لا يتخيل من يمر في عمّان القديمة، أن يقع ناظريه على أحد أهم شواهد العصر الروماني، وقد تحوّل أثراً بعد عين، مسيجاً بالأسلاك الشائكة، خوفاً من العابثين والفضوليين، ففي شارع قريش والمعروف شعبيا بمنطقة "سقف السيل"، يقع ذلك المبنى القديم الذي يعود بك إلى العصر الروماني، لترتسم أمام المارين صورة الأميرات، وهنّ يضحكن ويبُحن بما يجول في خاطرهن أثناء استحمامهن في "سبيل الحوريات".
وبحسب مفتش آثار العاصمة الأردنية عمان إبراهيم الزبن، فإنّ بناء سبيل الحوريات يعود إلى الفترة الرومانية في القرن الثاني الميلادي، وهو من الأبنية المهمة والعامة في المدن الرومانية، وهو عبارة عن مبنى قائم فوق نبع ماء، كانت تُسقى منه منطقة وسط مدينة فيلادلفيا (الاسم اليوناني القديم للعاصمة الأردنية عمّان).
وبحسب الزبن كان سبيل الحوريات حماماً تستعمله الأميرات وعلية القوم في العصر الروماني، ليعاد استخدامه تالياً للغرض ذاته، في العصور البيزنطية والأموية والعباسية. فالمكان من الداخل على قدر كبير من الفخامة والعراقة في تصميمه، ويحتوي على ثلاث حنايا، وُضعت طاقات صغيرة نصف دائرية فيه، كما رُتبت في صفين يعلو أحدهما الآخر.
وكان "سبيل الحوريات" يحظى بالاهتمام والرعاية من قبل دائرة الآثار العامة، ففي التسعينيات من القرن الماضي قامت دائرة الآثار العامة بإجراء تنقيبات أثرية داخل سبيل الحوريات، واستمر العمل فيها حتى بداية عام 2000، وخلالها اُكتشف موقع "سبيل الحوريات" بشكل شبه كامل، وعُثر على مجموعة من التماثيل والقطع الأثرية المختلفة، التي تعاقبت عليها عصور شتى.
ويوضح الزبن، أنّ الواجهة الداخلية "لسبيل الحوريات" كانت مغطاة بألواح الرخام، بينما حوض السباحة كان واسعاً ويمتد على طول البناء وبعمق 26 قدماً، وفوقه حوض السباحة، كما أُقيمت الحمامات والنوافير والأعمدة التي يبلغ ارتفاعها عشرة أمتار. غير أنه لم يبق من تلك الآثار اليوم إلا برجان وما بينهما من آثار.
وتحرص الدائرة على التنقيب المستمر عن الآثار في الموقع، فضلاً عن تنظيفه الدائم لما يعلق به من أوساخ وفي كل الأوقات، حتى يبقى نظيفاً ولائقاً بالوجه الحضاري لمدينة عمّان التي تستقبل سياحها على مدار العام، رغم أنّ المكان مغلق أمام الزوار، بحجة تحسينه.
ويحكي "سبيل الحوريات" بحسب الباحث والكاتب جهاد جبارة، قصة عمّان القديمة، خلال العصور الكلاسيكية كونها تمثل قلب المدينة النابض ومجمع الأدباء والشعراء والكتّاب في العصور القديمة، إذ لا يزال الأمل قائماً، بإحياء السياحة الداخلية وتنشيطها، وإعادة الموقع إلى سابق عهده، كنقطة جذب سياحة عالمية، بالنسبة لمن يعملون في السياحة الأردنية.
يضيف جبارة: "سبيل الحوريات متميز على الصعيد العالمي، ولا يوجد في العالم بناء يشبهه، فأباطرة الرومان وجهوا المهندسين والفنيين نحو إقامة بناء متميز، فيه إبداع هندسي وفني على مستوى الشرق، وتمّ اختيار وسط مدينة فيلادلفيا لإقامته، وتسخير الجهود الاقتصادية والفكرية والهندسية، بحيث يكون الأميز المتفرد، ويعكس عظمة الإبداع الإنساني في مجال العمارة قبل ألفي عام من يومنا هذا".
ويبين جبارة: "يحمل البناء تسميات عدة، نظراً لأهميته وأهمية موقعه الجغرافي ودوره التاريخي في الحياة الثقافية والفكرية في وسط المدينة آنذاك، إذ يُطلق عليه المتخصصون اسم "سبيل الحوريات"، كناية عن الحفل السنوي الذي كان يقام في ساحة البناء، وتحضره النساء المتميزات في مدينة فيلادلفيا خلال تلك الحقبة".
اقرأ أيضاً: قصور الصحراء