سرقات باريس... استهداف السيّاح يسيء إلى سمعة المدينة

02 ديسمبر 2016
ألقي القبض عليه (ألان جوكارد/ فرانس برس)
+ الخط -
الاعتداءات المتكرّرة على السيّاح في العاصمة الفرنسية باريس بهدف السرقة، بدأت تؤثّر على سمعة هذه المدينة التي تستقبل عدداً كبيراً منهم

لعلّ السؤال الرئيسي بعد أي اعتداء يتعرّض له سائح في فرنسا، أكان سرقة أموال أو مجوهرات، هو: "ما الذي تفعله الشرطة"؟. سؤال يتكرّر في كلّ مرة، ما دفع الصحيفة الفرنسية الساخرة، "لوكنار أونشينيه"، إلى كتابة موضوع تحت عنوان: "ما الذي تفعله الشرطة؟".

لدى وصولهم إلى فرنسا، يتوجّب على السياح التصريح بالحلي والمجوهرات التي في حوزتهم، ولا يجب أن يكون في حوزة أي شخص أكثر من 10 آلاف يورو. ويستطيع السائح، إذا ما تعرّض لاعتداء أو سرقة، أن يلجأ إلى سفارة بلاده، للتنسيق وتقديم الشكوى.

أخبار الاعتداءات وسرقة أموال ومجوهرات الأثرياء والمشاهير والسياح في العاصمة الفرنسية ليست جديدة. تحاول السلطات الأمنية الفرنسية، منذ سنوات، الحدّ منها، من دون أن تتمكن من ذلك. ووضع الاعتداء على سائحتين قطريتين أخيراً، وقبله مهاجمة مكان إقامة نجمة تلفزيون الواقع كيم كاردشيان بكثير من الجرأة، في موقف حرج، وقد أثّر على السياحة في فرنسا.

صحيح أنه يتوجّب على السلطات الفرنسيّة توفير الأمن للزائرين والسياح والمواطنين، إلا أنه تقع على السيّاح مسؤوليات وواجبات تشدّد عليها السلطات الفرنسية، ويمكن الاطلاع عليها في الموقع الإلكتروني لمديرية الأمن.

40 مليون سائح
تبدو مديرية الأمن في باريس مدركة للمخاطر التي تهدّد السياح في مدينة تستقبل سنوياً أكثر من 40 مليون سائح. لهذا، تنشر على موقعها نصائح للسياح، وتحذّرهم من عدم حمل مبالغ مالية كبيرة أو مجوهرات، بالإضافة إلى التوجّه إلى أفراد الشرطة في حال حدوث أي طارئ.

وإذا كانت معظم الاعتداءات والسرقات تحصل في الفنادق والمطارات، إلا أن سياحاً كثيرين لا يعرفون شيئاً عن هذه الاعتداءات، وقد يكون هذا تقصيراً منهم. تجدر الإشارة إلى أنه في المطارات، ومن بينها مطار شارل ديغول، تتواجد مجموعات تابعة لفرق مكافحة الجريمة، مهمتها مرافقة الحافلات التي تقلّ "سيّاحاً مهمّين". ويتوجّب على مسؤولي الفنادق في باريس إخبار مديرية الأمن لدى وصول أي حافلة، لترسل حراساً لاستقبالهم. كذلك، توجد شركات أمنية خاصة ترافق الشخصيات المهمة، وتحصل على ترخيص من قبل وزارة الداخلية الفرنسية.

منذ عام 2015، تُحاول الشرطة الحدّ من السرقات التي يتعرّض لها السياح، خصوصاً في الأماكن السياحية المعروفة، كجادة الشانزليزيه وبرج إيفل، أو قرب المتاحف الشهيرة كاللوفر وفرساي، وذلك بالتعاون مع متطوعين يتحدثون اللغات الصينية واليابانية والكورية. هؤلاء يقدّمون إرشادات للسيّاح حول كيفيّة حماية أنفسهم.

ورغم كلّ هذه الإجراءات، والتي لا يمكن أن تكون كافية في مدينة سياحيّة كبيرة كباريس، ما زال السيّاح عرضة للسرقة. وفي حال تعرّضوا لمثل هذا الأمر، يمكنهم تقديم شكاوى لدى مراكز الشرطة الموجودة في أماكن كثيرة في العاصمة.



قبل ثلاث سنوات، كثيراً ما كان السياح الصينيّون يتعرّضون لاعتداءات وسرقات، ما دفع السفير الصيني في البلاد إلى التحذير من منع الصينيّين من الذهاب إلى فرنسا. إثر ذلك، كانت أوامر وزارة الداخلية الفرنسية واضحة: "يجب أن يعود السياح الصينيون إلى بلدنا". بعدها، كان هناك استنفار من قبل السلطات الأمنية، شارك فيه نحو 26 ألف شرطي.

