تتكاتف مجموعة من العوامل في الآونة الأخيرة لتهدد بأزمة سيولة عالمية، خصوصاً في سوق السندات. وهذه العوامل تتلخص في انكماش تدفقات البترودولار، التي تتحول بسرعة من تدفقات موجبة إلى تدفقات سالبة، واحتمالات رفع سعر الفائدة الأميركية والصعود القوي لسعر صرف الدولار أمام العملات الرئيسية.
على صعيد البترودولار، يلاحظ منذ انهيار أسعار النفط في يونيو/حزيران الماضي، أن أسعار النفط فقدت حوالي 50% من قيمتها، وبالتالي قلّت إيرادات الدول النفطية ولاسيما السعودية ودول الخليج، ومنذ بداية العام الجاري أصبح العديد من الدول النفطية يسحب من احتياطاته المالية، عبر بيع بعض الموجودات السهلة التسييل.
ويقول محللون في لندن، إن عمليات السحب المتواصلة من الاحتياطات وبيع الموجودات العالمية التي تملكها دول منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" تهدد تدفقات السيولة في السوق العالمية، خاصة أسواق السندات التي كانت تعتمد في انتعاشها على مشتريات الصناديق السيادية التي تستخدمها هذه الدول، وتملك دول مجلس التعاون الخليجي أرصدة مالية في الصناديق السيادية تفوق 3 تريليونات دولار.
وتتوقع بيانات أميركية أن دول "أوبك"، باستثناء إيران، ربما تحصل هذا العام على إيرادات من مبيعاتها النفطية، تقدر بحوالي 380 مليار دولار. وهذا الرقم يقل كثيراً عن حجم إيرادات النفط التي حصلت عليها دول المنظومة النفطية في العام الماضي، وهذا يعني أن حجم العجز في ميزانيات دول" أوبك"، سيتزايد عن التقديرات التي وضعتها الحكومات وستضطر هذ الدول إلى تغطية عجز الإنفاق عبر السحب من الاحتياطي الذي كونته في سنوات أسعار النفط المرتفعة.
وفي هذا الصدد يتوقع ديفيد سبيجال، رئيس الأبحاث بوحدة الأسواق الناشئة في مصرف "بي إن بي باريبا" الفرنسي في تقرير البنك الأخير، أن تضطر الدول المصدرة للنفط في منطقة الخليج وخارجها، إلى بيع موجودات تقدر بحوالي 200 مليار دولار هذا العام لتغطية العجز في الإنفاق. وعادة ما تستثمر الدول النفطية جزءاً من وفوراتها المالية في شراء سندات الدول الصناعية الكبرى، خصوصاً سندات الخزانة الأميركية والسندات اليابانية وسندات اليورو.
وفي ذات الصدد تشير المذكرة التي بعث بها مصرف "دويتشه بانك" الألماني لزبائنه في الشهر الحالي، إلى أن الدول النفطية ربما تلجأ لبيع السندات السيادية ذات العائد الضئيل، وعلى رأسها سندات دول منطقة اليورو.
ويلاحظ أن الدول المصدرة للنفط التي كانت مصدراً مهماً في رفد أسواق سندات الدين الحكومية وغيرها بالسيولة، باتت بحاجة للسيولة تحت وطأة ظروف انخفاض مداخيل النفط.
اقرأ أيضا:
المستثمرون يهربون من سندات اليونان
ولأول مرة ومنذ 20 عاماً تسحب دول "أوبك" السيولة من الأسواق بدلاً من إضافتها. ووفقاً للأرقام الرسمية عن السحوبات من الاحتياطات المالية التي أعلنت عنها الدول النفطية حتى الآن، فإن السعودية سحبت حوالي 20 مليار دولار من احتياطاتها في شهر فبراير/ شباط الماضي، وربما تتجه لسحب المزيد خلال الأشهر المقبلة وسط تزايد الإنفاق الدفاعي والأمني على "عاصفة الحزم" الجارية لتحرير اليمن من قبضة "مليشيات الحوثي" التي تدعمها وتموّلها إيران.
