سبعُ قصائد

24 مارس 2015
+ الخط -
بِذِرَاعَيَّ اللتَيْنِ طَالَمَا...


بِذِراعيّ - اللتيْنِ طالَما حَمَلَتَانِي
حتّى بابِ بيتِنا
حين كنتُ أتعب من إحصاء الكهوف
إذ إنّ هذِهِ من هِوَايات شبابي ـ
أسدّ الطّريقَ في وجْهٍ فتًى شِرِّير
كانَ يُقْبِلُ راكضًا ويَنْوِي
أن يَكْسِرَ أغصانَ شُجَيْرة خُزامَى
تشتركُ في مِلْكِيَّتِها
سَبْعُ جرادات
أُفْلِحُ في صَدِّهِ فينكصُ على عقبَيْه ويختفي
وأسمعُ هَمْهَمَاتٍ تتنامَى إلى أُذُنَيّ
متسارعةً
وتنِمّ عن قلق أكيد:
إنَّهُنَّ الجرادات السبع، عابساتٍ
بالتّأكيد، يُحَلِّلْنَ واقعة الهجوم
من كافّةِ
أَوْجُهِهَا


سأَسْحبُ من دخانها وأنفث


يُريدُ هواءُ هذه اللحظة أن يَتَخَلَّى عَنِّي
أنْ يتوارَى خَلْفَ هَذِهِ التّلّة
ويأخذَ معهُ أفكارِي
لِيَجْعلَها تُخَشْخِش
ويستمتع بذلك، فيما أنا
أَخْتَنِق
وأزِيدُ اختناقًا!
آه يا عزيزي الهواء المُخاتل
إنَّ مَسْعاكَ سيبوءُ بِالْفَشَل
فأنا الآن سأشعلُ سيجارة
وسَأَسْحَبُ من دُخَانِها وأنْفُث
ثمّ أسحَبُ
ثمّ أَنْفُث
وهكذا
إلى أن يتغلغلَ بين حنايَاك الدّخان
وتزرقَّ دواخلك
وتتقهقر متبدِّدًا
وتصيرَ أضحوكةَ
ثاني أوكسيد
الكربون


شمسٌ صغيرة


يَتَطَلَّعُ إلى شَمْسِ هذا الصَّبَاح
إنَّها صغيرةٌ ما تزال، يقول في نفسه
من الخطأ، ولا شكّ، أن تكونَ قد اعتُمِدَتْ
في هذه السِّن المبكِّرة
شمسًا فِعْلِيّة.
إنَّه يراها الآن مُجرَّحة الخَدَّيْن
مُعَفَّرة الجبِين
يَسْألُ: هل عُدتِ مُجدّدًا إلى شَقَاوَتِك
وتَجَرَّحَ خدّاكِ في مُشَاحَنَات
وتَدَحْرَجْتِ على أتْرِبَة؟
وها هو يسمعُهَا تقول:
لا، بلْ طاردَتْنِي غربانٌ معدنيّة
وحاولَ أسْرِي ماسُونِيّون لهمْ وجوهٌ
مِنْ نحاس
ولجأتُ إلى هنودٍ حُمْر
يَصْخَبُون في حَانَات...

تابعَ طريقَه إلى المَقْهَى
الَّذِي يشربُ فيه، في العادة،
قَهْوتَه الصّباحيّة
كانَ فرِحًا، فقد سمعَ كلامَ
الشَّمْسِ - الطِّفْلة،
وبعد لحظات، وبأشعّةٍ تنبثق منْ عينيه
سيرسُمُ على خَدِّ الأفق
غروبًا وليدًا!

بعد أن عشقتُ حياةَ الليل

كنتُ صيّادَ سمك
وكنتُ غنيًّا أو فَلْنَقُلْ
إنّه لم يكنْ ينقصُنِي شَيْء
ثُمَّ ساءتْ أحوالي، بعد أن عشقتُ
حياةَ الليل
بغوانيها بِنبيذِها بِحُرُوبها
وأصبَحْتُ
سيّدَ السّاهرين
وحسِبُوني جُنِنتُ حينَ بدأتُ أُرَى في منتصفاتِ
الليالي
ومعي شِبَاكي التي صِرْتُ أُلْقيها
إلى أعلى، لَعَلّي أصطادُ
ابتساماتِ نُجومٍ
أوْ همهماتِ
غيومِ الليل
أوْ حتّى نيزكًا لطيفًا
يَحْملني على ظهره
ويَمْضي بي في رحلاتٍ في الأعالي
ويُسَلّيني!