مكافحة الاعتداءات
من المؤكّد أنّ ما يحدث يسيء إلى سمعة العاصمة الفرنسية، وإن كان الأمر ليس جديداً. في عام 2013، حذّرت لجنة كولبير، التي تضم نحو 80 ماركة فرنسية فخمة، من أن الزبائن يفرّون من باريس خوفاً من الاعتداءات، لافتة إلى أن ما يحصل يؤثّر على الوظائف في العاصمة. أضافت أن باريس على وشك أن توصف بالعاصمة التي لا أمان فيها.

إلى ذلك، أساء سرقة سائحتين قطريتين في باريس من قبل رجلين مقنّعين، إلى سمعة باريس كعاصمة عالمية للسياحة، هي التي تجاهد لتحسين صورتها بعد عام من الاعتداءات الإرهابية الدامية، وبعد ثلاث سنوات من حملة مكافحة الاعتداءات بحق السياح الصينيين.

وفي التفاصيل، أفادت الشرطة الفرنسية بأن قطريتين قد تعرّضتا لعملية سطو على الطريق السريع المؤدي إلى العاصمة باريس، بعد وصولهما إلى مطار لوبورجيه، وقد استولى المهاجمان على مقتنيات بقيمة 5 ملايين يورو على الأقل. وأوضحت أن رجلين ملثمين هاجما السيارة التي كانت تقل السيدتين الستينيتين، وأجبرا السيارة على الانحراف عن الطريق والتوقف جانباً، ورشّا الغاز المسيل للدموع عليهما وعلى سائقهما، ثم استوليا على كل ما في السيارة من مجوهرات وملابس وأمتعة.

تجدر الإشارة إلى أن الطريق المزدحم الذي يربط مطاري شارل ديغول ولوبورجيه كثيراً ما يشهد عمليات اعتداء وسرقات للسيارات. وغالباً ما يستفيد اللصوص من الازدحام، فيكسرون زجاج السيارات الفارهة، والتي يفترض أن يكون في حوزة ركابها مبالغ مالية كبيرة ومجوهرات ربّما.

ما تعرّضت له القطريّتان ليس استثناء. وكان عدد كبير من رجال الأعمال الفرنسيين وغيرهم قد تعرّضوا لسرقات كثيرة، من بينهم فيليب جينيستي، رئيس مجموعة متاجر جيفي، الذي سرق منه مائة ألف يورو في أكتوبر/تشرين الأول الماضي قرب مطار لوبورجيه. وفي الشهر نفسه، سُلب نحو 27 سائحاً صينياً أمام فندقهم في الضاحية الباريسية، بينما كانوا يضعون أمتعتهم في حافلة تقلّهم إلى المطار. وقبل عام، تعرضت امرأة من أصول تايوانية لسرقة مجوهرات تقدّر قيمتها بـ4 ملايين يورو، بعدما كسر اللصوص زجاج سيارتها. وفي أغسطس/آب في عام 2014، تعرّض أمير سعودي لاعتداء من قبل مجموعة مسلحة ومقنّعة لدى وصوله إلى مطار لوبورجيه.

إلّا أن الاعتداء على كاردشيان كان كفيلاً بإثارة تساؤلات كثيرة، خصوصاً أن السرقة هذه المرة حصلت في محل إقامتها الفخم في قلب باريس، ما تطلّب تصميماً وجرأة غير مسبوقة من المهاجمين، وهو ما تحاول شرطة مكافحة الجريمة معرفة أسبابه ومكافحته. وقال مصدر في الشرطة الفرنسية إن خمسة مسلحين سرقوا مجوهرات تقدّر قيمتها بملايين الدولارات. أضاف أن اثنين من المهاجمين دخلا مسكن كاردشيان بعد تهديد الحارس الليلي بمسدس، مضيفاً أنها لم تتعرض للضرب، لكن المهاجمين وضعوا مسدساً في رأسها قبل تقييدها.

كاميرات مراقبة
لا شك أن الحكومة الفرنسية تشعر بالقلق من تأثير الاعتداءات على السياحة، التي تشكل نحو 9 في المائة من الناتج المحلي، علماً أن باريس وضواحيها خسرت، في عام واحد، نحو مليوني سائح. أمر دفع السلطات المعنية بالسياحة إلى ضخّ عشرات ملايين الدولارات لدعم المواقع السياحية، خصوصاً ضمان الأمن، على غرار الاستعانة بكاميرات مراقبة.