كما أن الجزائر قالت إنها سحبت من احتياطاتها 11.6 مليار دولار في يناير/ كانون الماضي. وسحبت أنجولا حوالي 5.5 مليارات دولار ونيجيريا 2.9 مليار دولار. ويتوقع مراقبون أن تتواصل سحوبات الدول النفطية من احتياطاتها خلال العام الجاري إلى حين تحسن أسعار النفط. وهو ما يعني المزيد من بيع السندات في السوق العالمية.
ورغم أن مبلغ الـ200 مليار دولار المتوقع أن تسحبه الدول النفطية من سوق السندات، ليس كبيراً مقارنة بسوق يفوق حجمه أكثر من 10 تريليونات دولار، إلا أن محللين يقولون إنه سيشكّل اتجاها انكماشيا في السيولة الدولارية. ويعتقد صندوق النقد في تعليقات بهذا الصدد، أن هذه السحوبات ذات أثر نفسي في توجهات السوق.
الدولار والفائدة الأميركية
على صعيد الدولار وسياسة الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي"، فقد كانت أسواق السندات العالمية تستفيد منذ العام 2008 من سياسة التحفيز الكمي التي تتدفق بموجبها الدولارات الرخيصة لشراء سندات البنوك التجارية الكبرى، كما كانت البنوك تحصل على دولارات من مصرف الاحتياط الفيدرالي بنسبة تقارب الصفر إلى حد ما (0.25%).
وكانت هذه السياسة النقدية ترمي إلى إخراج الاقتصاد الأميركي من فك الركود في أعقاب أزمة المال. أما الآن وقد حقق الاقتصاد الأميركي نمواً قوياً يقدر له أن يبلغ 3.5% هذا العام، فقد تخلى مصرف الاحتياط الفيدرالي عن هذه السياسة النقدية المتساهلة التي عملت على بسط الكتلة الدولارية في أسواق السندات الأميركية والعالمية طوال الأعوام الستة الماضية وبالتالي وفرت السيولة التي تحتاج إليها أدوات الدين في الأسواق الناشئة.
ويلاحظ أن الأسواق الناشئة استدانت بكثافة بالدولار خلال سنوات رخص العملة الأميركية، وأن الحجم الأكبر من هذه الديون في شكل سندات قصيرة الأجل، أي أقل من خمس سنوات.
ويلاحظ خبراء، أن ديون الدول الناشئة، وحتى الشركات التي أخذت قبل ثلاث أو أربع سنوات بالدولار الرخيص، يحل أجل معظمها حالياً في وقت يصعد فيه الدولار بقوة ويتجه فيه مصرف الاحتياط إلى رفع سعر الفائدة على الدولار. وهذا يعني أن أصحاب هذه الديون من دول وشركات سيضطّرون إلى إعادة جدولة جزء من ديونهم في ظل الدولار الغالي.
ويذكر أن بنك التسويات الدولية حذر في مارس/آذار الماضي من أزمة سيولة في السوق العالمي بسبب تركز السيولة في الأوراق المالية الأكثر تداولًا، في حين أن الأوضاع تتدهور في الأوراق المالية الأقل سيولة.
كذلك أشارت تقارير بريطانية إلى أن المستثمرين يرون أن سوق سندات الشركات يشهد في الوقت الحالي صعوبة أكثر في عمليات البيع والشراء لديون المؤسسات، في حين تخوف وسطاء في "حي المال" البريطاني من أنّ نقص السيولة يمثل خطورة على السوق العالمي.
وفي هذا الصدد قال إدوين سكولينج المسؤول في بنك إنجلترا المركزي، إن قلة السيولة في سوق سندات الشركات تستدعي مراقبة تنظيميه دقيقة، فيما أظهر استطلاع وسط المستثمرين والوسطاء والتجار في لندن أن سوق سندات الشركات الأوروبية، تشهد صعوبات حقيقية في جمع التمويلات أو حتى التسييل.
