سحلب وحمّص الغلابة... وداعاً

28 ديسمبر 2016
البطاطا الساخنة تضاعف ثمنها مرّتَين (العربي الجديد)
+ الخط -
على الكباري وفي مناطق الكورنيش في المحافظات المصرية، غالباً ما يتنزّه الفقراء أو ذوو الدخل المحدود لعدم تمكّنهم من تحمّل تكاليف المقاهي والمناطق الراقية. هناك، يتناولون مشروبات ساخنة مختلفة بالإضافة إلى أطعمة خفيفة مثل الذرة وغيرها. وكثر هم الشبّان الذين يصطحبون خطيباتهم إلى تلك المناطق، فيما تتجّه عائلات بأسرها مرّة في الشهر أو أكثر للترفيه عن نفسها وسط الغلاء.

في الفترة الأخيرة، ارتفعت أسعار تلك المشروبات والأطعمة، ومنها الشاي والسحلب وحمّص الشام والبليلة وشوربة العدس والبطاطا الساخنة والذرة المشوية. وهذه المشروبات والمأكولات تُباع على عربات يدير معظمها شباب يحملون مؤهلات علميّة عليا ومتوسطة نتيجة البطالة. وكثيرون ينتظرون فصل الشتاء لإقامة "نصبة" وبيع تلك المأكولات والمشروبات. لكنّ ارتفاع أسعارها كنتيجة حتميّة لارتفاع أسعار عدد كبير من المنتجات الغذائية في مصر بعد ارتفاع صرف الدولار الأميركي وتعويم الجنيه المصري، جعل الناس يحجمون عن شراء تلك المنتجات المعروضة. لم يعودوا يقبلون عليها كما كان يفعلون خلال السنوات الماضية في مناطق التنزّه.

تجدر الإشارة إلى أنّ ثمن كوب "حمّص الشام" ارتفع إلى سبعة جنيهات مصرية وجلوساً يصل إلى عشرة جنيهات. وهذا ما يعني أنّ العائلة المؤلّفة من أربعة أفراد، تحتاج إلى أربعين جنيهاً لشرب كوب من الحمّص الساخن فقط، بينما وصل ثمن "كوز الدرة المشوي" إلى ثلاثة جنيهات، وكوب الشاي إلى خمسة جنيهات نتيجة ارتفاع سعر السكر. والبطاطا التي كانت تُباع سابقاً بنصف جنيه وبجنيه واحد للقطعة الواحدة من على العربة، يبلغ سعرها اليوم جنيهَين للقطعة الواحدة أي ضعفَي الثمن. أمّا كوب السحلب فيبلغ ثمانية جنيهات وجلوساً عشرة جنيهات، بعدما ارتفع سعر كيلوغرام السحلب الواحد إلى ثلاثين جنيهاً، وذلك من دون احتساب المكسّرات وجوز الهند. من جهتها، تُباع البليلة بستة جنيهات.

أيمن أنور موظف وربّ أسرة، يخبر أنّه كان يلجأ دائماً إلى كوبري جامعة القاهرة حتى يتنزّه مع أولاده الثلاثة، نظراً إلى قربه من محلّ سكنه. يقول: "التنزه والجلوس على الكباري لرؤية النيل نزهة الفقراء والبسطاء. وفي الماضي، كنّا نذهب مرّة كلّ أسبوع. أمّا اليوم، مع غلاء تكلفة المواصلات والبرد، فمرّة واحدة كلّ شهر". يضيف أنّ "مشروب الأسرة المفضّل كان حمّص الشام. لكنّنا مع ارتفاع الأسعار، استبدلناه بالبطاطا أو الذرة على الرغم من أنّ أسعارها أيضاً مرتفعة بالنسبة إلينا". ويشير إلى أنّ ظروف الحياة الصعبة جعلت كثيرين يحجمون عن الخروج ويفضّلون البقاء أمام التلفزيون أو زيارة الأقارب.


أمّا محسن محمد صاحب عربة لحمّص الشام، فهو يحمل شهادة بكالوريوس في التجارة بحسب ما يُخبر، لكنّ ظروف الحياة جعلته يعمل في القطاع الخاص نهاراً وعلى عربته تلك ليلاً. يقول: "كنت أنتظر موسم الشتاء في كلّ عام بفارغ الصبر، إذ يُعدّ مصدر رزق كبير، خصوصاً لبائع حمّص. حينها كان ثمن الكوب لا يتجاوز ثلاثة جنيهات، إلا أنّ الوضع هذا العام تغيّر كثيراً بسبب ارتفاع أسعار الحمّص، إذ تخطّى سعر الكيلوغرام الواحد ثلاثين جنيهاً". ولا ينسى الإشارة إلى ارتفاع أسعار ما يحتاجه لتحضير الحمّص من "طماطم وليمون وبهارات وحتى أسطوانة البوتاغاز". ويؤكّد محمد أنّ "زيادة ثمن الكوب أكثر من مائة في المائة، أدّى إلى عزوف كثيرين، خصوصاً الشباب والشابات. وهو ما أضرّ بالعاملين في هذا المجال". ويلفت محمد إلى أنّ "الأرصفة المحيطة بالكباري والكورنيش كانت تعجّ في الشتاء الماضي بعربات الحمّص، لكنّ الوضع اختلف هذا العام".

"الذرة المشويّة تعيلنا"
ناصر محمد يحمل مؤهلاً متوسطاً، لكنّه بائع ذرة مشويّة. يقول: "لولا هذا، لكنت عاطلاً عن العمل. الذرة تعينني في مصاريف معيشتنا أمي وأنا. لكنّ ثمن شوال الذرة ارتفع كثيراً وكذلك ثمن الفحم. بالتالي، ارتفع ثمن كوز الذرة الذي ننادي على من يشتريه، ولا نجد مجيباً". ويضيف: "أحياناً يشترون منّا، إذ يروننا بائسين. وهذا أمر صحيح. لكنّ ما في اليد حيلة".