خطاب فرساي: ماكرون يستعرض "إنجازاته" على وقع انتقادات المعارضة

09 يوليو 2018
خطاب ماكرون استمر ساعة ونصف (فرانس برس)
+ الخط -

لم يعد سرًا أن كل شيء يتخذه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يتحول إلى سجال، وهذا ينطبق على خطبه وحتى بعض دعاباته، ولذا لم يكن مفاجئًا أن يندلع السجال إزاء خطابه في قصر فرساي؛ فعلى الرغم من أن الرئيس الأسبق، نيكولا ساركوزي، كان وراء هذا المستجدّ، إلا أن الانتقادات لاحقت الرئيس ماكرون، الذي يتهمه معارضوه السياسيون بأنه أكثر الرؤساء استخدامًا لفرساي من أجل "أهداف سياسية".

وقد بدأ الرئيس ماكرون خطابه، الذي دام ساعة ونصف، بعد ظهر الإثنين، متحدثًا عن "التواضع المقرون بالإصرار والعزيمة على العمل"، لكن اعترف أنه، كما هو حال كل رؤساء فرنسا السابقين، يعرف أنه لن ينجح في كل شيء.

ثم عدّد "إنجازاته"، خلال سنة من الحكم، معدّداً قانون الشغل وإصلاح التعليم، منتهياً بقانون إصلاح الشركة الوطنية لسكك الحديد. قائلًا: "لم نتأخر إلا في الإصلاح الدستوري، وأنا أتحمل مسؤولية هذا التأخر".

وردًّا على انتقاد المعارضة لغياب أي إمكانية للنقاش بعد الخطاب الرئاسي، وبعد مداخلات ممثليها. طمأن ماكرون المعارضة بالاستجابة لهذا الطلب في 2019. أي بعد أن تتقدم الحكومة بتعديل لمشروع قانون دستوري، يتيح، العام القادم، للرئيس "ليس، فقط، الإنصات، ولكن أيضًا الردّ".

ولأنّ المعركة تُدار على المستوى الاقتصادي، كما يعرف الرئيس، ولأن القدرة الشرائية، هي ما ينتظره المواطن من هذه الإصلاحات، دافع ماكرون عن ما أسماه "رأسمالية شعبية مستعادة"، يكون العمال جزءاً فيها.

كما أكّد الرئيس على تعزيز مِهَن المستقبل، وهو ما يعني أن فرنسا "لن تفوتها الثورات التكنولوجية. ولهذا السبب، أحدثتُ مهمة وطنية حول الذكاء الاصطناعي".

وتحدث عن فرض ضرائب على عمالقة العالم الرقمي، "غوغل" و"فيسبوك" و"آبل"، دون تحديد حجم الضرائب المنتظرة.


ونأى ماكرون بنفسه، مرة أخرى، عن تهمة "رئيس الأثرياء" وقال: "إن السياسة من أجل المقاولة، ليست سياسة من أجل الأثرياء"، بل إنها "سياسة من أجل كلّ الأمّة، وسياسة من أجل الشغل، وسياسة من أجل الخدمات العمومية. ومن أجل من يظّلون على الهامش".

ولم تغب العلمانية عن خطاب الرئيس، الذي أكّد فهمه لها باعتبارها "تضمن حرية من يعتقد ومن لا يعتقد"، منتقدًا ما وصفه بـ"القراءة الراديكالية والعنيفة للإسلام"، لأنها "تشكك في مبادئ المجتمع والدولة في فرنسا"، ووعد بتقديم مقترحاته عن الإسلام في فرنسا في "إطارٍ جديد ووئام جديد"، يضمن احترام الإسلام للجمهورية.

وكانت للرئيس الفرنسي التفاتة نحو قضايا الهجرة، مشددًا على الموقف الفرنسي "الرافض لكل الحلول السهلة، من خلال إبعاد الأجانب إلى أبواب أوروبا"، موجِّهاً انتقادات، بالكاد مبطَّنة، لأنصار التيار القومي في أوروبا، الذين يشددون على تشييد الحدود، بينما الحدود الحقيقية، في نظر ماكرون "هي الحدود الفاصلة بين التقدميين والقوميين".

