سبعة أيام

22 فبراير 2017
("مانيكان"، إزمير، 2016، تصوير: مقداد خليل)
+ الخط -

1
غادرتُ أرضاً بلا لغة. الإشاراتُ لم تُوجد هناك.

صفوفٌ تميل وتتقهقر، والمسؤولون يخسرون اتّزانهم وقدراتهم، ويُطلقون اللحى، متكاسلين.

طويتُ ميدان حرب بلا جنود، وصرت داخل حافلة مهترئة أوصلتني بريفٍ كتمَ أنفاسي خوفُ أفاعيه بين حقولٍ رطبة وبيّارات، وكنت أسيرُ في ممرّات التقسيم خلالها.

شيءٌ متفوّقٌ على خيالي تلك الكابينة في عراء القرية، ونشاطُ عشرات الطلبة بالقرب، بسطاءَ متحدّثين بما أجهدني فهمه وأبطأتْ عنه بسمتي الصمّاء.


2
أغرقنا صرصوراً كبيراً مع الماء المراق في فوهة مجرى الحمّام.

توجّست المرأة فلربما يرجع، وتفاءلتُ؛ سيجد مخرَجاً إلى مكانٍ سفلي
بعض البشر يشمئزّون، ويقشعرون في الحال..

دهسُ الحشرات كدعسة نهاية سباق فعلٌ قلّما يتعيّن إنجازه.

أحمل الطفل وأمسّد شعره الرقيق، وظفرُ إبهامي غير مرّة يُمرَّر على صدغه مثل سكّين.

نزورُ أسرة جارنا، وينتقل ضيفه المريض بالبلاهة من الضحك والرقص - بعد نداء سيّارة أخيه - إلى النحيب على أدراجٍ هبطت به خارجاً.

جاري أيضاً بعد الحماسة لحمل السلاح وصعود الجبل تمنّى ألّا تكون ثمّة حربٌ، وأقفلَ للحظة عينيه.

جحيمٌ جميل:
النوم بدثارٍ نارٌ، النوم أعزل زمهرير.


3
كان معي غالباً، على الدوام، مقتنى ما عتيقٌ، مثل تعويذة عند كلّ طارئٍ أو وسواس أو ضحكة.

ولأنني أعزل الآن من الأشياء لا قيمةَ لي؛ مثل جنديٍّ مؤبّد يفني الشهور.

ساعة العجوز ذي الشاربين الأصهبين لو قضي أن تكون ثروتي، قبل أو بُعيد موته.

ساعةٌ بيضاءُ بياضَ سكاكرَ بنكهةٍ عديمة الجذور، ليست لثمرةٍ أو زهرةٍ أو لحم.


4
بكيتُ حين رأيته مفلتاً الزمام يلفظُ على الطاولة طعامَ غدائه البرتقالي الذي حفظه في أحشائه ساعاتٍ متخلّلاً بمزقٍ خضراء.

اندفع القيء مثل ثعبانٍ طويل يفحُّ.

وجمتُ، وولجَ أبي الحمّام، وقالت أمي بأن عليَّ ألّا أبكي لأني أنا أيضاً أتقيّأ أحياناً، فعارضتها ونشجتُ بأنه ليس مثلي وعليه ألّا يمرض ويتقيّأ.

أبي تألّمَ واعتذرَ إلينا، ولكن بدا أنه استمتعَ بما حصلَ له لأنّ المرضَ وحوادثه لديه هي مفاصلُ تربطه إلى الماضي بذكريات العلل والنقاهة، وتعينه ألّا ينفصمَ حاضرُه بتمامه عمّا مضى.


5
السيرُ نحو حانوتٍ قريب.

تحكي فتاةٌ شقراء فجأةً بلغةٍ غريبة إلى رفيقتها، عن سوء ودمامة الزوجة مقارنةً بهذا الرجل العظيم.. في الحانوت تتقدّمُ إلى الرجل ويقبّلان بعضهما، ثم تختفي لأنّها نصفُ بشريٍّ نصفُ جنّي، نصفُ حيٍّ نصف ميّت.

في البيت جلبوا في غيابي منضدتين من بيت الجار، إضافةً لثلّاجة عوضَ خاصّتنا. أخفيتُ وجهي بكفّي، وكشفتُه، ورجوتُ لو بقيَ أحدٌ معنا من الأسرة المهاجرة؛ طفلٌ على الأقل، أو حتى خيال.


6
ترتفعُ في مقطعٍ واحد نغمةُ النباح من زمور دراجة نارية.

شبان سريعون أشعلوا النار في كبال الكهرباء، وأمسينا على ضوء شمعة.

صغيرُنا تململ ونام، ونحن عثرنا على الظلام؛ على قطعةٍ من الماضي، واستعدنا مسرحَ الأشباح والنبرةَ الكسيرةَ الطافحة عن الجلود.


7
قبل أن نخوض البحرَ أكلنا سمكاً صغيراً "هومسي" مع سلطة وصحن برغل.

ودّعَنا الرجلُ بعد انتصاف الليل، وعادَ أدراجه من طريقٍ صاعد.

حلمَ الرجلُ بحيواناتٍ ضخمة تنشقُّ عنها بركةٌ عكرة متهدّمةُ الضفاف، ورأت زوجه حلماً صدعَ جمجمتَها.

بثّته في الفجر العواطفَ، وسألته كم يحبّها.

في المطبخ جذبَ عينيه صحنٌ زجاجيٌّ مقلوب يشبه سمكةً ممتلئة، قشّرَ ثمرة غريفون، وبلعَ الماء من عبوة متطاولة العنق.

كانت الستائرُ مرخاةً عن منظرٍ غيرِ بعيدٍ أو قريب لمراكب تؤرجحها الريح، وأنفاسُ ثلاثةِ نائمين تختلطُ متوازيةً بقوّةِ كائنٍ بحريٍّ كبير جوَّابٍ ما بين الأعماق والسطح.

دلالات
المساهمون