اقرأ أيضا:
صندوق النقد: النفط سيكبّد الخليج 300 مليار دولار
البنك الدولي: أزمة النفط ستكبد الخليج 215 مليار دولار
على صعيد البترودولار، يلاحظ منذ انهيار أسعار النفط في يونيو/حزيران الماضي، أن أسعار النفط فقدت حوالي 50% من قيمتها، وبالتالي قلّت إيرادات الدول النفطية ولاسيما السعودية ودول الخليج، ومنذ بداية العام الجاري أصبح العديد من الدول النفطية يسحب من احتياطاته المالية، عبر بيع بعض الموجودات السهلة التسييل.
ويقول محللون في لندن، إن عمليات السحب المتواصلة من الاحتياطات وبيع الموجودات العالمية التي تملكها دول منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" تهدد تدفقات السيولة في السوق العالمية، خاصة أسواق السندات التي كانت تعتمد في انتعاشها على مشتريات الصناديق السيادية التي تستخدمها هذه الدول، وتملك دول مجلس التعاون الخليجي أرصدة مالية في الصناديق السيادية تفوق 3 تريليونات دولار.
وتتوقع بيانات أميركية أن دول "أوبك"، باستثناء إيران، ربما تحصل هذا العام على إيرادات من مبيعاتها النفطية، تقدر بحوالي 380 مليار دولار. وهذا الرقم يقل كثيراً عن حجم إيرادات النفط التي حصلت عليها دول المنظومة النفطية في العام الماضي، وهذا يعني أن حجم العجز في ميزانيات دول" أوبك"، سيتزايد عن التقديرات التي وضعتها الحكومات وستضطر هذ الدول إلى تغطية عجز الإنفاق عبر السحب من الاحتياطي الذي كونته في سنوات أسعار النفط المرتفعة.
وفي هذا الصدد يتوقع ديفيد سبيجال، رئيس الأبحاث بوحدة الأسواق الناشئة في مصرف "بي إن بي باريبا" الفرنسي في تقرير البنك الأخير، أن تضطر الدول المصدرة للنفط في منطقة الخليج وخارجها، إلى بيع موجودات تقدر بحوالي 200 مليار دولار هذا العام لتغطية العجز في الإنفاق. وعادة ما تستثمر الدول النفطية جزءاً من وفوراتها المالية في شراء سندات الدول الصناعية الكبرى، خصوصاً سندات الخزانة الأميركية والسندات اليابانية وسندات اليورو.
وفي ذات الصدد تشير المذكرة التي بعث بها مصرف "دويتشه بانك" الألماني لزبائنه في الشهر الحالي، إلى أن الدول النفطية ربما تلجأ لبيع السندات السيادية ذات العائد الضئيل، وعلى رأسها سندات دول منطقة اليورو.
ويلاحظ أن الدول المصدرة للنفط التي كانت مصدراً مهماً في رفد أسواق سندات الدين الحكومية وغيرها بالسيولة، باتت بحاجة للسيولة تحت وطأة ظروف انخفاض مداخيل النفط.
اقرأ أيضا:
المستثمرون يهربون من سندات اليونان
ولأول مرة ومنذ 20 عاماً تسحب دول "أوبك" السيولة من الأسواق بدلاً من إضافتها. ووفقاً للأرقام الرسمية عن السحوبات من الاحتياطات المالية التي أعلنت عنها الدول النفطية حتى الآن، فإن السعودية سحبت حوالي 20 مليار دولار من احتياطاتها في شهر فبراير/ شباط الماضي، وربما تتجه لسحب المزيد خلال الأشهر المقبلة وسط تزايد الإنفاق الدفاعي والأمني على "عاصفة الحزم" الجارية لتحرير اليمن من قبضة "مليشيات الحوثي" التي تدعمها وتموّلها إيران.
