سجون اسكندنافيا فنادق إصلاحية خمس نجوم

17 اغسطس 2015
محكوم بـ16 عاماً في سجن "باستوي" النرويجي (Getty)
+ الخط -
للسجون الإسكندنافية سمعة تساوي بينها وبين الإقامة في فنادق الخمس نجوم، لكن السجناء لهم رأي مخالف في السجون التي أريد لها أن تكون "عقابية وتأديبية وإصلاحية".

وعن ذلك، يقول السجين الدنماركي السابق، سورن يانسن (37 عاماً) لـ"العربي الجديد": "مررت بمعظم السجون منذ أن كنت في التاسعة عشرة. مخالفاتي في البداية كانت بسيطة، لكنني فعلاً خدعت بالسجن المفتوح والغرفة والسرير. السجن لم يردعني، بل ظللت أتورط أكثر فأكثر إلى أن أنهيت محكوميتي الطويلة قبل 5 سنوات، حينها نظرت في وجه طفلتي وطلبت العلاج النفسي من أجلها. لا شيء في هذا العالم يستحق أن تحجز حريتي من أجله ولو داخل فندق سبع نجوم".

أما محمد (16 عاماً) فقد أودع في "إصلاحية مغلقة" تحيط بها سهول زراعية تحيل أي تفكير في الهروب إلى استحالة، فلا حافلات هناك. اتهم المراهق بارتكاب جنح مع مراهقين آخرين. والوضع الحالي يشعره بالصدمة، ويقول: "أشتاق للبيت، لأمي وإخوتي. وعلى الرغم من أنهم يؤمنون كل شيء هنا، ويوجد شخص بالغ يتابعنا ونشترك في ورش العمل ونطهو الطعام إلا أننا في سجن محكم الإغلاق. ممنوع علينا التواصل مع العالم الخارجي إن بالهاتف أو بغيره. أمضي وقت الفراغ في لعب البلاي ستايشن في غرفة الألعاب. وفي التاسعة مساء يجب أن أكون في سريري".

ربما لا تختلف غرفة محمد في الإصلاحية المغلقة كثيراً عن غرفته في منزل أهله، ومع ذلك فهي تغلق عليه في المساء وكلما احتاج الأمر ذلك. يلازمها اليوم في انتظار المحاكمة، وقد يصبح نزيلها فترةً طويلة إذا وجد مذنباً. هنا يشعر المراهقون بالفارق ما بين الحرية التي عاشوها بين أهلهم والتي يفتقدونها، بالتزام صارم بما يقرره الكبار في الإصلاحيات. وعن هذا يقول محمد: "لم أكن أفكر كثيراً بطلب أمي الدائم إليّ بالانتباه لنفسي. أجلس هنا وأفكر في ما كانت تقوله وفي المستقبل حين أصبح في الثامنة عشرة، وكيف ستكون دراستي، وهل سيؤثر وجودي هنا على ذلك؟ صحيح أنّ كلّ شيء يتوفر هنا تقريباً، لكنّ ذلك لا يمنع من الشعور بالسجن".

حقوق
نزلاء السجون والإصلاحيات في دول اسكندنافيا بشكل عام، سواء كانت في سجون مفتوحة أو سجون مغلقة، لديهم حقوق أساسية في تلقي التعليم والعمل. وإذا كان الحكم مدة طويلة، يمكن للشخص أن يذهب إلى المدرسة خارج أسوار السجن.

يمكن للسجناء، أيضاً، أن يمارسوا هواياتهم في أوقات الفراغ. ومن ذلك كرة القدم، وتنس الريشة، وكرة الطاولة، والكرة الطائرة، وكرة السلة، وتمارين اللياقة. ويحق لهؤلاء التواصل الاجتماعي مع أقاربهم. وفي بعض السجون يوجد ورش متعددة لممارسة هوايات الحفر على الخشب وصناعة الجلود والعمل على السيراميك والفخاريات. كما يتاح للسجناء قراءة الكتب في مكتبات السجون المتنقلة.

كذلك، يحصل السجناء على رواتب من جراء الانخراط في الدراسة والعمل في ساعات محددة، وسقف أجور متفق عليه بين إدارة السجون والمساجين. أما من لا يستطيعون العمل بسبب أوضاع صحية معينة فيتلقون مساعدات اجتماعية توفرها البلديات التي توجد السجون في دوائرها، أو البلديات الأصلية التي يقيمون فيها. ويمكن للشخص أن يتلقى، أيضاً، أموالاً من عائلته ليشتري مستلزماته من سائل الاستحمام والصابون والمشروبات وغير ذلك.

والمميز في السجون الاسكندنافية أنّ السجين، وبصرف النظر عن مدة حكمه، لا يفقد الحق في ممارسة حقوقه المدنية على الإطلاق. فالسجناء لديهم الحقوق نفسها لدى الآخرين، باستثناء الحق في التحرك بحرية. فالمدان بأيّ جريمة، له الحق في التصويت، والتعبير، والاطلاع على ما يدور في المجتمع وحول العالم من خلال وسائل الاتصال والإعلام والزيارات، وحتى المشاركة السياسية والعبادة. كلّ هذه الحقوق يجري تطبيقها بما يتوافق ومتطلبات السلامة والحرص على النزلاء الآخرين تماماً، كما هو الحال في المجتمع. فلا تعني السيطرة على السجناء في إطار أنظمة وقوانين معينة، أن يحرموا من حقوقهم أو يعزلوا عن العالم الخارجي.

