سراج "الكاز".. تاريخ من الليالي الطويلة المعتمة

15 مارس 2015
يقتني البعض "السروج" كنوع من التحف(العربي الجديد)
+ الخط -

يتشبّت الحاج أحمد رمضان جلّوق، بمتجره العريق المخصص لبيع العطور ومتعلّقات التطريز والأزرار، وبعض البضائع المنزلية القديمة التي أخذت بالتآكل واندثر بعضها في ظل التطور التكنولوجي. جلوق ذو الأصول الشيشانية، يتخذ من "سوق عالية"، أحد أقدم أسواق العاصمة الأردنية عمان، مكاناً أثيراً لهوايته.


لم يغره التطور العمراني الذي أصاب المدينة لينقل محله إلى إحدى الأحياء الحديثة، بعد أن استغنى الناس عن زيارات "البقالات والنوفوتيهات" القديمة، واستعاضوا عنها بمراكز التسوّق والمولات، يصر على البقاء بين جدران دكانه الأثير الممتلئ بالبضاعة القديمة والأصلية، كما يصفها لـ"العربي الجديد"، مؤكداً أن لبضاعته من يطلبها.

يقول: ما زلت أحتفظ بعطور قديمة جداً مغلّفة منذ تصنيعها قبل سنوات طويلة، وهذه العطور تحتفظ بأريجها الفواح، إضافة إلى كريمات البشرة والشعر و"لوازم الغندرة" النسائية، بماركاتها التقليدية.

المثير في دكان جلّوق، لمن يلقي نظرة فاحصة فيه، أنه يضم بضاعة حفرها الزمن في ذاكرة الناس، لكن استخدامها ندر هذه الأيام. ففي مساحة قليلة من المتجر الطاعن في القدم، تكتشف أن مالكه يعرض في أرجائه و"فاتريناته الخشبية" بعض القوارير الزجاجية المهملة، التي يقوم بإعادة تصنيعها بأسلوب متقن، ليقطع جزءها السفلي ويشذّبها ببعض الأدوات من مبارد وأزاميل وزراديات وورق زجاج وأصباغ خاصة، ليقوم تالياً بتركيب الأجزاء العلوية المعدنية ولمبة الإضاءة الزجاجية الشفافة وفتلة الكاز التي يحضرها من السوق جاهزة، لتصبح سراجاً زيتياً يضيء عند اشتعاله، أو قنديلاً تراثياً جميلاً.

يقول جلّوق: عشنا قديماً في ليالي عمان، وكان "سراج الكاز" رفيقنا في إنارة المنازل أثناء "لمّة الأسرة" وسهرات الجيران والمعارف وأيام الدراسة وقراءة الكتب وسرد حكايات وقصص التراث الشعبي المشوّقة، إذ إن أيام ذلك الزمن لم يكن فيها من المغريات ما هو متوفر الآن من تلفزيون وراديو، إلا في القليل من البيوت الميسورة أو المقاهي في عمان القديمة والأحياء الراقية في محيطها، مثل اللويبدة وجبل عمان.

ويضيف: كان استعمال الناس لـ"سراج الكاز" يتميّز بحذر شديد، فأي حركة متهورة عند حمل السراج أو الاصطدام به، ربما تؤدي إلى كسر لمبة السراج الزجاجية الشفافة، ودلق الكاز على الأرض أو الطاولة أو الجدار المعلق عليه السراج، لذا فالحرص على السراج كان مهمة عظيمة، بدءاً من عملية تنظيف زجاجة الإضاءة من السواد، "الشحبار"، بقطعة من قماش ندي، والانتباه لعدم رفع فتيلة السراج كثيراً كي لا يؤدي ذلك لحرق الفتيلة وتوسيخ الزجاجة بسرعة، وكذلك لكي لا ينبعث "الشحبار" بكثرة، ويؤدي إلى تعكير جو الغرفة بدخان السراج، (ثاني أكسيد الكربون)، ما يضر عملية التنفس ويبعث الروائح الكريهة.

جلّوق يؤكد أنه يواصل تجهيز "السروج"، رغم يقينه أن الطلب عليها يصل حدّ الندرة، لكنه يستمتع وهو يقوم بإعادة إنتاجها، مضيفاً: بعض الناس يفضّلون اقتناء "السروج" كنوع من التحف الشعبية دون استعمالها، لعرضها في المنازل كمنظر تراثي جميل. كما يقبل على اقتنائه السواح وزوار الأماكن القديمة، لما يمثّله من بُعد حضاري وتاريخي جذّاب.



دلالات
المساهمون