سرد لا يبحث عن بطولة

14 يناير 2016
القنّاصُ ذئبٌ جائع (فرانس برس)
+ الخط -
خِبرة سينارست
ثمّة بناية واحدة لم يطاولها الخراب، وفي البناية امرأةٌ وطفل. على الجانب الآخر، قنّاص يبحثُ عن طريدة. المدينة بلا كهرباء، لذلك أصبح القنديل في غرفة الأمِّ لعنة. يوجد احتمال واحد فقط، وهو أن تموت الأم وطفلها، إلا إذا أخطأ الصيّادُ طريدته.


القنّاصُ ذئبٌ جائع، يشتمُّ رائحة الدَّم، ويرقصُ على أجسادِ الضَّحايا. ماهرٌ في التصويب، وذكي في اقتناص اللحظة، ثمَّ شهوته للقتل من ستطلقُ الرصاصة، وليست أصابعه. عندئذٍ، تنعدم أي فرصة للنجاة.

لعبة دومينو خاسرة. لم يدرك القنّاص أن المرأة أصبحت في عالم الأموات، منذ آخر كسرة خبز في المدينة. اصطادها قنّاصٌ آخر، أكثر ذكاءً في تقفّي رائحة الدم. القنديل لم ينطفئ رغم الدمّار في بيت العائلة.

سيزيف المرحلة
"من لم يدخل أقبية المخابرات، لم يعرف معنى الخوف الحقيقي" هذا كل ما قالته لي، بعد أن خرجت من سجون النظام.

لدي مخيّلة، كما وصفها أحد أصدقائي "بنت حرام"، لذلك رأيتها تسحب من شعرها بين الزنازين، إلى غرفة التحقيق. جلّاد يصفعها ما إن يراها، يسقطها على الأرض، ثمّ يبصق عليها: "خاينة علويّة". وكأنَّ انتفاضة شعب في نظره، من ابتكار طائفة دون أخرى!

ينفجر في رأسها، ألف قنبلة موقوتة. بين حيطان إسمنتيّة، تفقد الإنسان صوابه، تمرُّ الدقائق ثقيلة ورتيبة، وكأنَّ الزمن في حالة احتضار، - يمكنني أن أتخيّل المشهد أكثر - أصوات وصرخات تزحف من الغرف المجاورة. رائحة لحم محروق تلجُ إلى الداخل. وأصوات الجلادين.

لحظة الذروة حين تسقط صورة الديكتاتور عن المسمار، ليظهر مربع أبيض في الحائط الوسخ في مبنى المخابرات.

مسدّس كاتم للصوت
رجلٌ في الغرفة، يجلس إلى حاسوبه، ويكتب. (الكتابة فعل احتشاد. أعتقد أنه يصرخ في وجه العالم، يثور، يتمرّد، أكثر من محاولة التماهي فيه، إنّه ثوري بالفطرة). يقتحم القاتل خلوة الكاتب، وفي يده مسدّس كاتم للصّوت.

يطلب الكاتب من القاتل أن يمهله خمس دقائق، لينهي مقالته (بالتأكيد، لا يحاول خداعه وكسب الوقت، بل يريد إنهاء المقالة، ثم إرسالها للصّحيفة). يجلس القاتل على الكنبة الوحيدة في الغرفة. لم تجذبه الكتب المكدّسة على المكتب، ولا اللوحات على الجدران، بل صورته في المرآة. كانت المرة الأولى التي يرى فيها نفسه منذ فترة طويلة (قام الكاتب بوصف حامل المسدس في نهاية المقال). تفاجأ من وجهه القبيح والدّموي في المرآة، فتغيّرت ملامحه وصارت أكثر بشاعة.

"يُقال: الوجه هوية الإنسان، والقاتل بلا وجه". يزداد صاحب المسدّس بشاعة، حتى وقت نشر المقال، إذ يتشكّل له وجه آخر، بملامح جديدة.

حفلة كوكتيل
يشرب الطّاغية مع رفاقه من قادّة الجيش، احتفاءً بآخر إنجازٍ حققوه: مدينة مدمّرة، وأطفالٌ موتى. قالوا له إن الشّعب أصبح بين قتيل وجريح ولاجئ، لكنه لم يصدّق. انفجرت في رأسه قنبلة، فاعتقد أن الجماهير تحتفل بعيد ميلاده. ردّ عليه أحد معاونيه وقال له إنها براميل متفجّرة، لكنّه لم يصدّق، وأمرَ بتدمير مدينة أخرى.

اكتشف الطّاغية أن الهتافات لم تكن سوى أوهامه. وصل إلى قناعة مفادها أنه أحمق مثل رفاقه من جنرالات الحرب. بالَ على نفسه حين رأى طفلاً يبول على صورته، أمام بوّابة القصر.

ما وراء التفاصيل
كأن أقول حزن أمي أقدم من اللغة، أو الأخضر بوصلتي ولون القلب. يكفي أن يكون ضميرك حيّاً، كي تكون مع الثورة.

(فلسطين)
دلالات
المساهمون