ستيسي كانينغهام من "طاهية" إلى رئاسة بورصة نيويورك

28 مايو 2018
كانينغهام تنهي احتكار الرجال لرئاسة البورصة (العربي الجديد)
+ الخط -


لأول مرة في تاريخها الممتد لحوالي 226 عاماً، وبعد نصف قرن من التحاق أول سيدة بالعمل فيها، أعلنت بورصة نيويورك، أكبر بورصة في العالم، عن اختيارها سيدة لتترأس مجلس إدارتها.

وقع الاختيار، نهاية الأسبوع الماضي، على المهندسة الشابة "ستيسي كانينغهام" لرئاسة بورصة نيويورك، والتي كانت تشغل منصب مدير العمليات في البورصة، التي تزيد قيمة الشركات المدرجة فيها عن 22 تريليون دولار.

أمضت كانينغهام، البالغة من العمر ثلاثة وأربعين عاماً، حياتها العملية كلها تقريباً في بورصة نيويورك، باستثناء أربع سنوات قضتها في بورصة ناسداك، وبدأت العمل في بورصة نيويورك في عام 1994 قبل تخرّجها من الجامعة، حيث كانت تتدرب هناك في إجازة الصيف، ثم التحقت بها فور تخرّجها من جامعة ليهاي العريقة.

ورغم دراستها للهندسة الصناعية، إلا أن عمل والدها كسمسار سابق في البورصة كان له التأثير الأكبر على الوظيفة التي قررت الالتحاق بها، وهي "سمسار صالة" في بورصة نيويورك.

وعلى الرغم من حصولها على وظيفة كانت تقريباً محرمة على بنات جنسها، علما أنها كانت مغرمة بالعمل في البورصة، إلا أنها تركت الوظيفة في عام 2005، واتجهت إلى معهد "تعلم الطهي"، والتحقت ببرنامج مدته 9 شهور، كان من متطلباته أن تعمل بعد ذلك لمدة ستة أسابيع في مطبخ أحد الطاعم، وهو ما أتمته على أفضل وجه.

وتقول كانينغهام إنها كانت أثناء عملها في المطبخ تشعر بنفس السعادة التي تشعر بها أثناء عملها في صالة التداول بالبورصة، "لأن هناك الكثير من الشبه بين المطبخ والبورصة، فكلاهما يتطلب الانشغال بعدة أمور في نفس الوقت، مع العمل على إصلاح أي خطأ بكفاءة"، وأكدت أن التوتر الذي كانت تعانيه أثناء عملها في بورصة نيويورك هيأها للمهام الجسيمة التي كانت تنتظرها في المطبخ.

ولم تجد كانينغهام مشكلة في العودة مرة أخرى للعمل في البورصات، بعد "إجازة الطهي" التي استمرت عامين تقريباً، لتترأس قسم سوق المال وقسم مبيعات خدمات العمليات الأميركية في بورصة ناسداك، قبل أن تعود في عام 2012 لبورصة نيويورك، لتتم ترقيتها بعد أقل من عام.

ولدى كانينغهام طموحات واسعة لإدخال عدد أكبر من النساء في مجال مازال البعض يعتبره حكراً على الرجال، حتى في بلد منفتح مثل الولايات المتحدة الأميركية.

واعتبرت أنها استفادت من شجاعة وذكاء موريال سيبرت، أول سيدة تعمل في بورصة نيويورك، وكان ذلك في عام 1967، وتعتبر هي التي فتحت لكانينغهام الطريق لدخول هذا المجال الصعب.

تؤكد أنها عندما التحقت ببورصة نيويورك أول مرة كمتدربة، كانت دورة مياه السيدات عبارة عن "كابينة هاتف" تم تحويلها، بضغط من سيبرت التي أصرت أن يكون للنساء دورة مياه منفصلة، رغم أنها كانت المرأة الوحيدة ضمن موظفي البورصة في ذلك الوقت.

ورغم كونها تجد دائما نفسها في بيئة تعج بالرجال، ولا تظهر بها النساء إلا نادراً، بدءاً من مدرسة الهندسة الصناعية في الجامعة، ومروراً بصالة التداول في البورصة، وانتهاء بطاقم الطهاة المحترفين في المطعم، إلا أنها تقول "لم أسأل نفسي في أي مرحلة إذا كان ينبغي على التفكير إن كان المكان يخصني أم لا".

وعلى عكس مشكلة سيطرة الرجال على وول ستريت، التي تبدو في طريقها للحل، كما تشير البيانات الصادرة في السنوات العشر الأخيرة.

هناك مشكلة أخرى واجهتها كانينغهام، حيث تسلمت المنصب في وقت عصيب بالنسبة للمؤسسة التي أمضت فيها حياتها، فحتى وقتٍ قريب، كان التداول العام في البورصة أمراً هاماً جدا بالنسبة لأصحاب الأعمال والشركات الجديدة، لكن الحال تغير في الآونة الأخيرة، حيث فضّل العديد من الشركات الأكثر قيمة في العالم، مثل شركات "أوبر" و"اير بي ان بي" و"سبيس اكس" و"بالانتير"، الإبقاء على الملكية الخاصة، والابتعاد عن الطروحات العامة في البورصة، بسبب ما تشكله من قيود تنظيمية وارتفاع في تكلفة الطرح العام، بالإضافة إلى الضغوط المستمرة من حاملي الأسهم.

ويزيد من تعقيد مهمة كانينغهام التغييرات التي حدثت في القطاع مع التطورات التكنولوجية الحديثة، حتى إن التداول الإلكتروني ومنصات تداول الشركات تكاد تكون سحبت البساط من تحت أقدام بورصتي نيويورك وناسداك، اللتين تمتعتا سابقاً بسيطرة شبه احتكارية على سوق تداول الأوراق المالية.

ومؤخراً، انخفضت حصة بورصة نيويورك من حجم تداول الأسهم الأميركية من نحو 40%، قبل عقد من الزمن، إلى حوالي 22%.

وتحاول كانينغهام أن يكون لها بصمة في فتح الطريق أمام النساء للعب دور أكبر في حي وول ستريت والمؤسسات المالية الأخرى، فلا تنكر أنها جاءت في ظروف أفضل كثيراً من التي واجهت أخريات سبقوها في تلك المهنة، "على الأقل، فإن النساء يحظين الآن بنفس مستوى دورة المياه الخاصة بالرجال في بورصة نيويورك".

دلالات