ولا يزال الجميع يتذكر الاجتماع الأول، سنة 2017، حيث قدم ماكرون الخطوط العريضة لسياساته. وما كان يعتبر استثنائيًا مع ساركوزي سنة 2009، وعرضه لخريطة الطريق لمواجهة الأزمة المالية، ومع هولاند سنة 2015، بعد ثلاثة أيام من اعتداءات 13 نوفمبر/تشرين الثاني الإرهابية، سيصبح دوريًا مع لقاء هذه السنة، السنة الثانية، التي سيتعرض فيها الرئيس لإنجازاته ويتحدث عن خططه وإصلاحاته القادمة.

وليس اجتماع فرساي هو الذي يطرح مشكلة في نظر المعارضة، وإنما السبب الداعي لذلك، وهنا يقول رئيس حركة "فرنسا غير الخاضعة"، جان لوك ميلانشون: "يمكن أن نعتقد أن هذا الإجراء مفيدٌ لو جرى حدث كبير، لو أن فرنسا دخلت في حرب، مثلًا. لكن، هنا، ما هو الموضوع؟ كل سنة نحن مدعوون للقدوم لإظهار الإعجاب بعظمة ماكرون الأول". وبرر زميله إيريك كوكريل رفض الحضور بالقول: "يبدو أن النظام القديم يروق لماكرون. ونحن لدينا ما هو أفضل من الإنصات لرئيس الجمهورية الذي لن يعلمنا شيئًا".

وإلى جانب هذا الموقف المعارض، من وجهة نظر سياسية، لمن يرى انزلاقًا من ماكرون نحو "ملكيَّة رئاسية"، ثمة من عارض اجتماع فرساي، وهم الأغلبية المطلقة، بسبب الكلفة المادية المرتفعة للغداء والأمن، التي يراها البعض "ملكيَّة" بل و"ملكية مُطلَقَة"، على الرغم من أنهم لا يتفقون على التكلفة الحقيقية، حيث تتراوح ما بين 280 ألفاً و500 ألف يورو.

وهنا صرّح القيادي في "فرنسا غير الخاضعة"، أليكسي كوربيير، في قناة "بي إف إم": "سيكلف هذا المؤتمر 400 ألف يورو، وجِّهوا الدعوة للرئيس في قناتكم، سيزداد عدد مشاهديكم وسيكلف دافعي الضرائب ثمنًا أقل". ويلخص النائب عن حزب "الجمهوريون"، فابيان دي فيليبو، لقاء فيرساي بأنه "تواصُل سياسي بـ500 ألف يورو. احترامًا لنفسي، لن أشارك". وهو الموقف نفسه لرئيس حزب "الاتحاد الديمقراطي" للمستقلين، جان كريستوف لاغارد، الذي أكّد في تغريدة أنه لن يحضر اجتماع فرساي، "لأنه غير مفيد ومكلف ويحط من قيمة الحكومة".


واستقر الشيوعيون، هذه المرة، خلافًا لما فعلوه، في السنة الماضية، على الحضور، لكن ليس لرؤية الرئيس وهو يرسي "كل قوته"، كما يصرون.

كما أن النواب الاشتراكيين، وعلى قلتهم، كانوا حاضرين في أغلبيتهم، عدا عن من تغيّب لأسباب شخصية، وليست سياسية، رغم تنديدهم بـ"احتقار" ماكرون للبرلمان والعمل السياسي.

أما حزب "الجمهوريون"، فكان رئيسه لوران فوكييز قد دافع، بحرارة، عن فكرة حضور الاجتماع، وطالب نواب الحزب بالحضور، لممارسة حقهم الدستوري في المعارضة.

وقد حضر اليمين المتطرف، ممثلًا في نواب حزب "التجمع الوطني" الفرنسي، هذا اللقاء الاستثنائي، شأنه شأن النائب دوبون إنيان. وعلى الرغم من عدم انتظارهم شيئًا من الرئيس، فإنهم يعتبرون حضورهم بمثابة "وسيلة للتواجد".

المساهمون