حسم الملياردير المصري نجيب ساويرس صفقة الاستحواذ على بنك الاستثمار سي آي كابيتال، المملوك للبنك التجاري الدولي، في صفقة تتجاوز قيمتها 118 مليون دولار، وهي ثاني صفقة له في أقل من ثلاثة أشهر، عقب استحواذه، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على بلتون المالية بقيمة بلغت 83 مليون دولار.
وقال خبراء اقتصاديون ومسؤولون في سوق المال المصري، لـ"العربي الجديد"، إن هدف ساويرس من الاستحواذات على كبريات بنوك الاستثمار، السيطرة على هذا القطاع الخدمي الأكثر حساسية في الاقتصاد المصري، نظراً لقدرة ذلك القطاع على اختراق كافة البيانات الاقتصادية والاطلاع على الصفقات التي تجري داخل الدولة، ما يتيح فرصة أكبر لرجل الأعمال الأكثر جدلا في مصر أن يكون أكثر اطلاعا على الكثير من أسرار الاقتصاد.
واعتبر خبير أسواق المال محمد دشناوي، أن استحواذ ساويرس على بلتون المالية ثم سي آي كابيتال ومن قبلهما دايناميك لتداول الأوراق المالية، يضع يده على أكثر من 25% من سوق الخدمات المالية في مصر، وهو ما يظهر نيته تجاه هذا القطاع المطلع على كواليس الاقتصاد المصري.
وقال في محادثة مع "العربي الجديد": "ساويرس ينتقل من قطاع خدمات الاتصالات، الذي كان يراقب فيه مكالمات المصريين من مسؤولين في كافة مراكزهم وأفراد عاديين، إلى قطاع يراقب فيه الاقتصاد ككل وكواليسه وأسراره، وهو ما يتناسب مع طبيعة رجل الأعمال الذي يعد صديقا لأنظمة دولية، فهو شريك الروس وحليف الأميركان، وربما يملك علاقات وطيدة مع إسرائيل، خاصة أن هناك قضايا متهمة فيها شركته السابقة موبينيل بالتجسس مع الاحتلال".
ولفت إلى أن ساويرس يعد الرجل الأول الأكثر تأثيرا في الحياة السياسية بعد الجيش، من خلال تملكه حزب المصريين الأحرار الذي حصل على أكبر عدد مقاعد لحزب واحد في البرلمان المصري في انتخابات 2015، بعدد 65 مقعدا.
وأشار إلى أن رجل الأعمال يريد أن يكون نافذا وذا سطوة اقتصادية تماما، إلى جانب نفوذه السياسي، لافتا إلى أن شركتي بلتون وسي آي كابيتال تديران صناديق حكومية وأخرى مملوكة للبنوك الحكومية، فضلا عن الصناديق الأجنبية، ليصل إجمالي ما تديره من أصول إلى أكثر من 45 مليار جنيه، ما سيمكن ساويرس من أن يكون أكثر تأثيرا في حركة الاقتصاد وتوجهاته.
وحذر من نجاح هذا المخطط على مستقبل مصر سياسيا واقتصاديا، حيث سيتمكن رجل واحد من استخدام البرلمان في تمرير قوانين تخدم مصالحه فقط، كما سيعترض على تشريعات يرى أنها قد تضر بمصالحه الاقتصادية، مؤكدا أن هذه الصفقات تخلق لوبيا جديدا ضد الدولة سياسيا واقتصاديا، خاصة أن ساويرس يملك أدوات إعلامية نافذة أيضا من قنوات تلفزيونية وصحف مؤثرة ومواقع إلكترونية ذائعة الصيت.
ولفت إلى أن ساويرس بعد استحواذه على بلتون المالية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أتى بوزيرين في الحكومة السابقة كأعضاء مجلس إدارة بها، هما وزير التجارة والصناعة السابق منير فخري عبدالنور ووزير المالية الأسبق الدكتور أحمد جلال، بالإضافة إلى رئيس غرفة التجارية الأميركية جمال محرم، وهو ما يؤكد نوايا رجل الأعمال في السيطرة على مفاصل الاقتصاد المصري.
اقرأ أيضاً: "ساويرس" يتحالف مع مستثمر أميركي.. والعين على "أديداس"
وقال مسؤول مصرفي بارز في مصر، طلب عدم ذكر اسمه، إن اهتمامات ساويرس بقطاع الخدمات المالية في مصر ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى أكثر من 10 سنوات، عندما حاول تكوين تحالف من شركات خدمات مالية تضم سي آي كابيتال ودايناميك وبرايم القابضة وشركات أخرى أقل حجما، لخلق كيان واحد يواجه به شركة المجموعة المالية هيرميس. لكن محاولاته باءت بالفشل، ليعود في 2014 من جديد هذه المرة مستهدفا شركة هيرميس ذاتها التي لا تزال تستحوذ على النصيب الأكبر من سوق الخدمات المالية في مصر بأكثر من 35%، حيث قدم عرضا للاستحواذ على 20% منها بالتعاون مع شركة بلتون المالية، لكن العرض كان أيضا مصيره الفشل.
