يحتدم سباق، غير معلن، بين الجزائر والمغرب من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث إن كل استثمار يستقطبه أحدهما، يتابع بانتباه شديد في البلد الآخر، بينما تسعى الدولتان إلى تنويع مصادر اقتصادهما.
وتسعى الجزائر إلى فتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية في وقت تسبب فيه تهاوي إيرادات النفط، المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة، في صعوبات اقتصادية ومالية، في حين يطمح المغرب إلى الحصول على موطئ قدم في تصنيع وتصدير قطاعات بعينها أكثر تخصصاً وتنويع أسواقه الخارجية.
ولم يمر الإعلان عن إحداث مدينة صينية ذكية في المغرب، تحتضن نحو 200 شركة صناعية، باستثمارات تقدر بنحو 10 مليارات دولار، دون إثارة بعض التساؤلات في الجزائر.
وذكر موقع "تي إس إيه" الجزائري الناطق باللغة الفرنسية، الذي يأتي اسمه اختصارا لعبارة "كل شيء عن الجزائر"، أن الصين تفضل التجارة فقط مع الجزائر، بينما لم تنخرط في إقامة مشاريع مهمة، رغم أن العملاق الآسيوي يعد المستفيد من التعاملات التجارية مع الجزائر، مشيراً إلى أن المستثمرين يتعاملون مع الجزائر باعتبارها سوقاً، بينما يجري التعامل مع المغرب كشريك، وبالتالي توجيه استثمارات إليه.
وقبل الصينيين، تمكن المغرب من استقطاب شركات "بوينغ" الأميركية و"بيجو" و"رينو" الفرنسيتين لصناعة السيارات، ما جعل المغرب يستحوذ على الحصة الأكبر من الاستثمارات الأجنبية بدول المغرب العربي في الأعوام الثلاثة الأخيرة.
وترى وزارة الصناعة والتجارة والاستثمارات المغربية، أن بإمكان المملكة إنتاج 600 ألف سيارة في العام، مع توقعات بارتفاع هذا الإنتاج إلى مليون سيارة بحلول عام 2020، لافتة إلى أن هيكلة قطاع السيارات، تسمح بوصول صادرات القطاع إلى 10 مليارات دولار وتوفير 160 ألف فرصة عمل.
ووصلت صادرات قطاع السيارات (مركبات وقطع غيار) في العام الماضي، 2016، إلى 6 مليارات دولار، ما جعل ذلك القطاع يتبوأ المركز الأول ضمن مجمل مبيعات المغرب في الخارج.
كما سعى المغرب إلى جذب شركة فولكسفاغن الألمانية، حيث حضر مسؤولون بالشركة إلى المملكة من أجل التعرف إلى فرص الاستثمار، غير أن الجزائر تمكنت من استقطاب الشركة، بهدف تجميع السيارات بطاقة إنتاجية تصل إلى 100 ألف سيارة في العام الحالي.
وعمدت كذلك الشركة الجزائرية للسيارات، المملوكة للقطاع الخاص، إلى إطلاق مشروع لتركيب السيارات بمنطقة تيارت، مع المجموعة الكورية "هيونداي".
وقبل ذلك كانت "رينو" الفرنسية قد أطلقت مشروعاً لتركيب السيارات في وادي تليلات بولاية وهران، غرب الجزائر، غير أن المركبات المنتجة فيه موجهة فقط للسوق المحلية.
وفي ظل السباق على جذب الشركات العالمية، لا سيما في صناعة السيارات الأوروبية، يرى خبراء اقتصاد أن المحفزات المغربية تبدو أكثر إغراءً للمستثمرين الأجانب، خاصة في ما يتعلق بحصص الملكية، حيث تشدد القوانين الجزائرية في المقابل على أن تكون الحصة الأقل للمستثمر الأجنبي بما لا يتخطى 49% من رأسمال المشروع.
