سباق انتخابات الدوما... اختبار لشرعية "روسيا الموحدة"

26 يوليو 2016
شهد عام 2011 تظاهرات مطالبة بانتخابات نزيهة(أنطون بلوسوف/فرانس برس)
+ الخط -
يتجه حزب "روسيا الموحدة" الحاكم نحو فوز محسوم في انتخابات مجلس الدوما (النواب) الروسي التي تجري في يوم التصويت الموحّد في 18 سبتمبر/أيلول المقبل، بينما تعتبر فرص أحزاب المعارضة "غير النظامية" في دخول البرلمان شبه معدومة. إلا أن التحدي الأكبر أمام السلطات الروسية لا يتمثل في إبقاء سيطرتها على المنظومة السياسية فحسب، وإنما في تحقيق ذلك عبر إجراء انتخابات بلا فضائح تزوير ومن دون تكرار الاحتجاجات على غرار تلك التي شهدتها روسيا بعد الانتخابات التشريعية عام 2011.

ويشير رئيس برنامج "السياسة الداخلية الروسية والمؤسسات السياسية" بمركز "كارنيغي" في موسكو، أندريه كوليسنيكوف، إلى أنه في ظروف انعدام المنافسة السياسية وعدم وجود رؤية للمستقبل وآليات لانتقال السلطة، تصبح الانتخابات التشريعية اختباراً لشرعية النظام الحاكم.
ويقول كوليسنيكوف لـ"العربي الجديد"، إنّ "التوجه العام هو الانتقال من الإدارة الحازمة إلى التلاعب المرن، مما يقتضي بعض الليبرالية. ويعتمد التصميم الجديد على حرص السلطات على الحفاظ على شرعية الإجراءات الانتخابية والحيلولة دون خروج احتجاجات حاشدة". ويضيف أنّه "بحلول صيف 2016، قامت السلطة بكل ما في وسعها لتحقيق هدفها الرئيسي، وهو إجراء الانتخابات من دون فضائح واحتجاجات، وفي الوقت نفسه تحقيق توزيع مقبول للمقاعد في مجلس الدوما المقبل".

ويلفت الباحث الروسي إلى أنّ "الانتخابات التشريعية ستعيد إنتاج النظام السياسي الحالي وستنقذه من فقدان الشرعية، لكنها لن تزيد من قدراته على مواجهة تحديات طويلة الأمد في المجالَين الاقتصادي والاجتماعي، والنظام السياسي للبلاد على حد سواء".

وفي ما يتعلق بنتائج الانتخابات، يتوقع كوليسنيكوف أن "الـ225 مقعداً المنتخبة بنظام القائمة النسبية، ستكون موزّعة بين الـ4 أحزاب المتمثلة في البرلمان الحالي وبنسب لن تختلف كثيراً عن التشكيلة الحالية". ويوضح أن الأحزاب المعارضة المتمثلة في الدوما حالياً "تعمل في الأطر المسموح بها فقط وتعبر عن الاحتجاج الاجتماعي وتزيد من مرونة المنظومة، وبذلك تخدم في الواقع المصالح الطويلة الأجل للسلطة".

ويشغل النواب عن "روسيا الموحدة" حالياً 238 من أصل 450 مقعداً في الدوما، كما أن هناك 3 أحزاب أخرى متمثلة بالمجلس، وهي "الشيوعي"، و"الليبرالي الديمقراطي"، و"روسيا العادلة". وبحسب آخر استطلاع أجراه "المركز الروسي لدراسة الرأي العام"، تبلغ نسبة تأييد "روسيا الموحدة" 44 في المائة، ويليه الحزب الليبرالي الديمقراطي بنسبة 10.5 في المائة، والحزب الشيوعي بنسبة 9.9 في المائة، و"روسيا العادلة" بنسبة 7.8 في المائة. بينما أعرب 4.3 في المائة فقط من المستطلعة آراؤهم عن نيتهم التصويت لصالح حزب آخر، كما لا ينوي 14.3 في المائة المشاركة في الانتخابات.






