يصادف في الحكايات أن يتفاجأ الإنسان بالنظر إلى المرآة ليشاهد ملامحه المستقبلية، لكن في سجون الأسد يحدث أن يقف المعتقل مذهولاً أمام التغييرات التي طرأت على وجهه على مدار سنين عاشها دون النظر في المرآة.
بالنسبة لمعبد الحسون كانت تلك هي اللحظة الأكثر تأثيراً وذهولاً بعد عدة سنوات من الاعتقال في سجن تدمر العسكري. تحدث لـ"العربي الجديد" عن تجربته تلك فقال: "حين نظرت في المرآة شككت لبضعة ثوانٍ أن هذا الذي أراه ليس أنا، وأنها حالة من تبخر الذات وحلول ذات أخرى ووجه آخر محلها، الأمر الذي تطلّب مني بضع دقائق من التفكير والتأمل المكثف والمركّز، في هذه الدقائق القليلة تكثف في كياني ومشاعري كل ما حدث، وما حصل لي خلال سبع سنوات، وكأنني أواجه حقيقة ما حدث للمرة الأولى".
محاكمات ميدانية
كان الحسون في الثالثة والعشرين من عمره، وعلى أبواب التخرج من قسم اللغة العربية في جامعة حلب، عندما أقدمت السلطات على اعتقاله وأصدقائه بسبب نشاطهم السياسي المناهض للنظام.
وأوضح أنه مثل أمام محكمتين ميدانيتين، الأولى في سجن المزة يرأسها اللواء حسن قعقاع، والثانية في سجن تدمر يرأسها اللواء سليمان الخطيب. وحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات "مع العلم أن الأحكام والمدد لا قيمة ولا مدلول لها، فالجميع يبقى رهن التوقيف العرفي حتى لو انتهت محكوميتهم، وبمن فيهم المحكومون بالبراءة وإخلاء السبيل فوراً، فعلى سبيل المثال خرج معنا من المعتقل كثيرون كانوا محكومين بالبراءة المسندة بنص الحكم بعبارة (ويخلى سبيله فوراً) ومع ذلك قضوا اثنتي عشرة سنة، شأنهم شأن الآخرين".
انتهاكات وإعدامات
في سجن تدمر العسكري الذي اختفى فيه أثر آلاف المعتقلين، يتجاوز عدد المهاجع فيه الخمسين، ولكن القدرة الاستيعابية لكل مهجع تختلف حسب مساحته وحجمه، فبعضها في الساحة الأولى تجاوز العدد فيه الثلاثمائة، وبعضها يقل عن الخمسين أو الستين، بحسب الحسون.
ومثل جميع السجناء، تعرض الحسون للتعذيب، وكان شاهداً على انتهاكات وإعدامات وقصص مأساوية، أكثرها فظاعة ما حدث للفتى القاصر مهند وفائي الذي كان معه في المهجع لعدة شهور. وقال الحسون إن السجان نادى على مهند وفائي، بعد منتصف الليل، وهو الوقت الذي ينفذون فيه الإعدامات الجماعية، فرد شاب من مهجع آخر يحمل الاسم نفسه، وعندما اكتشف أنهم يسوقونه إلى ساحة الإعدام بدأ بالصراخ بأنه بريء ولم تتم محاكمته بعد، دون أن يكترث السجان الذي يسوقه بصراخه، مكتفياً بزجره.
ويتابع حسون "عندما وصل إلى الساحة دون أن يتوقف عن الاستجداء والصراخ وطلب التأكد من اسمه، سأل المساعد مدير نوبة الخدمة اليومية، عن أمره، وعند التأكد من بياناته وجود اختلاف في اسم الأم والأب، أمر المساعد بإحضار مهند وفائي الأصلي، ليحشر مع جماعته في الساحة، فسأل أحد العناصر ماذا نفعل بهذا الذي أحضرناه بالخطأ؟ أجاب المدير ببرود أعدموه أيضا معهم، لا يستحق عناء إعادته إلى مهجعه، خصوصاً أنه شاهد كل شيء، وهكذا تم إعدام مهند وفائي الأصلي، ومهند وفائي الملتبس، بخطأ تشابه الأسماء".
أحد عشر عاماً من الاعتقال قضى الحسون سبعاً منها في سجن تدمر العسكري، كانت حافلة بذكريات مريرة وعذابات لا تنتهي، حاول معبد التأقلم مع الحياة الطبيعية بعد الإفراج عنه، وتزوج بعد ثلاث سنوات، عاد ليعيش في مدينته الرقة، إلى أن سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، ليغادر إلى تركيا مع أسرته.
اقرأ أيضاً:"داعش" يعاقب مخالفي قوانينه في سورية: أشغال شاقة وتعذيب