يكرر مسؤولو السجون المصرية التي تعد بالآلاف، أن الأوضاع داخلها مستقرة، وأن السجناء ينعمون بكل الخدمات والرعاية، في حين تؤكد تقارير حقوقية، محلية ودولية، أن أوضاع السجون المصرية مزرية، وأن السجناء يموتون أو يصابون بالأمراض داخلها لأسباب مختلفة.
وقال مساعد وزير الداخلية المصري لقطاع السجون، اللواء زكريا الغمري، أمس الأربعاء، إن "بعض نزلاء السجون يحصلون على أرباح شهرية تتراوح بين 3 إلى 6 آلاف جنيه (167 إلى 335 دولارا أميركيا)، وأن السجون تنعم بمستشفيات وخدمات توفر الحالة الصحية للسجين".
وأضاف خلال ندوة بمركز بحوث الشرطة بالقاهرة، بحضور عدد من القيادات الأمنية ومختصين، أنه في إطار اهتمامات وزارة الداخلية بالمسجونين وحقوق الإنسان، فإن وزير الداخلية، يهتم بصورة يومية بمتابعة قطاع السجون، ويوجه دائما بالاهتمام بالنزلاء، وأنه "لا يوجد سجين واحد داخل السجن بدون سند قانوني".
في المقابل يؤكد نشطاء سياسيون وحقوقيون وصحافيون وشخصيات عامة ممن قضوا فترات اعتقال مختلفة في السجون المصرية أن كل ما يروجه مسؤول السجون يخالف الحقيقة، كما كذبته عشرات التقارير الحقوقية المصرية والدولية، والتي نقلت الأوضاع المأساوية للسجون من خلال روايات المعتقلين وذويهم ومحاميهم.
وأورد مركز الشهاب لحقوق الإنسان في 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، العديد من الانتهاكات بالسجون المصرية في الربع الثالث من عام 2018، موضحا أن عدد السجون بمصر حاليا 54 سجنا، بالإضافة إلى 320 مقر احتجاز داخل أقسام ومراكز الشرطة، أما أماكن الاحتجاز غير المعروفة أو السرية فلا يعرف عددها، كما يقدر عدد المسجونين السياسيين بحوالي 60 ألف سجين ومحبوس.
وفي التقرير نفسه، تم رصد 149 انتهاكًا متنوعًا ومتعددًا للمحبوسين والمحتجزين داخل السجون وأماكن الاحتجاز المختلفة في مصر خلال أشهر يوليو/تموز، وأغسطس/آب، وسبتمبر/أيلول، ونتيجة هذه الانتهاكات، توفي 5 مواطنين داخل السجون، فضلًا عن وفاة مواطن داخل مركز شرطة الزقازيق، وما زال العدد مرشحا للارتفاع في ظل التجاهل التام من قبل النظام للمحاسبة أو تحسين الأوضاع داخل السجون وأماكن الاحتجاز.
ورصد التقرير 35 استغاثة حرجة لمرضي داخل السجون وأماكن الاحتجاز تحتاج لتدخل عاجل للمحافظة على حياتهم، و29 استغاثة أخرى من الانتهاكات المختلفة الشديدة التي يتعرض لها المحبوسون والمسجونون داخل أماكن الاحتجاز والسجون، خصوصا في سجن المنيا الذي سجل أعلى نسبة استغاثات، ويليه سجن طره، ثم سجن العقرب، ثم سجن شبين الكوم، ثم سجن برج العرب، ثم وادي النطرون وسجن ديمو بالفيوم، وشملت الانتهاكات ذوي المسجونين أثناء الزيارة.
ولا تختلف الانتهاكات بحسب شخصية المعتقل السياسي، ففي يوليو/تموز الماضي أعربت خمس منظمات حقوقية عن بالغ استنكارها وقلقها إزاء التنكيل المنهجي الذي يتعرض له رئيس الجمهورية المنتخب الأسبق، محمد مرسي، والذي تم اعتقاله في 3 يوليو/تموز 2013، ودعت المنظمات لتمكينه من التمتع بحقوقه الإنسانية في المحاكمة العادلة وعدالة الإجراءات القانونية والمعاملة الآدمية، ووقف كل أعمال الانتقام والتنكيل التي تصل حد التعذيب والقتل التدريجي.
وحملت المنظمات الموقعة النظام المسؤولية الأخلاقية والسياسية والجنائية عن حياة مرسي، ونحو 650 سجينًا آخرين لقوا حتفهم منذ منتصف عام 2013، نتيجة الممارسات الإجرامية ذاتها، السائدة في السجون المصرية من تعذيب وإهمال طبي وسوء معاملة.
والعام الماضي، أوصت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة، والمؤلفة من عشرة خبراء مستقلين، بإنشاء هيئة مستقلة للتحقيق في ادعاءات التعذيب والاختفاء القسري وسوء المعاملة، ورفضت الحكومة المصرية التوصية.
ورغم تقارير الأمم المتحدة وتقارير المنظمات المصرية غير الحكومية، لا تعترف الحكومة بممارستها جريمة التعذيب على يد جميع من يمثلها من قوات الأمن، وفي مايو/أيار 2017، أصدرت لجنة مناهضة التعذيب تقريرها السنوي والذي تناولت في جزء منه الوضع في مصر، ولم تكتف اللجنة بالاعتماد على مقدمي الشكاوى، بل لجأت لمعرفة رد الحكومة المصرية مستخدمة مصادر متنوعة.
وقال التقرير: "نظرت اللجنة في معلومات تتعلق بالتعذيب في مصر واردة من مسؤولين وهيئات في الأمم المتحدة، بما في ذلك مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ولجنة حقوق الطفل، والمقرر الخاص المعني بالتعذيب، والفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، ومن اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب. وهذه المصادر تؤيد الزعم بأن التعذيب مورس بصورة منهجية في مصر طوال فترة التحري".
وخلصت اللجنة إلى أن التعذيب ممارسة منهجية في مصر: "ويبدو أن التعذيب يحدث، أكثر ما يحدث، عقب عمليات الاعتقال التعسفية، وأنه يُمارس غالبًا للحصول على اعتراف أو لمعاقبة المعارضين السياسيين وتهديدهم. ويحدث التعذيب في مخافر الشرطة والسجون ومرافق أمن الدولة ومرافق قوات الأمن المركزي. ويمارس التعذيب مسؤولو الشرطة والمسؤولون العسكريون ومسؤولو الأمن الوطني وحراس السجون".
وأكد التقرير أن "المدعين العامين والقضاة ومسؤولي السجون يسهلون أيضًا التعذيب بتقاعسهم عن كبح ممارسات التعذيب والاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة، أو عن اتخاذ إجراء بشأن الشكاوى. وقد وقع العديد من الحوادث الموثقة في القاهرة الكبرى، ولكن أُفيد أيضًا عن حالات وقعت في أنحاء مختلفة من البلد. ويفلت مرتكبو أعمال التعذيب على الدوام تقريبًا من العقاب، على الرغم من أن القانون المصري يحظر التعذيب والممارسات المتصلة به".