على الرغم من أن الصحافة السعودية تعنوِن موادها المتعلقة بكندا دائماً واصفة هذه الأخيرة بأنها "معزولة ولا أحد يقف إلى جانبها"، وذلك إثر الجدل والسجال الذي نتج عن موقف أوتاوا من قضية المعتقلين الناشطين السعوديين، وخصوصاً سمر بدوي، إلا أن الوقائع سواء في أغلبية الصحافة حول العالم أو بدء بروز المواقف الرسمية المتباينة، تذهب بعكس الاتجاه.
واستحضرت على الخلفية معظم الصحف قصة هؤلاء الناشطين واتهامهم من سلطات بلدهم بـ"العمالة ومعاداة الوطن"، وفقاً لاقتباسات الصحف الصادرة الأحد في كوبنهاغن.
ويبدو واضحاً، أنّ ربط تغطية الصحافة للأخبار المتعلقة بهذا الموقف الأوروبي، يعني ببساطة بالنسبة لأحزاب وقوى أوروبية أن "أوتاوا ليست وحدها"، كما يعقب أكثر من سياسي غربي، وإن بدرجات متفاوتة الحدة. وبات عدد من السياسيين يعلقون بـ"نحن نتابع الأوضاع المقلقة في السعودية".
تنقل الصحف الأوروبية، والقنوات الإخبارية، ومنها دول الشمال، كالسويد التي دخلت في نزاع سابق مع الرياض بسبب انتقاد خارجيتها للسجل الحقوقي السعودي، تصريحات موغريني بربطها أيضاً بانتقادات دولية واسعة فيما يتعلق بقصف صعدة.
ففي عنوان لافت لصحيفة "بوليتيكن" الدنماركية، اليوم الأحد، ربطت الصحيفة بين الأمرين "المملكة العربية السعودية تخوض حرباً تجارية مع كندا وتقتل الأطفال في مدارس اليمن".
وورد في الصحيفة أنَّ "ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عرض نفسه على المسرح كإصلاحي. لكن الخبراء الآن يرون خطر إغماض الغرب عينهم عن الفظائع التي يرتكبها".
في السياق، راحت بوليتكن تشرح للقراء كيف أن الرياض "تخوض حروباً بالوكالة مع إيران. وبنفس الوقت تصارع على الجبهة الداخلية مع ناشطي حقوق الإنسان والمنتقدين للحكم الملكي. الأمور لا تبدو جيدة لبن سلمان، فعلى خلاف مقصده من استئجار خبراء في العلاقات العامة في الغرب لتحسين السمعة والصورة. فإن الأزمة الأخيرة مع كندا بسبب اعتقال النساء الناشطات، أظهرت وجهه الحقيقي".
وبعد استعراض كيفية "صدور أوامر بسحب 15 ألف طالب سعودي ومريض يتعالج من كندا، وقرارات وقف الرحلات الجوية والتعاملات التجارية"، استحضرت بوليتيكن موقف "آمنستي" عبر حوار من بيروت مع مديرة أبحاث الشرق الأوسط فيها، لين معلوف، حول "فظائع ترتكب في اليمن".
وتربط الصحيفة بين "تسويق محمد بن سلمان لنفسه بلقاءات جولته الأميركية في الربيع الماضي، لإثارة الإعجاب وبث دعاية إيجابية برفع حظر قيادة المرأة للسيارة. وعلى ضوء ذلك جاء الموقف العدواني ضد كندا بسبب تغريدة، وهو ما فاجأ كثيرين، لكن ليس من يعرف الوضع السعودي الداخلي".
وتعيد الصحيفة التأكيد على أنه "بينما يلتقي بن سلمان مع بيل غيتس وأوبرا وينفري، فإن الثابت، هو أن الضرب القاسي مستمر ضد الناشطين في مجال حقوق الإنسان داخل السعودية".
وتؤكد لين معلوف في حوارها مع الصحيفة أن "حيلة العلاقات العامة معروفة. فالسعودية استأجرت شركات علاقات عامة لتحسين سمعتها، وفي الواقع ردة فعلهم تجاه الكنديين هي اختبار حيلتهم تلك على أرض الواقع، لأنها تعكس حقيقة ردود فعل السعودية المعتاد عليها بوجه الانتقادات لها في المجال الحقوقي".