وكأنّا لا نُبالي

حَمْحَمَةُ أَرَاغِن
بَدَأتْ، تحت تأثير أبخرة النبيذ
تتشبّه بأحْصِنة
أنغامُ جَاز
جيتارة تتجهّم للحظة وجيزة
ثمّ تبدو طلقة الأسارير
سجائر مرتعشة
تُشعلها قدّاحاتٌ زائدةُ المَرَح
وجهكِ يا غريبة
ذُو الابتسامات
الأليفَة
وهذه السّيجارة التي قَضَتْ بِلا نار
إذْ سَقَطَتْ بين مُكَعَّبَات
الثَّلج
وبدأتْ تَتحلّل:
إنها بدايةُ ليلة جديدة
لا بُدَّ من أن نسوقَهَا إلى حتفها
رويدًا رويدًا
وكأنَّا لا نُبالِي

كوميديا سوداء

هل تعتقدُ حَقًّا يا صديقي
أنّك سبقَ أن كُنتَ
بطَّةً بَرِّية في حيَاةٍ سَابِقَة؟
هل فِعْلاً تُنَقِّبُ في ذاكرتكَ بَلْ حتّى
في مسامِّك لِتَجِدَ جوابًا
عنْ تساؤُلك هذا؟
ثُمَّ بالله عَليك
مِنْ أين جاءتْك هذه الفكرةُ أَصْلًا؟
مِنْ كونكَ، حسبَما تقول، أصبحتَ تَرى بِرَكًا كثيرة في أحلامك
وتسمعُ صوت البطّ فينتابُك حنِينٌ غريب
وتُثيرُ انتباهَكَ أيُّ ريشةٍ طائرة
مهما كانتْ واهية؟
لكنّك، بهذه الطّريقة، تثيرُ القلقَ في نفسي يا صديقي
وتجعلُنِي دائمَ الشُّرود
وتَمْنَعُ النّوم عن جفوني
لأنِّي أصبحتُ، عند كلِّ غَفْوة، أرى بنادقَ في الحُلم
ودخانًا يتصاعدُ أمامي
وكلّما بدا لي موقدٌ إلّا واستثارَ اهتمامي
وكلّما لمحتُ جَمْرةً
أو كومة أخشابٍ تَشْتَعِل
تسمّرتْ عليها عيناي...
فهلْ يا تُرى كنتُ في حياة آنفة
قَنّاصًا
وحدثَ أنْ قنصتُكَ وأنتَ بَطَّة
وَحَدَثَ أنْ طَهَوْتُ منك؟..
آه! إنّكَ تَجعلُنِي أتعذّب
آه! إنّي سأَبْكِي...

في هذه اللحْظَةِ، لا يُخِيفُنِي إِلَّا شيْءٌ واحِد


زُرْقَةُ هذا النَّجْم - الذي هو
صديقُ طفولتي
الذي طالَما أضاءَ طريقي بِحِرْص
حين كنتُ أعود ليلًا من السّينما -
هِيَ بالتّأكيدِ مَرَضِيَّة
لقد سَاءَتْ حالتُه كثيرًا
هذا ما قاله لي أيضًا
طبيبٌ مُخْتَصّ في الجهاز التنفُّسِيّ
وعالِمُ فَلَك
وما هَمَسَتْ لي بِه امرأةٌ في بُسْتان
تبيّنَ لاحقًا للشُّرطة السّرّية أنَّها
إمّا زرقاءُ اليمَامَة شخصيًّا
أو من سُلالتِها...
الشُّرْطة السِّرِّية!
يحدثُ أن يَحْدِجَنِي أفرادٌ منها
فَأَحْدِجُهُمْ
أنا لا آبه بهمْ
وفي هذه اللحْظَةِ، لا يُخِيفُنِي إِلَّا شيْءٌ واحِد:
أنْ يَهْوِيَ النَّجْم صديقي منذ الطُّفُولة
واهنَ القوَى على هذه الأرضِ الحزينة
فيما لا أستطيع أنا
أن أفْعَلَ مِنْ أجله
شيئًا.
المساهمون