بعد أن يقضوا 25 عاماً خلف القضبان، يسمح القانون الروسي للمحكوم عليهم بالسجن المؤبد، بالتقدم بطلبات للإفراج المشروط عنهم، وقضاء السنوات الأخيرة من أعمارهم خارج المؤسسات السجنية. إلا أن هذه الطلبات ما زالت تُرفض حتى الآن، في ظل عدم وجود آلية لإعادة اندماج المفرج عنهم في الحياة الطبيعية، وعدم استعداد المسؤولين لتحمّل المسؤولية عن أي جرائم قد يرتكبونها.
وما يزيد من خطورة القضية أنّ عدد المحكوم عليهم في قضايا بالغة الخطورة، والذين يحقّ لهم التقدّم بمثل هذه الطلبات في روسيا، ارتفع إلى نحو 500 بعدما قضوا ربع قرن في السجون، وذلك إثر تعليق عقوبة الإعدام في البلاد في نهاية تسعينيات القرن الماضي واستبدالها بالمؤبد.
في هذا الإطار، يقول المحامي دميتري دينزه إن هؤلاء لم يعودوا يشكلون خطراً على المجتمع بسبب تقدمهم في السن، لكنّ هيئة تنفيذ العقوبات تفتعل أسباباً وذرائع مختلفة لعدم الإفراج عنهم. يضيف المحامي الذي يتعاون مع منظمة "منطقة الحقوق" المعنية بالدفاع عن المعتقلين، لـ "العربي الجديد": "أعتقد أنه يجب الإفراج عمن هم في السجون منذ التسعينيات بسبب سنهم، خصوصاً إذا كان أقرباؤهم في انتظارهم. مع ذلك، يسعى العاملون في السجون إلى افتعال مخالفات بالتزامن مع تقدم السجناء بطلبات الإفراج، بسبب التعليمات بعدم إطلاق سراحهم مهما كانت الظروف، وهم لا يخفون ذلك".
تولى دينزه قضية الضابط السابق في الشرطة السوفييتية، بيوتر ستاخوفتسيف، والذي صدر في حقه حكمٌ بالإعدام رمياً بالرصاص في عام 1991 بتهم القتل واللصوصية، إلى أن استبدلت العقوبة بالسجن المؤبد. وبعد مرور ربع قرن على سجنه، وتجاوزه سن السبعين عاماً، ما زال ستاخوفتسيف ينفي التهم التي أدين بها، ويعتبر نفسه ضحية لوشاية "عصابة" أفراد الأمن في مدينة إركوتسك الروسية. قوبل طلبه بالرفض في عام 2016، ولكن دفاعه يستعد للتقدم بطلب جديد في عام 2019، إذ لا يسمح القانون بالتقدم بطلب إفراج إلا مرة كل ثلاث سنوات.
وحول ظروف موكّله في حال الإفراج عنه، يقول دينزه: "له أقرباء ويتقاضى راتباً تقاعدياً. لذلك يختلف وضعه عمن لا ينتظرهم أحد، ولا سبيل لهم غير العودة إلى السجن بعد ارتكاب جريمة بسيطة مثل السرقة بحثاً عن لقمة العيش، وإلا يُشردون".
منذ انضمامها إلى مجلس أوروبا في عام 1996، علقت روسيا تطبيق عقوبة الإعدام. لكنّها ما زالت واردة في القانون الجنائي الروسي، إذ تنص مادته 59 على اقتصارها على "جرائم بالغة الخطورة تعتدي على الحياة"، كما لا يجوز تطبيقها على النساء والقاصرين والرجال فوق الستين عاماً.
في هذا السياق، يدعو مؤسس شبكة "غولاغو.نت" الحقوقية، فلاديمير أوسيتشكين، إلى استبعاد عقوبة الإعدام من القانون الجنائي بشكل كامل، ومنح الحق في الإفراج المشروط للمحكوم عليهم بالمؤبد. ويقول أوسيتشكين لـ "العربي الجديد": "أعتقد أنه يجب احترام حقوق الناس. السجون للمحكوم عليهم بالمؤبد في روسيا هي جحيم على الأرض". يضيف: "أدعو إلى زيادة هذه المنظومة الإنسانية بشكل عام، وأعتبر أن هؤلاء لهم الحق في الإفراج المشروط أو تخفيف ظروف السجن على الأقل. وأؤيد بالطبع إلغاء عقوبة الإعدام في روسيا واستبعادها من القانون الجنائي".
ومع استبدال السجن المؤبد بالإعدام، ارتفع عدد أولئك الذين يقضون هذه الأحكام في البلاد في الوقت لحالي إلى نحو ألفين، وذلك في سبعة سجون شديدة الحراسة.
وتصدّرت قضية مستقبل المحكوم عليهم بالمؤبد المشهد في روسيا، بعد سابقة خروج مدان بتهمة القتل المتكرر من سجن "البومة الثلجية" الواقع خلف الدائرة القطبية الشمالية في عام 2016، إثر تغيير المادة التي أدين بموجبها من "القتل العمد مع ظروف مشددة" إلى "القتل العمد بلا ظروف مشددة"، من دون تطبيق الإفراج المشروط في حد ذاته.
سابقة أثارت جدالاً واسعاً في روسيا، بين من أعرب عن مخاوفه من تجول قاتل بكامل حريته في موسكو، وآخرين رأوا أنه نال عقابه بقضائه ربع قرن في سجن مشدد. وفي حديث لصحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس"، عزا رئيس أحد السجون الخاصة بالمحكوم عليهم بالمؤبد رفض كل طلبات الإفراج المشروط إلى مجموعة من العوامل، في مقدّمتها عدم وجود شروط واضحة للإفراج، وضرورة إتقان السجين مهناً عدّة لإيجاد عمل، والحاجة إلى معرفة مكان إقامة المفرج عنه ومع من، إضافة إلى عدم استعداد أعضاء اللجنة المعنية لتحمّل المسؤولية المعنوية عن أيّ جرائم قد يرتكبها.
وعلى الرغم من رفض كل طلبات الإفراج، إلّا أنّ روسيا شهدت خلال السنوات الماضية بعض التسهيلات للمحكوم عليهم بالمؤبد، مثل تحسين ظروف أداء العقوبة بعض الشيء، وقرار المحكمة الدستورية السماح بزيارة سنوية للزوج أو الزوجة إلى أجنحة خاصة داخل السجون لأيام، إضافة إلى زيارتين قصيرتين كان يسمح بهما سابقاً.