سجون تونس في وضع كارثي

04 مايو 2019
الاعتقالات قد تؤدي إلى انتهاكات أكبر في السجون(ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

يعاني السجناء في تونس من جملة من المشاكل الخطيرة، ما يتسبب في تفاقم حالاتهم الصحية والاجتماعية، خصوصاً أنّ معظمهم من الأشخاص ذوي الإعاقة ممن يفتقدون حقوقهم أكثر هناك

كشف التقرير الأول من نوعه للهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب في تونس الذي سلم الى رئيس البلاد ورئيسي الحكومة والبرلمان، عن واقع صادم حول الظروف الصحية الجسدية والنفسية الصعبة في السجون التونسية. وسلّمت الهيئة تقريرها الأول بعد تقصي أحوال 28 سجناً.

يبلغ عدد نزلاء السجون التونسية بحسب الإحصاءات الرسمية التي ذكرتها الهيئة 23.553 سجيناً من بينهم 22.895 ذكراً و658 أنثى. كذلك، فإنّ 81.26 في المائة من السجناء تتراوح أعمارهم بين 18 و40 عاماً، ما يعكس سيطرة شريحة الشباب. وتبين في هذا الإطار، أنّ نسبة 3.80 في المائة من السجناء هي من الشريحة العمرية ما بين 18 و20 عاماً، و44.63 في المائة ما بين 21 و30 عاماً، و32.83 في المائة ما بين 31 و40 عاماً، و12.38 في المائة ما بين 41 و50 عاماً، و6.37 في المائة من 51 عاماً فما فوق.




وشدد تقرير هيئة الوقاية من التعذيب على أنّ نزلاء السجون يعتبرون فئة هشة للغاية في مرحلة ما بعد السجن، نظراً لتراكم الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية، كاشفاً عن تدني المستوى التعليمي لغالبية السجناء وانخفاض الدخل وتواضع المساكن إلى جانب الصعوبات الصحية من خلال معاناتهم من الأمراض المعدية والمزمنة، والاضطرابات العقلية، إلى جانب بعض السلوكيات الخطرة، والإدمان، والافتقار إلى الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية.

ورصد تقرير هيئة الوقاية من التعذيب معطيات صادمة تتعلق بانتشار جملة من الأمراض في السجون التونسية، إلى جانب الخصوصيات الاجتماعية لنزلاء السجون والتي كانت بمثابة الخطوط الحمراء الخفية. وكشف التقرير أنّ 67.8 في المائة من المحتجزين في تونس لديهم إعاقة واحدة على الأقل (سواء حركية أو حسية أو ذهنية أو نفسية). ومن بين السجناء من الأشخاص ذوي الإعاقة هناك 22.7 في المائة لديهم إعاقة حركية، و44.7 في المائة لديهم إعاقة ذهنية، و17.3 في المائة لديهم إعاقة حسية، و12.1 في المائة لديهم اضطرابات نفسية.

كذلك، كشف التقرير أنّ 78 في المائة من النزلاء يستهلكون التبغ (أكثر من علبة سجائر واحدة يومياً للفرد) وأقرّ 33 في المائة من السجناء الجدد بتعاطيهم المخدرات خلال الأشهر الأخيرة، و10.8 في المائة هم من المدمنين على المواد المخدرة، في حين يتعاطى 31 في المائة من السجناء الكحول بشكل مفرط، و9.4 بالمائة هم من المدمنين على الكحول.

تطرق التقرير إلى انتشار الأمراض المعدية في صفوف السجناء، مشيراً إلى ارتفاع نسب انتشار فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة- إيدز، إلى 0.5 في المائة من مجموع السجناء، كما أصيب 8 من السجناء بمرض التهاب الكبد الوبائي. وبيّن أنّ نحو 30 في المائة من السجناء يتناولون الأدوية بشكل منتظم، وأكثر من 80 بالمائة يحتاجون إلى علاج الفم والأسنان.