وتعتمد هذه السياسة كي لا يصبح المفرج عنه غريباً عن تلك الحقوق لحظة مغادرته السجن.
وبالإضافة إلى ذلك، يتواجد في كل سجن ونظارة أطباء وممرضون ومعالجون فيزيائيون، وتتوفر عيادات متخصصة. كما تتفق إدارات السجون مع رجال دين من مختلف المذاهب كمراجع دينية للسجناء.

قانونياً، للسجناء الحق في اختيار ناطق رسمي باسمهم لمناقشة كل ما يتعلق بحقوقهم الجماعية والفردية مع إدارة السجون وخارجها.

كذلك، يمكن للنزيل أن يحصل على موافقة للخروج من السجن وزيارة الأهل والأصدقاء إذا ما وجدت إدارة السجن والشرطة بأنه لن يهرب، خصوصاً أنّهم يرسلون معه مرافقاً. ويفقد السجين إمكانية الخروج ثانية إذا ما تخلف عن الموعد المقرر، لعودته، أو ارتكب مخالفة قانونية، أو تعاطى أي نوع من أنواع المخدرات، أو حاول تهريبها، أو تهريب الكحول إلى السجن لدى عودته.

وإذا ما كان النزيل في سجن مفتوح، فإنّ من المسموح له، بعد قضاء الشهر الأول من المحكومية، أن يتقدم بطلب للخروج في عطلة نهاية الأسبوع، كل ثلاثة أسابيع. أما إذا كان محكوماً بسنتين ونصف فعليه الانتظار إلى حين قضاء سدس المحكومية قبل أن يصبح بإمكانه الخروج. وإذا كان يمضي عقوبته في سجن مغلق فعليه الانتظار حتى قضاء ربع مدته قبل السماح له بالخروج. وإذا كانت العقوبة خمس سنوات وأكثر فعلى السجين قضاء ثلث العقوبة قبل النظر في إمكانية الخروج في نهاية الأسبوع. أما المحكومون بثمانية أعوام فما فوق، فعليهم الانتظار حتى قضاء نصف المحكومية قبل أن يتمكنوا من الخروج في إجازة.

وتنقسم السجون في تلك الدول إلى قسمين. الأول: السجون المغلقة، وهي السجون المحروسة بقوة. وفيها يقبع نزلاء الأحكام الطويلة الأمد. تشهد هذه السجون تشدداً في الزيارات والتواصل مع العالم الخارجي، وتغلق فيها الأبواب الداخلية والخارجية بإحكام. ويمكن نقل مساجين لا يفترض بهم قضاء أحكام طويلة إلى سجون مغلقة إذا ما خالفوا قوانين السجون المفتوحة أو الخدمة الاجتماعية.

أما القسم الثاني: فهي السجون المفتوحة، وتمثل ظاهرة تتفرد بها الدول الاسكندنافية، خصوصاً الدنمارك. فالأخيرة يوجد فيها 8 سجون مفتوحة تمثل نحو ثلثي سجون البلاد الثلاثة عشرة. تدار هذه السجون من دائرة مراقبة السلوك التي تقرر إذا ما كان الشخص يقضي محكوميته فيها أم في سجن مغلق أو في خدمة اجتماعية.

وتعتبر السجون المفتوحة في فلسفة إعادة التأهيل المتبعة أمراً يساعد على قضاء الشخص عقوبتَه مع تواصل بالأسرة والتدرب على مهارات الحياة. وتستند "السجون المفتوحة" على ثقة بين المحكوم والسجانين والنظام القضائي، حيث يكون هناك ما يشبه عقد بين الطرفين بقبول وضع النزيل في سجن بلا جدران عالية وأسلاك وأقفال، وبأنّ العقوبة لا تعني فقدان الحرية، بل من الضروري حصول الإنسان على دراسة وتعليم، وعدم التدخل في حياته الشخصية حتى يستطيع ممارسة حياته بعد الخروج من السجن من دون العودة إلى ارتكاب جرائم وجنح.

السجون المفتوحة تعتبر، أيضاً، أقل كلفة مالية على المجتمع، فبالإمكان إقامتها في أبنية جاهزة مسبقاً، يجري تقسيمها إلى غرف. وهو ما يخالف السجن المغلق الذي يُبنى من الصفر بمستويات أمنية مشددة ومكلفة من نواح عديدة.

هندسياً، لا تقارن زنازين سجون اسكندنافيا بغيرها حول العالم. فهي أشبه بغرف منفردة أو جماعية لاثنين من المحكومين.

ففي الزنزانة تلفزيون معلق على الحائط، على طاولة تحته عليها لعبة "بلاي ستيشن". وكذلك، تضم كنبة تستخدم نهاراً للجلوس، وتفتح ليلاً فتتحول إلى سرير. كما لا يقفل باب الغرفة في السجون المفتوحة إلاّ إذا أقفله النزيل.

في مثل هذا النوع من السجون، حتى في المغلقة يمكن للنزيل أن يخرج من غرفته إلى المطبخ ويشارك في إعداد طعامه الفردي أو الجماعي. وإن كان من أتباع ديانة ما تتطلب تحضيره طعامه بنفسه، فإدارات السجون تساعده في ذلك، وتوفر اللحم الحلال للمسلمين، والكوشير لليهود، والنباتي للنباتيين.

وفي معظم تلك الغرف، كما في سجن "هورسنس" المعروف في الدنمارك، يوجد حمام داخل كل غرفة يمكن أن يستحم فيه النزيل براحته في الوقت الذي يريد.

إقرأ أيضاً: الشرطة الدنماركية لا تلقى جزاء انتهاكاتها