عند اختيار أو وصول شخص من الأقليات إلى مركز مرموق في الولايات المتحدة الأميركيّة، يُصار عادة إلى الإشادة بـ "الديمقراطيّة والمساواة والإنجازات الأميركيّة"، التي تتّجه أكثر فأكثر نحو المساواة. لكن أي تهليل لم يسجّل الشهر الماضي، عند اختيار نائب مجلس الشيوخ أندريه كارسون عن ولاية إنديانا الدائرة السابعة، عضواً في لجنة الاستخبارات في الكونغرس الأميركي. وذلك على الرغم من أنه أصبح أوّل عضو مسلم في تاريخ الولايات المتحدة في هذه اللجنة، وثاني مسلم يُنتخَب عضواً في الكونغرس الأميركي بعد كيث إليسون أول نائب ديمقراطي مسلم في الكونغرس عن ولاية مينيسوتا (عام 2007).
وقد أتى اختيار كارسون للجنة الاستخبارات، ليُظهر مجدداً العلاقة الشائكة ما بين مجتمع الأغلبيّة والأقليات، وتحديداً الأقليّة المسلمة. وقد ناشد عضو الكونغرس عن الحزب الديمقراطي جو كراولي زملاءه من الحزبَين، الدفاع عن زميلهم قائلاً: "لفتت انتباهي كميّة التعليقات المعارضة والصاعقة في وسائل الإعلام المحافظة، وعلى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، حول اختيار النائب أندريه كارسون عضواً في لجنة الاستخبارات التابعة للكونغرس. وتأتي الانتقادات حول التعيين بسبب ديانته وليس بسبب قدراته". فالتشكيك بولاء كارسون لم يقتصر على أعضاء الكونغرس، وفي مطبوعات تابعة للحزب الجمهوري فحسب، بل أيضاً في تلك التابعة للحزب الديمقراطي الذي اختار كارسون للجنة.
وقد خصّص موقع "ذي ديلي بيست" اليساريّ مقالاً مطولاً لهذا الموضوع، أراد من خلاله إظهار عبثيّة أولئك الذين هاجموا التعيين، وحاول رصد ردود فعل كارسون نفسه تجاه الموضوع وتاريخه الشخصي الحافل باللحظات المثيرة. ومن بين الأصوات المعارضة للتعيين، الإعلامي توني كاتس الذي استغل منبر برنامجه الخاص على إحدى إذاعات ولاية إنديانا التي يمثلها كارسون. وقد بلغ التحريض ضده مستوى التجريح، إذ قال كاتس: "إنني أتساءل عن ذكاء الرجل وقدرته على الحكم على الأمور؟ هو حضر مؤتمر مجلس المنظمات الإسلاميّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة في يونيو/حزيران 2014، فكيف يمكننا الوثوق في هذا الرجل ليكون جزءاً من لجنة الاستخبارات في الكونغرس؟". أضاف: "أشكّ بقدرة وإيمان (كارسون) بالقانون والعدالة في وجه العنف".
ويدّعي المعارضون وفي مقدّمتهم كاتس، أن مؤتمر "مجلس المنظمات الإسلاميّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة" الذي ألقى فيه كارسون كلمة، حضره "أفراد لهم علاقات وارتباطات مع إرهابيّين". ولأن اللجنة تراقب وتشرف على أمور حساسة متعلقة بأمن الدولة، بما فيها ملفات لوكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركيّة "سي آي أيه"، فإن هذه العلاقات لا تجعله أهلاً للثقة. لكن هؤلاء يتجاهلون ماضي كارسون والوظائف التي عمل فيها، بما في ذلك قوات الشرطة الأميركيّة.
من جهته، تعامل كارسون مع تلك التعليقات بدماثة. فللرجل تاريخ حافل، تنقل في خلاله في مهن ووظائف مختلفة. لم يولد الأميركي من أصول أفريقيّة لعائلة مسلمة. بل جدّته جوليا كارسون وهي أيضاً عضو سابق في الكونغرس عن الولاية نفسها، كانت امرأة مسيحيّة كاثولكيّة مؤمنة. ويقول كارسون عنها، إنها "كانت منفتحة على كل الديانات. وفي بيتها كنا نجد نسخة من القرآن. ومن جهتي، وجدت في متابعتي لهذه الديانة ما أعجبني. فاعتنقتها".
وفي تصريح أدلى به لموقع "ذي ديلي بيست"، قال كارسون: "على الكونغرس أن يعكس تنوّع البلاد، وعلى لجنة الاستخبارات أن تعكس ذلك أيضاً".
أمام ردود الفعل وعلامات الاستفهام التي رافقت تعيين أندريه كارسون، لا بدّ من وضع الأمور في سياقها الأوسع وهو علاقة المؤسسات الحاكمة بالأقليات والعنصريّة والرهاب، الذي ما زال متجذراً في صميم المجتمع الأميركي ومؤسساته وممارساته.