وأضاف المصدر أن طارق عامر، محافظ البنك المركزي المصري، فطن إلى نوايا ساويرس، لكن بشكل متأخر، ليدفع البنك الأهلي المصري إلى تقديم عرض استحواذ على "سي آي كابيتال"، في محاولة لقطع الطريق على ساويرس لتكوين هذا اللوبي الاقتصادي. لكن يبدو أن هناك ترتيبات جرت بين مجلس إدارة البنك التجاري الدولي وساويرس دفعت البنك التجاري الذي تسيطر عليه صناديق أميركية ودولية إلى وضع عراقيل أمام استحواذ البنك الحكومي المصري على سي آي كابيتال قبل أن ينسحب رسميا من الصفقة.
وقال البنك التجاري الدولي- مصر "CIB"، أمس الاثنين، إنه وافق على عرض الشراء الملزم المقدم من شركة أوراسكوم للاتصالات والإعلام والتكنولوجيا القابضة للاستحواذ على 100% من أسهم شركة "سي آي كابيتال القابضة"، بقيمة 924 مليون جنيه (118 مليون دولار).
وأوضح كل من "التجاري الدولي" و"أوراسكوم للاتصالات"، في بيان مشترك لبورصة مصر، أنه جار اتخاذ الخطوات اللازمة لإتمام الصفقة، على أن يتم الاستحواذ من خلال شركة أوراسكوم للاتصالات أو إحدى شركاتها التابعة.
وتستحوذ شركة سي آي كابيتال على نحو 12% من سوق الخدمات المالية المصرية، ويتبعها 4 شركات تعمل في أنشطة إدارة الأصول والسمسرة وبنوك الاستثمار، ومن بين الشركات التابعة شركتان للسمسرة في الأوراق المالية "التجاري الدولي" للسمسرة، و"دايناميك" للسمسرة.
كما يتبعها شركة "سي آي استس مانجمنت" لإدارة الأصول، والتي تدير أصولاً بقيمة 10 مليارات جنيه، منها 8 صناديق يبلغ حجم استثماراتها نحو 6 مليارات جنيه. وتمتلك شركة سى آى كابيتال لترويج وتغطية الاكتتاب، فيما تدير بلتون أصولا حكومية وغير حكومية تصل إلى 35 مليار جنيه (4.47 مليارات دولار).
وقال مسؤول بأحد البنوك الحكومية في مصر إن ساويرس لديه معلومات استباقية بتوجهات الدولة، خاصة فيما يتعلق بطرح الشركات الحكومية والبنوك، ويسعى جاهداً مسابقا الزمن لأن يكون مستعدا للفوز بنصيب الأسد من هذه الطروحات.
وأضاف أن الحكومة أعلنت بالفعل عن طرح بنكين حكوميين، بالإضافة إلى شركات أخرى في قطاعات البترول والأغذية والتأمين في البورصة، وهذه الطروحات تتم من خلال شركات الخدمات المالية.
خبير أسواق المال محمد عبد القوي، قال لـ"العربي الجديد": "صفقات ساويرس هي استثمار سياسي في صورة استثمار اقتصادي، حيث يأتي تزامنا مع استحواذه على مقاعد مؤثرة في البرلمان ونسبة كبيرة من حجم الإعلام المرئي والمقروء في مصر، والآن هو يريد العودة كرجل اقتصادي أكثر تأثيرا من خلال قطاع الخدمات الذي سيتيح له مراقبة كل ما يجري في الدولة من النواحي الاقتصادية".
وأشار إلى أن الكثيرين مخطئون في أن ساويرس يدفع نقودا لتنفيذ هذه الصفقات، مشيرا إلى أن جميعها من جيوب المصريين، حيث يحصل على تسهيلات ائتمانية وقروض من البنوك ينفذ من خلالها تلك الاستحواذات، ويكون الدفع على سنوات من عوائد تلك الشركات.
وتعمل في مصر 21 شركة خدمات مالية، أبرزها المجموعة المالية هيرميس وسي آي كابيتال وبلتون واتش سي واتش اس بي سي وبرايم وبايونيرز القابضة والنعيم القابضة.
اقرأ أيضاً:
مؤسسة دولية تتوقع تباطؤ اقتصاد مصر في 2016
مستثمرون يهدّدون بتصفية أنشطتهم في مصر