في الأيام الماضية، بدا الخبر السعودي، المتعلق بحقوق الإنسان، وبأسماء المعتقلين وخلفياتهم، هو الأكثر حضوراً وطغياناً. وربما فاجأ حتى السعوديين الذين لم يظنوا أن خطوتهم ضد انتقادات كندا ستأتي بمفعول عكسي.
لا تخلو صحيفة، لا ليبرالية ولا يسارية، من الجدل حول السجل الحقوقي السعودي. واتخذت عمليات القصف الأخيرة في اليمن مع كثير من الصور والتركيز على "يوم القيامة"، كعناوين فرعية ورئيسية، وكوادر تشرح طبيعة الحرب والنظام الحاكم في السعودية واعتقال سمر بدوي ونسيمة السادة.
يبدو أن ردة فعل الاتحاد الأوروبي اليوم "مثيرة لقلق السعوديين" بحسب ما تذكر بوليتيكن، بعد استطلاع آراء خبراء في الشأن السعودي وشؤون المنطقة العربية.
ويرى الخبير في شؤون المنطقة العربية، جون أوسترغورد، أن "تصاعداً في المواقف الأوروبية سنلمسه أكثر تجاه القضايا الحقوقية في السعودية". ويشير أوسترغورد، في تعليقه لـ"العربي الجديد" اليوم الأحد، على موقف موغريني باسم الاتحاد الأوروبي إلى أن "ما جرى من تركيز إعلامي وانتقادات سياسية داخل أوروبا، وخصوصا من جهة اليسار والمعسكر الليبرالي الديمقراطي، سيضع الحكومات الأوروبية أمام مأزق، ولا أستبعد أن تلعب التناقضات بين ضفتي الأطلسي دوراً في نشوء مواقف معاكسة لما تمناه السعوديون من موقفهم مع انتقاد كندا. هم أرادوا إسكات العالم، لكن العكس حدث، وبدليل أن الخبر السعودي بات في المقدمة الآن".
ومثل "ذا غارديان" البريطانية، كانت الصحف الاسكندنافية، وغيرها في ألمانيا ودول الشمال، تطالب بموقف مساند لكندا في وجه رد الفعل السعودي، مع استحضار واسع للملف الحقوقي في المملكة السعودية. فقد ذهبت القناة الرسمية الدنماركية، "دي آر"، إلى القول عبر كبيرة مراسليها في العالم العربي، بوك دامسغورد، إن "خوف السلطة كبير جداً من الشعب. فالنظام يخشى من أقل انفتاح يؤدي إلى شرارة حركة شعبية، ولهذا السبب يجري التدخل بقوة ضد هؤلاء الناشطين الذين يوصفون من بين أمور أخرى بـ"الخونة".
وتذكر أستاذة الثقافة التي عاشت بنفسها في السعودية، ماريسا مولتيك انغفرستن، للقناة أن "التقدم الذي حصلت عليه المرأة السعودية لم يأتِ سوى نتيجة ضرورات اقتصادية لانخفاض أسعار النفط وتزايد أعداد السكان. والغرب يخطئ في قراءة تلك التطورات برغبات وأمان أن يصبح المجتمع السعودي مثالياً كالغرب".
وتذكر، ستينا بيتش، من منظمة العفو الدولية لـ"دي آر" أنه "سنرى مع الوقت دولاً كثيرة تقف مساندة لكندا في هذا النزاع، بسبب انتقادها لانتهاكات حقوق الإنسان في السعودية". وتتفق زميلتها لين معلوف من ذات المنظمة في حديثها لبوليتيكن اليوم بالتأكيد على "مراهنة السعودية على الموقف الأميركي وغياب ردة الفعل القوية من بريطانيا، مقابل توقيع على صفقات سلاح، لذا ليس بغريب أن نرى موقف واشنطن الضعيف".
ولم تتأخر صحيفة "انفارمسيون" في قراءة ما يجري كـ"تعارض بين مصالح أميركا وأوروبا" في الموقف من انتهاكات السعودية لحقوق الإنسان. وركزت في المجال على العلاقة بين صهر ترامب جاريد كوشنر وبن سلمان في قضايا أخرى مثل فلسطين، وأنَّ الصفقات الموقعة بين البلدين هي أعلى بكثير من المسألة الحقوقية.