15 نوفمبر 2024
سجّانون من نوع آخر
تزامن إضراب الأسرى الفلسطينيين عن الطعام في السجون الإسرائيلية مع الأزمة الناشبة بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس الحاكمة في قطاع غزة. أزمة سرقت الأضواء من نضال الأسرى ضد السجّان الإسرائيلي لتسلطه على سجّانين من نوع آخر، ولا سيما أن صوت أنين المعاناة في غزة بات عالياً، والصور المتداولة عن الحياة المزرية التي يعيشها الغزيون طغت على تحدي "الماء والملح" الذي يخوضه الأسرى والمتضامنون معهم.
التنكيل الإسرائيلي بالأسرى ومقاومة هؤلاء أمر مفهوم من منطلق المواجهة بين المحتل وأبناء البلاد الأصليين، وهو من المفترض أن يحظى بأصداء عالمية، إعلامية وشعبية، لدعم هذه المواجهة المحقّة في آخر دول العالم التي لا تزال تحت الاحتلال. غير أنه لا يمكن، في المقابل، تفسير الحملة المفاجئة التي تخوضها السلطة الفلسطينية، برئاسة محمود عباس، ضد قطاع غزة وأهله. حملة ليس لها أي مبرّرات حقيقية، وكل ما يسوقه المسؤولون الفلسطينيون ليس جديداً. فسيطرة "حماس" على غزة، حتى بعد ولادة حكومة الوفاق الوطني، لم تحدث بالأمس، وعمرها نحو عشر سنوات. والرواتب التي تدفع لموظفي القطاع لا تذهب إلى جيوب "حماس"، على الرغم من أنها تدعم استمرارية حكم الحركة، إلا أنها تعطي الفلسطينيين في غزة قبلة حياة في مواجهة الحصارين، الإسرائيلي والمصري. الأمر كان يجري منذ أكثر من عشر سنوات، ومردوداته كانت تستفيد منها السلطة بشكل غير مباشر، خصوصاً أن الضرائب التي تُجبى من القطاع، ولا سيما في ما يتعلق بالخدمات الأساسية، كانت تصل، في النهاية، إلى السلطة بشكل أو بآخر، سواء عبر مؤسساتها التي لا تزال موجودة في غزة، أم عن طريق إسرائيل.
غير أن الأمور انقلبت فجأة، ومن دون مقدّمات، وقرّرت السلطة الانضمام إلى طرفي حصار غزة، أي إسرائيل ومصر، وقطع الرواتب، أو تخفيضها، ووقف تزويد محطات الكهرباء الأساسية بالوقود، والامتناع عن تكفل علاج مرضى عديدين في القطاع الذين كانوا يستفيدون من مساهمة السلطة. هي إذن سياسة عقاب جماعي لنحو مليوني فلسطيني مسجونين في قطاع غزة، وغير قادرين على مغادرته، سواء عبر معبر رفح المتحكمة فيه مصر أو معبر إيريز الذي تغلقه إسرائيل، فالرئيس الفلسطيني قرّر تصفية حساباته مع حركة حماس، بفرض مزيد من الخنق على الفلسطينيين الموجودين في القطاع، وتحميلهم بشكل غير مباشر مسؤولية حكم "حماس" أو إيصالها إلى السلطة بمرحلة من المراحل. وهي للمناسبة مسؤولية تتحملها حركة فتح وممارساتها بالدرجة الأولى.
في المقابل، "حماس" غير بريئة بالمطلق مما يحصل، ولا يمكنها أن تؤدي دور الضحية في هذا المجال. فالحركة أيضاً تتحمل جزءاً من المسؤولية عما يشهده قطاع غزة اليوم، وخصوصاً أنها لا تزال تساوم وتفاوض وترفض شروطاً وتفرض أخرى، على حساب معاناة أهل غزة، وخصوصاً أن الموجودين في القطاع يؤكدون أن مسؤولي الحركة بعيدون عن الأزمة التي يعيشها الفلسطينيون هناك، ولا سيما أن البدائل متوفرّة لهم، سواء في ما يتعلق بالكهرباء أو الرواتب أو العلاج. فحركة حماس أيضاً تمسك غزة رهينة، وترفض تسليمها إلا بعد تحقيق الشروط التي تريدها، تارة بعنوان الشراكة في إدارة القطاع، وطوراً عبر اشتراط إجراء انتخابات قبل تسليم السلطة لحكومة الوفاق.