وقال فرحات علي، الخبير الاقتصادي الجزائري، لـ"العربي الجديد"، إن هناك عزوفاً من قبل الاستثمارات الأجنبية عن القدوم إلى الجزائر، لأسباب سياسية واقتصادية، موضحا أن عدم استقرار البلاد سياسياً بعد مرض الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، جعل الأجانب يتخوفون من حدوث سيناريوهات قاتمة. وأضاف أن "الأسباب الاقتصادية الأكثر تأثيراً تتعلق في الغالب بقاعدة نسبة التملك التي لا تزيد فيها حصة المستثمر الأجنبي عن 49%، وهو أمر غير مشجع للمستثمرين الأجانب".
وتابع أن الأرقام الرسمية المتعلقة بالاستثمارات الأجنبية المباشرة تبقى متواضعة وأحيانا متضاربة، لافتا إلى أن آخر البيانات الصادرة عن تقرير منظمة الأمم المتحدة حول التنمية والتجارة المنشور في النصف الثاني من العام الماضي 2016، كشفت عن تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر من 1.5 مليار دولار عام 2014 إلى نحو 587 مليون دولار في 2015.
وقال الخبير الاقتصادي الجزائري، إن 60% من الاستثمارات الأجنبية تكمن في قطاع الخدمات، لا سيما اتصالات الهاتف النقال، فيما يبقى قطاعا الصناعة والزراعة الحلقة الأضعف.
وأجبر الهبوط المستمر لأسعار النفط الجزائر على تجميد مشاريع استثمارية، وتقليص موازنة العام الجاري إلى النصف، وذلك في ظل انخفاض عائدات تصدير النفط والغاز للبلاد، واللذين يمثلان 95% من صادراته، كما تؤمن إيرادات الطاقة 60% من الموازنة العامة.
ودفعت هذه الظروف الحكومة الجزائرية إلى البحث عن بدائل لتنويع الاقتصاد، لكن الشركات الأجنبية تطالب بالعديد من التسهيلات في ما يتعلق بالتملك وتحويل الأرباح للخارج، وهي قيود لا تزال الجزائر تتمسك بها.
وبحسب موقع "تي إس إيه" الجزائري، فإن المغرب يغري في المقابل المستثمرين الأجانب بموانئه الحديثة، ومناطقه الصناعية الموجهة للتصدير، والتحفيزات التي يوفرها، منها تحفيزات ضريبية لمدة خمسة أعوام، ومنح المستثمرين حرية تحويل الأرباح.
وتفادى رجل أعمال مغربي الخوض في المقارنة بين البلدين، مؤكداً أن سياسة المغرب في مجال جلب الاستثمارات، تحكمها رؤية تنظر إلى الفرص المتاحة في العالم ككل.
وقال إن التوجه المغربي في مجال جلب الاستثمارات الأجنبية، تدعمه القوانين الجذابة التي سنتها المملكة، واتفاقات التبادل الحر التي تصل إلى 56 اتفاقية.
كانت وزارة المالية والاقتصاد المغربي قد أشارت إلى أن الاستثمارات العامة في المملكة تضاعفت خلال الـ10 سنوات الماضية، لتبلغ وفق أحدث البيانات، نحو 186 مليار درهم (17.07 مليار دولار) في 2014، مقارنة بـ70 مليار درهم (6.4 مليارات دولار) في عام 2004، بزيادة 165.7%.
واعتبر محمد الشيكر، الخبير الاقتصادي المغربي، أن علاقات الجزائر مع الاتحاد الأوروبي ليست مثل المغرب، حيث لم تأخذ أبعاداً تفضي إلى نوع من الشراكة الاقتصادية الحقيقية، والأمر نفسه بالنسبة للعلاقة مع منظمة التجارية العالمية.
وقال مسؤول حكومي مغربي لـ"العربي الجديد"، إن جذب الاستثمار الأجنبي يحكمه هاجس التصدير قبل السوق الداخلية، بينما يراد في الجزائر تلبية الطلب في السوق المحلية، وهذا ما يجعل هناك فارقا في التوجه بين الدولتين، متوقعا أن يُحسم السباق على جذب الاستثمارات الأجنبية لصالح المغرب.
وإلى حدود الآن ينجح المغرب في تسويق نفسه كمنصة للتصدير والبحث عن فرص استثمارية في أفريقيا، بينما تغري الجزائر بسوقها وبما يتوافر لديها من موارد للطاقة.