سحر خليفة.. النسويّة المقاومة

26 فبراير 2015
تقدّم خليفة نساء فلسطين دون خجل من حقيقة معاناتهن
+ الخط -

"أنا لست الأمّ ولست الأرض ولست الرّمز. أنا إنسانة، آكل أشرب أحلم أخطئ أضيع أموج وأتعذب وأناجي الريح.. أنا المرأة". لم أقرأ تعبيرا عن هويّة أنثى كما عبارات الروائية الفلسطينية سحر خليفة، على لسان بطلتها 'سحاب' في رواية "باب السّاحة". عبر هذه الجمل يمكن تلمس نظرة مغايرة للمرأة.

سحر خليفة من الجيل الثالث للأدباء الفلسطينيين، ما بعد نشأة منظمة التحرير الفلسطينية (1964). بعد حصيلة ثلاثين عاما ونيف من حياة لم تكن راضية عنها: تربية محافظة، زواج تقليدي، معاناة في مجتمع ذكوري تحت الاحتلال، ثم طلاق وبنتان في الكفالة، عادت للدراسة في جامعة بيرزيت لتنخرط في العمل السياسي والاجتماعي والثقافي وتدرس الأدب الإنجليزي. نشرت أوّل رواياتها، "لم نعد جواري لكم" سنة 1974 لكنّها لم تحظ بمتابعة كبيرة. ثمّ نجحت في لفت الانتباه برواية "الصبار" (1976)، لتثبت قدمها في الساحة الأدبية بجزئها الثاني "عباد الشمس" (1980).

قبل أن تكتب كوّنت سحر خليفة مخزونا من التّجارب الشخصية والوطنية. عايشت في طفولتها بدايات الاحتلال، ثمّ تعلّمت معنى العيش تحت الاحتلال. شهدت النكسة وخيبة أوّل الآمال بالجيوش العربية. سنواتها الخمس والثلاثون السّابقة لأوّل رواية لها كانت حبلى بالخيبات. وحين كتبت، أرادت البحث في أسباب الهزائم المستمرة العائدة إلى عدم الاستعداد الكافي وغياب التخطيط غالباً.

يقول جان بول سارتر "الكلمة ليست نسيماً لطيفاً تداعب سطح الأشياء.. الكلمة تحمينا من الآخر وتخبرنا عنه". الأدب في رأيه التزام بقضية، والكلمات وسيلة تمكننا من تغيير الواقع. وأدب سحر لم يخرج عن هذا الإطار، أدب واقعيّ تحليليّ ملتزم اتفق حول تصنيفه الكثير من النقاد. تغطّي رواياتها التاريخ الفلسطيني منذ إضراب وثورة 1936، رواية "أصل وفصل"، مرورا بهزيمة 1967، "الصبار"، والانتفاضة الأولى، "باب الساحة"، دون نسيان سبعينيات وثمانينيات فلسطين "عباد الشمس"، فاتفاقية أوسلو، "الميراث"، والانتفاضة الثانية، "ربيع حار"، دون سقوط في التسجيل التاريخي المكشوف. فالكاتبة تعتمد نسيجاً قصصياً متيناً ذا بعد اجتماعي سياسي نقديّ.

الانتماء الوطني والانتماء السياسي يختلطان بالفكر النّسوي في أدب خليفة، وإن كانت تصنّف نسويّة لكونها أديبة تناصر قضايا المرأة فإنّها لم تسقط في الصّراع المبتذل مع كلّ ما هو ذكوريّ. تصويرها للمرأة، لم يكن احتفائيّاً مبالِغاً ولا انتقاصيّاً بإجحاف. سحر خليفة تقدّم نساء فلسطين دون خجل من حقيقة المعاناة المضاعفة: المجتمع الذكوري والاحتلال. لكنّها ترينا أوجها عديدة من نضالاتهنّ جنبا إلى جنب مع الرجل. ويمنح التمازج بين الهم الوطنيّ والأنثويّ أدبها صفة الأدب النسويّ المقاوم.


(تونس)

المساهمون