سجال تغريدات دونالد ترامب يتوسّع: تكريس لمأزق النظام السياسي الأميركي

05 يوليو 2017
تثير تغريدات ترامب انقساماً في الولايات المتحدة(تيموثي كلاري/فرانس برس)
+ الخط -
يطرح السجال الأميركي المتصاعد حول تغريدات الرئيس دونالد ترامب علامات استفهام جدية عن عمق أزمة النظام السياسي في الولايات المتحدة، والمفارقات الغريبة لهذه الأزمة. المعارضون لما بات يطلق عليه "الترامبية"، في الحزبين الديمقراطي والجمهوري وفي وسائل الإعلام، يعتبرون أن تغريداته اليومية على موقع تويتر لا تليق برئيس الولايات المتحدة، وتهين موقع الرئاسة، كما تلحق أضراراً بالغة بمصالح الولايات المتحدة وصورتها في العالم. وتستند وجهة نظر هؤلاء إلى استطلاعات رأي، تظهر أن غالبية الأميركيين تريد منع الرئيس من التغريد على مواقع التواصل الاجتماعي.

في المقابل يردّ ترامب بأن التعبير عن رأيه والتواصل مع جمهور الأميركيين عبر وسائل التواصل الحديثة وفي الفضاء الإلكتروني هو حق دستوري له، كما هو لجميع المواطنين الأميركيين الذين يمنحهم الدستور الأميركي حق التعبير عن الرأي.

وفي الصفحات المؤيدة لترامب في "السوشيل ميديا" تقييم مختلف لاتجاهات الرأي العام الأميركي. وبخلاف الأرقام "المزيفة" التي تنشرها وسائل الإعلام "المعادية"، بحسب ما يعتقد "الترامبيون"، يقول هؤلاء إن أكثر من 75 في المائة من الأميركيين راضون عن تغريدات الرئيس، ودليلهم على ذلك أن اتباع وأصدقاء الرئيس المسجلين في حساباته على تويتر وفيسبوك والمواقع الأخرى يتجاوز عددهم المائة مليون. وبالتالي فإن الرئيس ليس في وارد التخلي عن حقه الدستوري في التعبير عن رأيه الشخصي، كما جميع الأميركيين، وعن سلاح إعلامي حديث وقناة اتصال مباشرة بينه وبين ملايين الأميركيين.

وفي شأن اعتبار خصوم ترامب أن نشاطه على صفحات التواصل الاجتماعي "تصرف غير رئاسي"، يرد الرئيس بنقل السجال إلى مستوى آخر يتعلق بدور تكنولوجيا المعلومات الحديثة في تغيير القيم والمفاهيم السياسية التقليدية، ومنها لائحة مواصفات الرئيس الأميركي التقليدية وبروتوكولات البيت الأبيض. وعليه يرى ترامب أن استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي هو في صلب المواصفات المفترض توفرها في الرئيس في عصرنا الراهن، وهو أيضاً في صلب مشروعه وشعاراته الانتخابية بمحاربة الفساد السياسي في واشنطن، وتغيير آليات العمل السياسي والإعلامي التي تديرها اللوبيات ومجموعات الضغط المالي.



وتسلط اعتراضات خصوم ترامب على تغريداته "غير الرئاسية" الضوء على الدور الفعلي الذي يقوم به الرئيس في الولايات المتحدة، وآلية اتخاذ قراراته واعلان مواقفه من القضايا الداخلية والخارجية التي تهم الاميركيين وتؤثر على أمنهم القومي ومصالحهم الاقتصادية. وعلى الرغم من الصلاحيات الدستورية الواسعة الممنوحة للرئيس الأميركي، فإنه محكوم بتقاليد ومعايير ومصالح مفروض عليه احترامها والالتزام بها بدقة، أي أن الرئيس هو مجرد موظف في "الاستبلشمنت" الأميركي يقوم بدور محدد ترسمه المؤسسة السياسية التقليدية بفروعها التشريعية والإعلامية والأمنية والقانونية.

ولا يُخفى أن السجال حول حق الرئيس بالتغريد ومدى ملاءمته للمؤهلات الرئاسية التقليدية يندرج في إطار الحملة لتضييق الخناق على سيد البيت الأبيض المحاصر أصلاً بالتحقيقات الروسية وباتهامات موجهة إليه على خلفية إقالته مدير مكتب التحقيقات الفدرالي "أف بي آي" السابق، ومحاولته تعطيل مجرى العدالة والضغط على كبار المسؤولين الأمنيين من أجل وقف التحقيقات في التدخل الروسي في انتخابات العام الماضي. أي أن مطالبة المعارضين بوقف نشاط ترامب في السوشيل ميديا هو حلقة من الحرب الإعلامية المفتوحة ورد على الإجراءات غير المسبوقة من قبل البيت الأبيض ومقاربته الجديدة لشكل العلاقة مع الصحافيين والقنوات التي يفضل إيصال رسالة الرئيس من خلالها للرأي العام الأميركي. وهو سجال جديد قديم شهدت الولايات المتحدة مثيلاً له خلال الحملة الانتخابية واحتدام المواجهة بين المرشح الرئاسي الجمهوري وبين عدد من كبريات الصحف ومحطات التلفزة الأميركية.

كما أن لسجال "التغريد" أبعاداً أهم تتعلق بمستقبل النظام السياسي الأميركي برمته، منها ما يتعلق بأجندة ترامب وشعاراته التي رفعها خلال الحملة الانتخابية كدعوته إلى محاربة "الاستبلشمنت" ومكافحة فساد الطبقة السياسية التقليدية، ومنها ما يتعلق بتداعيات "ثقافة" السوشيل ميديا وتأثيرها على العلاقة بين الرئيس والصحافة. ويُضاف إلى ذلك الظواهر السياسية الجديدة التي ولدت في الفضاء الإلكتروني، كظاهرة الهجمات الإلكترونية والعبث بالعملية الانتخابية الديمقراطية من خلال عمليات القرصنة الإلكترونية إضافة إلى مخاطر التجسس الإلكتروني الخارجي وتدخله المباشر في الشؤون السياسة الأميركية الداخلية.