وتخوض المعارضة غير المتمثلة بالبرلمان الحالي سباق الانتخابات بمجموعة من أحزاب منفصلة، وهو أمر يقضي في الواقع على أي آمال في تجاوز نسبة الـ5 في المائة المطلوبة لدخول البرلمان. وأهم هذه الأحزاب؛ "يابلوكو" الذي أسسه المرشح الرئاسي السابق، غريغوري يافلينسكي، و"بارناس" بزعامة رئيس الوزراء الروسي الأسبق، المعارض الحالي، ميخائيل كاسيانوف، و"روست" الذي تضم قائمته إيرينا خاكامادا، إحدى أهم الشخصيات السياسية في روسيا في تسعينيات القرن الماضي، كما عُرف هذا الحزب بمواقفه الداعمة للسياسة الخارجية للكرملين، بما فيها ضم شبه جزيرة القرم عام 2014.

ويوضح نائب رئيس حزب بارناس المعارض، إيليا ياشين، أن كل حزب معارض له ناخبه بحسب درجة معارضته للسلطات الروسية الحالية. ويقول ياشين لـ"العربي الجديد"، إنّ "أشدّ المعارضين سيصوّت لصالح بارناس، ويصوت المعتدلون لحزب يابلوكو الذي يضم سياسيين من أطياف مختلفة، بينما سيحصد حزب روست أصوات الناخبين الأقل معارضة".

وحول توقعاته بشأن نزاهة الانتخابات، يرى أنّ "السلطة ستوظف مواردها الإدارية مثل تنظيم تصويت الموظفين الحكوميين وتوزيع المواد الغذائية والهيمنة على وسائل الإعلام، وقد تلجأ إلى أساليب التزييف المباشر، مثل تنظيم حافلات لنقل الناخبين بين مراكز الاقتراع للتصويت لأكثر من مرة". ويعطي ياشين مثلاً على توجيه الناخبين، مشيراً إلى النسب العالية لتأييد "روسيا الموحدة" في الجمهوريات التي تقطنها قومية واحدة في شمال القوقاز الروسي، وفي مقدمتها الشيشان، حيث حصد الحزب الحاكم فيها 99.5 في المائة من أصوات الناخبين عام 2011.

وإلى جانب أحزاب المعارضة، تشارك في الانتخابات بالنظام الفردي مجموعة من المرشحين المدعومين من حركة "روسيا المفتوحة" التي أسسها المعارض، ميخائيل خودوركوفسكي. ويقيم رجل الأعمال الهارب في سويسرا، منذ العفو عنه في نهاية عام 2013، وذلك بعدما قضى 10 سنوات بالسجن في روسيا لإدانته بتهم الاحتيال والتهرب من دفع الضرائب. إلا أن المالك السابق لشركة النفط "يوكوس" عاد إلى المشهد بقوة خلال الأشهر الماضية، معتبراً في أحد حواراته الصحافية الأخيرة، أن تغيير السلطة في روسيا بطريقة سلمية يتطلب أن يعبّر حوالي 40 مليوناً من المواطنين عن رغبتهم في حدوثه.

وشهدت روسيا موجة من الاحتجاجات الحاشدة نهاية عام 2011 والنصف الأول من عام 2012، للمطالبة بإجراء انتخابات برلمانية نزيهة ورفضاً لعودة الرئيس الروسي الحالي، فلاديمير بوتين إلى الرئاسة بعدما شغل منصب رئيس الوزراء لمدة 4 أعوام. إلا أن وتيرة الاحتجاجات تراجعت بعد تشديد قانون التظاهر في يونيو/حزيران 2012 وصدور أحكام بالسجن بحق عدد من المحتجين بتهمة "الاعتداء على أفراد الأمن" في ما عُرف بـ"قضية ساحة بولوتنايا"، إلى أن أصبحت حركة الاحتجاج شبه معدومة بعد ضم القرم في مارس/آذار 2014.