سرقة دماء أطفال الشوارع في مصر

15 نوفمبر 2018
أكياس دم محفوظة في أحد المستشفيات (ديزيري مارتين/فرانس برس)
+ الخط -
خلال الأشهر الأخيرة، شهد القطاع الصحي في مصر نقصاً ملحوظاً في أكياس الدم، بالتوازي مع ارتفاع كبير في الأسعار، بعدما تخطّى سعر كيس الدم الواحد 1200 جنيه (نحو 67 دولاراً) في عدد من المستشفيات الخاصة وبنوك الدم الخاصة وغير المرخصة، علماً أن كيس الدم في المراكز الحكومية المرخصة لا يتجاوز سعره 450 جنيهاً (نحو 25 دولاراً). واقع يشير إلى دخول أكياس الدم "البيزنس". وبدلاً من أن تكون أكياس الدم وسيلة آمنة لإنقاذ حياة المرضى، تحولت إلى وسيلة جديدة للاتجار بحياتهم وتحقيق الأرباح.

بدأت أزمة نقص أكياس الدم في مصر عام 2007، بسبب قلّة التبرع وتناقص المخزون الاستراتيجي للدم في البنوك والمستشفيات بنسبة 80 في المئة، بعد إثارة قضية أكياس الدم غير المطابقة للمواصفات، وإحجام المواطنين عن التبرع، إضافة إلى قيام البعض ببيع دمه في مقابل المال في المستشفيات والمراكز، وبنوك الدم الخاصة والبنوك غير المرخصة.




وفي ظل ارتفاع أسعار أكياس الدم في مصر، لم تستطع وزارة الصحة التحكم بالأسعار في المستشفيات الخاصة، ليقع المواطن ضحية لجشع المراكز الخاصة ببيع أكياس الدم، فيما يموت البعض لعدم توفر أكياس الدم في المستشفيات الحكومية. وازداد الوضع سوءاً بعد فرض وزارة الصحة التبرع الإجباري على أحد المرضى، ممن لا تسمح ظروفه بالعلاج على نفقته الخاصة، كشرط لبقائه في المستشفى.

ولجأت بعض المستشفيات الخاصة والتجار إلى سحب الدماء من أطفال الشوارع، ما وصف بـ "الجريمة الكبرى"، وحذروا من احتمال إصابتهم بأمراض ومن ثم نقلها. ويكشف البعض، أن المستشفيات تنقل الأطفال بواسطة سيارات خاصة في أوقات مختلفة من الليل، بعيداً عن عيون الناس. وفي حال اكتشاف أمرهم، يؤكدون أنهم جمعيات لرعاية الأطفال، ويسحبون منهم الدم في مقابل وجبة غذاء، بحجة إنقاذ أشخاص آخرين. ويلفت البعض إلى أن العشرات من هؤلاء الأطفال يموتون من دون معرفة أسباب وفاتهم.

وتقدّم المجلس القومي للطفولة والأمومة ببلاغات عدة إلى النائب العام، وعدد من الجهات المسؤولة، من بينها وزارتي التضامن الاجتماعي، والداخلية، بسبب انتشار سحب الدم من أطفال الشوارع والاتجار بأعضائهم، ما يعرّض حياتهم للخطر. وطالب المجلس وزارة التضامن، بالتواصل مع الجمعيات التي تأوي الأطفال المشردين لحمايتهم من البرد وحمايتهم من تجار الدم، والنهوض بأوضاع الأطفال. كما طالب المركز وزارة الداخلية بالنزول إلى الشوارع، وخصوصاً شوارع القاهرة والإسكندرية، والعمل على إيجاد مأوى للأطفال بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي.

ويلفت أستاذ ورئيس وحدة المناعة والحساسية في كلية طب جامعة الأزهر محمد نبيل، إلى أن بعض أطفال الشوارع يعانون من أمراض مختلفة، من بينها "الإيدز"، موضحاً أن غالبية المستشفيات ترفض استقبالهم وعلاجهم. ويوضح أن تقارير منظمات صحية تابعة للأمم المتحدة تؤكد أنّ 25 في المئة من أطفال الشوارع المصريين مصابون بمرض نقص المناعة "الإيدز" وفقر الدم، ويتجولون بحرية في الشوارع، ويختلطون بالناس من دون أن يعلموا أنهم يحملون فيروس نقص المناعة "الإيدز". يضاف إلى ذلك تناولهم كميات كبيرة من الأدوية المخدرة، من بينها أقراص "الترامادول". إذاً، فإن نقل الدم من هؤلاء إلى أشخاص آخرين يمثل كارثة صحية وجريمة يعاقب عليها القانون، مشيراً إلى أن "فيروس سي" الذي ازداد مؤخراً في مصر سببه نقل الدم الملوث.

ووصل أمر سحب الدم من أطفال الشوارع إلى مجلس النواب، حيث طالب بعض أعضاء المجلس بضرورة تكثيف الرقابة على بنوك الدم، سواء المستشفيات الحكومية أو الخاصة، بعد انتشار مافيا تجارة الدم في الشوارع المصرية، ولجوء البعض مؤخراً إلى أطفال الشوارع باعتبارهم غنيمة لسحب دمائهم. ويؤكد عضو مجلس النواب تادرس قلدس أن سحب الدم من أطفال الشوارع، بحجة إنقاذ الأرواح في المستشفيات جريمة كبرى، وخصوصاً أن معظم المستشفيات تسحب الدم من دون أي إجراءات، ما يمثل كارثة صحية كبيرة داخل المستشفيات، في ظل غياب الرقابة الصحية الكاملة. ويلفت إلى أن بعض المستشفيات في مصر أصبحت مسببة للمرض وليست مكاناً للعلاج.




ويوضح قلدس في طلب الإحاطة المقدّم منه إلى رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، أن المستشفيات الحكومية والخاصة تقوم حالياً ببيع "كيس الدم الواحد" بأرقام باهظة، وتشتريه بوجبة طعام أو مبالغ مالية زهيدة. ويشير إلى أن مافيا تجارة الدم انتشرت بطريقة كبيرة في عدد من المحافظات المصرية، وتستقطب أطفال الشوارع لبيع دمائهم ثم إعادة بيعها للمستشفيات الخاصة بأرقام كبيرة. ويشدد على ضرورة المراقبة الأمنية للمستشفيات، وزيادة العقوبة الجنائية على من يثبت تورطه في تجارة الدم لمنع تكرار تلك الجرائم.
المساهمون