وبين شروط "حماس" وإجراءات أبو مازن، ومن خلفهما الحصار الإسرائيلي شمالاً والمصري جنوباً، يعيش أبناء القطاع أسرى في السجن الكبير المسمّى غزة، وهم ربما لا يملكون القدرة على الاحتجاج بالإضراب عن الطعام، وخصوصاً أنهم يفقدونه عنوة يوماً بعد يوم.
التنكيل الإسرائيلي بالأسرى ومقاومة هؤلاء أمر مفهوم من منطلق المواجهة بين المحتل وأبناء البلاد الأصليين، وهو من المفترض أن يحظى بأصداء عالمية، إعلامية وشعبية، لدعم هذه المواجهة المحقّة في آخر دول العالم التي لا تزال تحت الاحتلال. غير أنه لا يمكن، في المقابل، تفسير الحملة المفاجئة التي تخوضها السلطة الفلسطينية، برئاسة محمود عباس، ضد قطاع غزة وأهله. حملة ليس لها أي مبرّرات حقيقية، وكل ما يسوقه المسؤولون الفلسطينيون ليس جديداً. فسيطرة "حماس" على غزة، حتى بعد ولادة حكومة الوفاق الوطني، لم تحدث بالأمس، وعمرها نحو عشر سنوات. والرواتب التي تدفع لموظفي القطاع لا تذهب إلى جيوب "حماس"، على الرغم من أنها تدعم استمرارية حكم الحركة، إلا أنها تعطي الفلسطينيين في غزة قبلة حياة في مواجهة الحصارين، الإسرائيلي والمصري. الأمر كان يجري منذ أكثر من عشر سنوات، ومردوداته كانت تستفيد منها السلطة بشكل غير مباشر، خصوصاً أن الضرائب التي تُجبى من القطاع، ولا سيما في ما يتعلق بالخدمات الأساسية، كانت تصل، في النهاية، إلى السلطة بشكل أو بآخر، سواء عبر مؤسساتها التي لا تزال موجودة في غزة، أم عن طريق إسرائيل.
غير أن الأمور انقلبت فجأة، ومن دون مقدّمات، وقرّرت السلطة الانضمام إلى طرفي حصار غزة، أي إسرائيل ومصر، وقطع الرواتب، أو تخفيضها، ووقف تزويد محطات الكهرباء الأساسية بالوقود، والامتناع عن تكفل علاج مرضى عديدين في القطاع الذين كانوا يستفيدون من مساهمة السلطة. هي إذن سياسة عقاب جماعي لنحو مليوني فلسطيني مسجونين في قطاع غزة، وغير قادرين على مغادرته، سواء عبر معبر رفح المتحكمة فيه مصر أو معبر إيريز الذي تغلقه إسرائيل، فالرئيس الفلسطيني قرّر تصفية حساباته مع حركة حماس، بفرض مزيد من الخنق على الفلسطينيين الموجودين في القطاع، وتحميلهم بشكل غير مباشر مسؤولية حكم "حماس" أو إيصالها إلى السلطة بمرحلة من المراحل. وهي للمناسبة مسؤولية تتحملها حركة فتح وممارساتها بالدرجة الأولى.
في المقابل، "حماس" غير بريئة بالمطلق مما يحصل، ولا يمكنها أن تؤدي دور الضحية في هذا المجال. فالحركة أيضاً تتحمل جزءاً من المسؤولية عما يشهده قطاع غزة اليوم، وخصوصاً أنها لا تزال تساوم وتفاوض وترفض شروطاً وتفرض أخرى، على حساب معاناة أهل غزة، وخصوصاً أن الموجودين في القطاع يؤكدون أن مسؤولي الحركة بعيدون عن الأزمة التي يعيشها الفلسطينيون هناك، ولا سيما أن البدائل متوفرّة لهم، سواء في ما يتعلق بالكهرباء أو الرواتب أو العلاج. فحركة حماس أيضاً تمسك غزة رهينة، وترفض تسليمها إلا بعد تحقيق الشروط التي تريدها، تارة بعنوان الشراكة في إدارة القطاع، وطوراً عبر اشتراط إجراء انتخابات قبل تسليم السلطة لحكومة الوفاق.
وبين شروط "حماس" وإجراءات أبو مازن، ومن خلفهما الحصار الإسرائيلي شمالاً والمصري جنوباً، يعيش أبناء القطاع أسرى في السجن الكبير المسمّى غزة، وهم ربما لا يملكون القدرة على الاحتجاج بالإضراب عن الطعام، وخصوصاً أنهم يفقدونه عنوة يوماً بعد يوم.