرانكلين منذ أكثر من حوالي 250 عامًا، من خلال تجربته المعروفة بتجربة الطائرة الورقيَّة. إذْ أثبت عن طريق استخدام طائرةٍ ورقيّة أثناء عاصفة رعديَّة عام 1752، أنّ البرق هو تفريغٌ لشحناتٍ كهربائية. وسواء هذه كانت تجربة فكريّة أدّت إلى نتائج عمليَّة، أو تجربة علمية واقعية، فإنّ فرانكلين هو من اخترع موانع الصواعق.

وزادت المعرفة العلمية بالبرق بشكلٍ كبيرٍ في السنوات الماضية من خلال تقنيات القياس التكنولوجية. في عام 2016، أعلنت منظّمة الطقس العالمية WMO، عن أرقام مرصودة حول البرق، تشكّك بالكثير من التفسيرات العلميَّة. أطول زمن لوميض للبرق كان 7.74 ثوان وتم تسجيله عام 2012 في شهر آب/ آغسطس في جنوب شرق فرنسا، بارتفاعٍ وصل إلى 200 كلم في السماء. ولكن أطول ارتفاع لبرقٍ تم رصده عبر التاريخ، كان في ولاية أوكلاهوما الأميركيّة، إذْ بلغ ارتفاع الوميض حوالي 321 كم في السماء.

أما أكثر مكانٍ شهد بروقًا على سطح الكرة الأرضيّة فهو في بحيرة ماراكايبو في الساحل الشمالي الغربي لفنزويلا. ووفقًا لموسوعة "غينيس" للأرقام القياسيّة، فإنّ البرق حصل 181 مرّة في الساعة عند البحيرة أثناء عاصفة رعديّة سميّت بـ "كاتاتومبو". ويفسّر العلماء هذا الأمر بموقع البحيرة الذي يقع بين سلسلتين جبليتين، إذْ يتدفّق الهواء الرطب القادم من الكاريبي بين السلسلتين. وتكون نسبة الرطوبة حوالي 80% في الجو، ومع ارتفاع درجة الحرارة، تتولّد الكثير من الطاقة، وتحصل البروق. 
وقام باحثون هنود في عام 2019 بقياس حجم الطاقة الكبيرة التي تتولّد أثناء البروق. ونشرت المجموعة البحثيّة بقيادة سونيل غوبتا، من "معهد تاتا" للبحوث في بومباي، ورقّة في مجلة Physical Review Letters العلميّة المحكّمة. واستخدم العلماء كاشفاً يلتقط الأشعة المتولّدة أثناء البرق، اسمه GRAPES-3، حتّى أثبتوا نتائج ورقتهم. وسجّل الجهاز نشاط حوالي 2.5 مليون جزيئة مكوّنة من الجسيمات الأوليّة في الدقيقة. ويحدث البرق لما تنحرف هذه الجزيئات المشحونة عن الحقول الكهربائيّة التي تتوضّع فيها عادة. في ديسمبر/ كانون الأوّل عام 2014، قدر باحثون كميّة الطاقة الكهربائيّة التي ولدتها البروق في مكان في الهند تبلغ مساحته 380 كم مربع بحوالي 1.8 مليار فولت. 

أخيرًا، قامت مجموعة من الباحثين الألمان والهولنديين، باستخدام تلسكوبات LOFAR الموجودة في كافة أنحاء أوروبا، بدراسة البروق. وقالت آنا نيلز إحدى المشاركات في البحث: "لاحظنا مرارًا وتكرارًا، تغيُّر إشارات الإشعاعات الكونيَّة أثناء حدوث البروق". ولأنّ هذه التلسكوبات تعطي صورًا بصريّة أيضًا، اكتشف الفريق أنّه أثناء التماع البرق، تتشكّل داخل السحابة قناة بلازميّة تتحرّك فيها الشحنة الكهربائيَّة، ويصل طولها إلى 100 متر، تشكّل قناة تفريغٍٍ لفرق الجهد الموجود في السحابة. تقول نيلز: "بسبب هذه القنوات البلازميَّة، تتمكّن السحابة من تفريغ توتُّرها عدّة مرات خلال فترةٍ زمنية قصيرة.. إنها تقريبًا مثل آلية عمل البطاريَّة".
المساهمون