كما أن الجزائر قالت إنها سحبت من احتياطاتها 11.6 مليار دولار في يناير/ كانون الماضي. وسحبت أنجولا حوالي 5.5 مليارات دولار ونيجيريا 2.9 مليار دولار. ويتوقع مراقبون أن تتواصل سحوبات الدول النفطية من احتياطاتها خلال العام الجاري إلى حين تحسن أسعار النفط. وهو ما يعني المزيد من بيع السندات في السوق العالمية.
ورغم أن مبلغ الـ200 مليار دولار المتوقع أن تسحبه الدول النفطية من سوق السندات، ليس كبيراً مقارنة بسوق يفوق حجمه أكثر من 10 تريليونات دولار، إلا أن محللين يقولون إنه سيشكّل اتجاها انكماشيا في السيولة الدولارية. ويعتقد صندوق النقد في تعليقات بهذا الصدد، أن هذه السحوبات ذات أثر نفسي في توجهات السوق.
الدولار والفائدة الأميركية
على صعيد الدولار وسياسة الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي"، فقد كانت أسواق السندات العالمية تستفيد منذ العام 2008 من سياسة التحفيز الكمي التي تتدفق بموجبها الدولارات الرخيصة لشراء سندات البنوك التجارية الكبرى، كما كانت البنوك تحصل على دولارات من مصرف الاحتياط الفيدرالي بنسبة تقارب الصفر إلى حد ما (0.25%).
وكانت هذه السياسة النقدية ترمي إلى إخراج الاقتصاد الأميركي من فك الركود في أعقاب أزمة المال. أما الآن وقد حقق الاقتصاد الأميركي نمواً قوياً يقدر له أن يبلغ 3.5% هذا العام، فقد تخلى مصرف الاحتياط الفيدرالي عن هذه السياسة النقدية المتساهلة التي عملت على بسط الكتلة الدولارية في أسواق السندات الأميركية والعالمية طوال الأعوام الستة الماضية وبالتالي وفرت السيولة التي تحتاج إليها أدوات الدين في الأسواق الناشئة.
ويلاحظ أن الأسواق الناشئة استدانت بكثافة بالدولار خلال سنوات رخص العملة الأميركية، وأن الحجم الأكبر من هذه الديون في شكل سندات قصيرة الأجل، أي أقل من خمس سنوات.
ويلاحظ خبراء، أن ديون الدول الناشئة، وحتى الشركات التي أخذت قبل ثلاث أو أربع سنوات بالدولار الرخيص، يحل أجل معظمها حالياً في وقت يصعد فيه الدولار بقوة ويتجه فيه مصرف الاحتياط إلى رفع سعر الفائدة على الدولار. وهذا يعني أن أصحاب هذه الديون من دول وشركات سيضطّرون إلى إعادة جدولة جزء من ديونهم في ظل الدولار الغالي.
ويذكر أن بنك التسويات الدولية حذر في مارس/آذار الماضي من أزمة سيولة في السوق العالمي بسبب تركز السيولة في الأوراق المالية الأكثر تداولًا، في حين أن الأوضاع تتدهور في الأوراق المالية الأقل سيولة.
كذلك أشارت تقارير بريطانية إلى أن المستثمرين يرون أن سوق سندات الشركات يشهد في الوقت الحالي صعوبة أكثر في عمليات البيع والشراء لديون المؤسسات، في حين تخوف وسطاء في "حي المال" البريطاني من أنّ نقص السيولة يمثل خطورة على السوق العالمي.
وفي هذا الصدد قال إدوين سكولينج المسؤول في بنك إنجلترا المركزي، إن قلة السيولة في سوق سندات الشركات تستدعي مراقبة تنظيميه دقيقة، فيما أظهر استطلاع وسط المستثمرين والوسطاء والتجار في لندن أن سوق سندات الشركات الأوروبية، تشهد صعوبات حقيقية في جمع التمويلات أو حتى التسييل.
اقرأ أيضا:
صندوق النقد: النفط سيكبّد الخليج 300 مليار دولار
البنك الدولي: أزمة النفط ستكبد الخليج 215 مليار دولار