ستارة حمراء من شأنها أن تبعد عيون الجيران عن ساكني الشرفة. ستارة حمراء تميل أكثر إلى اللون البرتقاليّ بفعل أشعّة الشمس، صيفاً بعد آخر. ستارة حمراء تدفع وحدها ثمن رغبة ساكني الشرفة في أن يبعدوا عن جلدهم أشعّة الشمس، بأن يتغيّر لون جلدها هي. خلف ستارة كانت حمراء، تظهر ذراع امرأة تحمل بين إصبعيها سيجارة تحترق. يبدو أنّها رشفت منها ما يكفي لكي تأخذ نفساً بين حبّة كوسى تفرغها من محتواها وأخرى تنتظر دورها. سوف تعود وتنتبه للسيجارة لمّا تحرق إصبعيها أو تسقط الصفوة على الأرض التي نُظفت باكراً.
تنظر إلى يمينها فيطلّ عليها طريق ضيّق عامودي، يوحي بأنه يرتفع عن سطح الأرض كلما ابتعد. تنظر إلى الرجل نفسه الذي يعبر الطريق كل يوم، في مثل هذا الوقت، منذ سنوات طويلة جداً. يذكّرها ذلك بأنّها كانت شابة لمّا جاءت لتسكن الحيّ. يذكّرها بأنّها لم تعد شابة. بناتها الأربع أصبحن شابات. تتابع مسار الرجل كأنّها تسير معه. على رأسه القبّعة نفسها، وفي يده العصا نفسها يعكّز عليها للسبب نفسه. يشدّ تحت إبطه على عدد من الجريدة نفسها، التي لم يعد لديها في الوطن كله قارئ عداه. تفكّر في الجريدة، لا بدّ من أنّ أخبارها تتكرر في كلّ يوم. تنظر من حولها. لم يتغيّر شيء على هذه الأرض، فكيف تتغيّر الأخبار. يقول "مرحبا" من دون أن ينظر إليها. تقول "تفضّل" من دون أن تنظر إليه. أحد منهما لا يعني ما قاله للتوّ، لكنّ الطريق للجميع والسلام لله.
تقع الصفوة على الأرض بالقرب من قدمها اليسرى. بعض منها يلامس إصبع رجلها. تنحني بعض الشيء وتمسحها عن بشرتها لترسم خطاً أسود مع ذيل رماديّ. تطفئ السيجارة في صحن خصصته لمحتوى الكوسى الأخضر. تنحني مجدداً. تمسّد رجلها باتجاه قدمها. تفرك أصابعها. تتلمّس الخط الأسود بحذر كي لا تمحيه. تقترب أكثر، تقطع أنفاسها خوفاً من أن يتطاير الخط وتعود قدمها إلى ما كانت عليه.. قدماً مملّة. لا طلاء أحمر للأظافر يزيّنها. تمسح الخط وتمسّد رجليها. ترفع التنورة عن ركبتيها. تنظر إليهما. تمدّ رجليها. ترفع اليمنى، وتنزل اليسرى، ثم ترفع اليمنى مجدداً وتضحك.
تترك الشرفة وتعود إلى غرفة الجلوس. أربع فتيات يشاهدن التلفزيون. أكبرهنّ نشأت على التلفزيون. تجلس أمامه مع أخواتها، وتمسك بجهاز التحكم عن بعد لأنّها الأكبر سناً. لكنها لا تبعد عينَيها عن هاتفها الذكي. شبّان يرسلون لها الرسائل، هذا يقول إنّها ظريفة والثاني يعدها بلقاء عند ساحة الكنيسة. وهي لا تحتار لأنّها أصغر من أن تجبر على الاختيار بينهما. تعطي كل واحد حقّه والوقت الذي يستحق. شعارها تكافؤ الفرص. تمرّ والدتها بالقرب منها، تبتسم ثم تعبر إلى المطبخ. تقف أمام المجلى وتقول لنفسها: "هذا كله من صنع يدَيكِ".
اقــرأ أيضاً
تنظر إلى يمينها فيطلّ عليها طريق ضيّق عامودي، يوحي بأنه يرتفع عن سطح الأرض كلما ابتعد. تنظر إلى الرجل نفسه الذي يعبر الطريق كل يوم، في مثل هذا الوقت، منذ سنوات طويلة جداً. يذكّرها ذلك بأنّها كانت شابة لمّا جاءت لتسكن الحيّ. يذكّرها بأنّها لم تعد شابة. بناتها الأربع أصبحن شابات. تتابع مسار الرجل كأنّها تسير معه. على رأسه القبّعة نفسها، وفي يده العصا نفسها يعكّز عليها للسبب نفسه. يشدّ تحت إبطه على عدد من الجريدة نفسها، التي لم يعد لديها في الوطن كله قارئ عداه. تفكّر في الجريدة، لا بدّ من أنّ أخبارها تتكرر في كلّ يوم. تنظر من حولها. لم يتغيّر شيء على هذه الأرض، فكيف تتغيّر الأخبار. يقول "مرحبا" من دون أن ينظر إليها. تقول "تفضّل" من دون أن تنظر إليه. أحد منهما لا يعني ما قاله للتوّ، لكنّ الطريق للجميع والسلام لله.
تقع الصفوة على الأرض بالقرب من قدمها اليسرى. بعض منها يلامس إصبع رجلها. تنحني بعض الشيء وتمسحها عن بشرتها لترسم خطاً أسود مع ذيل رماديّ. تطفئ السيجارة في صحن خصصته لمحتوى الكوسى الأخضر. تنحني مجدداً. تمسّد رجلها باتجاه قدمها. تفرك أصابعها. تتلمّس الخط الأسود بحذر كي لا تمحيه. تقترب أكثر، تقطع أنفاسها خوفاً من أن يتطاير الخط وتعود قدمها إلى ما كانت عليه.. قدماً مملّة. لا طلاء أحمر للأظافر يزيّنها. تمسح الخط وتمسّد رجليها. ترفع التنورة عن ركبتيها. تنظر إليهما. تمدّ رجليها. ترفع اليمنى، وتنزل اليسرى، ثم ترفع اليمنى مجدداً وتضحك.
تترك الشرفة وتعود إلى غرفة الجلوس. أربع فتيات يشاهدن التلفزيون. أكبرهنّ نشأت على التلفزيون. تجلس أمامه مع أخواتها، وتمسك بجهاز التحكم عن بعد لأنّها الأكبر سناً. لكنها لا تبعد عينَيها عن هاتفها الذكي. شبّان يرسلون لها الرسائل، هذا يقول إنّها ظريفة والثاني يعدها بلقاء عند ساحة الكنيسة. وهي لا تحتار لأنّها أصغر من أن تجبر على الاختيار بينهما. تعطي كل واحد حقّه والوقت الذي يستحق. شعارها تكافؤ الفرص. تمرّ والدتها بالقرب منها، تبتسم ثم تعبر إلى المطبخ. تقف أمام المجلى وتقول لنفسها: "هذا كله من صنع يدَيكِ".