وتناول التقرير التأثيرات السلبية للسجن ومدة السجن وظروف الاحتجاز على صحة السجناء، مشيراً إلى تفاقم بعض الأمراض على غرار القلق، والاضطرابات الحسية (البصرية والسمعية) والاضطرابات الهضمية والآلام العضلية، إلى جانب الأمراض الجلدية والهضمية، وأمراض القلب والشرايين والأمراض الرئوية، والصدمات التي تؤدي إلى محاولة الانتحار، وإضرابات الجوع، والتشويه الذاتي.

وذكر تقرير الهيئة أنّه إلى جانب الأثر المؤكد لـ"صدمة السجن" و"تجربة الحرمان من الحرية" على صحة السجين، ثبت أيضاً أنّ عملية السجن يمكن أن تتسبب في تفاقم أو إعادة تنشيط بعض الأمراض المعدية والاضطرابات العقلية واستهلاك المواد المؤثرة على الأداء النفسي بسبب الاختلاط والظروف الصحية والعزلة العاطفية وظروف الإقامة والخمول، كما قد تترتب أعمال عنف ضد النفس أو الآخرين بسبب الآثار التي يتركها السجن.

بدوره، قال رئيس الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، فتحي الجراي، إنّه بالرغم من الإصلاحات والتحسينات، فإنّ ظروف الإقامة في السجون التونسية ما زالت دون المعايير الدولية، خصوصاً على مستوى الحيز المكاني المخصص لكلّ سجين (الحد الأدنى 4 أمتار مربعة) إلى جانب عدم توفر المطاعم الخاصة بالسجناء، بالإضافة إلى وضع دورات المياه والحمامات السيئ. وأضاف أنّ الهيئة تتلقى بمعدل ثلاثة إشعارات أسبوعياً من قبل محامي السجناء وعائلاتهم، تتعلق أغلبها بسوء المعاملة وشبهات التعذيب والرعاية الصحية، ما دفع البعض منهم، خصوصاً سجناء الحق العام، إلى الدخول في إضرابات عن الطعام، مشيراً إلى أنّ عدد الإشعارات والشكاوى قد تضاعف في السنوات الماضية، وذلك لتنامي الوعي بدور الهيئة.

من جهته، يصف رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، جمال المسلم، أوضاع السجون التونسية بالمأساوي، ووضع النزلاء بالصعب على مستوى ظروف الإقامة والرعاية الصحية والنظافة والمتابعة والتأهيل، مشيراً إلى أنّ الاكتظاظ تجاوز الحدود في عدد من السجون التي تجاوز عدد السجناء فيها ضعفي طاقة استيعابها مشيراً إلى أنّ المعدل العام يناهز 150 في المائة، وهو ما ينعكس سلباً على جميع العوامل الصحية والنفسية. ويلفت المسلم في حديث إلى "العربي الجديد" إلى أنّ رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان تربطها بوزارتي العدل والداخلية اتفاقيات شراكة تمكنها من زيارة مراكز التوقيف والسجون التونسية، مبيناً أنّها تقوم بزيارات ميدانية إلى جانب ما يصلها من إشعارات وبلاغات من محامي السجناء أو من أهلهم حول ظروفهم الصحية أو تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة.




يضيف المسلم أنّ البنية التحتية لغالبية السجون مهترئة وهي في الأصل بنايات تراثية أو فلاحية أو ثكنات غير مؤهلة لاستقبال سجناء، بما جعل الغرف ضيقة وتفتقر للتهوية والإضاءة وشروط النظافة، بالإضافة إلى الاكتظاظ ووضع غرف الاستحمام ودورات المياه التي تساهم في انتشار العدوى بعدد من الأمراض وانتشار الأوساخ والحشرات أحياناً، وكلّها عوامل تؤثر سلباً على الوضع الصحي للنزلاء. يضيف أنّ ضعف الإمكانات والبنية التحتية والاكتظاظ في السجون صعّبت تدخل إدارة السجون التي باتت غير قادرة على إجراء التدخل الطبي اللازم بسبب ضعف مواردها المالية البشرية، بحسب ما يؤكد القائمون على السجون التونسية.
المساهمون