مسرح الجريمة والموسيقى لدى الطبيب اللبناني سامي القواس، يضيف إليهما الغوص والرياضة، ليشكل شخصية فريدة بقصة مميزة لا تصادفها كلّ يوم
مداخل عديدة لقصة الدكتور سامي القواس. فقبل التحدث عنه تواجهك حقيقة أنّ والده (رئيس محكمة الجنايات السابق حسن القواس) قاضٍ وجده قاضٍ وجدّ والده قاضٍ أيضاً. هي ربما همزة وصل لانتقاله من طبّ العائلة إلى الطبّ الشرعي عام 2000.
بأعوامه الخمسة والخمسين وردائه الأبيض ووجهه الذي لا تفارقه الضحكة يتحدث القواس لـ"العربي الجديد"، من عيادته في محلة الحمراء في بيروت، عمّا هو أبعد بكثير من هذه المهنة. عدا عن الطب، هو رب أسرة ورياضي وموسيقي وغطاس أيضاً. ينجز كلّ ذلك باندفاع كبير ويوفر له الوقت اللازم مهما كانت المسؤوليات كبيرة. هي ليست مجرد هوايات يهرب بها من أجواء العمل، بل شغف يلامس فيه الاحتراف، كما في عروضه الموسيقية أو حين قدم محاضرة عن تاريخ موسيقى الجاز مثلاً.
يقول عن طبّ العائلة إنّه اختصاص يقوم على فكرة الطبّ الشامل الذي لا يهتم بالصحة الجسدية فقط بل يتعداها إلى نواحٍ أخرى نفسية - اجتماعية. هو اختصاص غير معروف في لبنان، ما يجعله يطالب بتعزيز حضور مبدأ الوقاية والعلاج وهو ركن أساسي من أركان طب العائلة. أما الطبّ الشرعي "فسوقه كبير وزبائنه الأكثر هم المعتدى عليهم، وبعض حالات الوفاة أيضاً". وفي حالات الوفاة يشبه الطبّ الشرعي طبّ العائلة، لكنّه في التشخيص ولو أنّه هنا يحاول أن يكشف عن سبب الوفاة بالذات: "الأدلة الجنائية تهتم بحقل الحادثة، أما الطبّ الشرعي فيهتم بالشخص المتوفي الذي له كلمة يريد أن يقولها، وعلينا نحن أن نكشف عن كلمته تلك في سبيل الحق".
الفن والإبداع لا يقتصران على هوايات القواس، بل يتعامل بهذا النفس مع عمله أيضاً، خصوصاً من خلال التقارير الدفاعية التي يهتم كثيراً في إعدادها مدعّمة بالصور والشهادات والحقائق العلمية، لتبيان الحالات التي يكشف عليها أمام المحكمة حين يواجَه بـ"دعاوى افتراء" من معتدين يرفضون تشخيصه في حالات معينة. لكنّه يتعامل مع هذه الدعاوى بهدوء وثقة: "كلّما ابْيَضّ شعرك أكثر كلّما كثر أعداؤك، أو كما قال لي والدي يوماً: المجرم لن يكون صديقاً لك".
اقــرأ أيضاً
أما هواياته المتعددة فقد حافظ عليها بالرغم من كلّ مشاغله، وسرّه في ذلك الاندفاع الدائم خلف التحديات والمثابرة، وهي حاله مع كرة المضرب والغطس اللذين يعود إليهما كلّ فترة: "أما الموسيقى فهي مثل المرأة تحتاج إلى بعض الكلام الجميل فتخرج معها إبداعك. أسرق الوقت ليلاً لأكون معها وأخرج بالأفكار الموسيقية".
القواس يتحدث اللغة العربية بلهجتها اللبنانية بطلاقة لكن مع قليل من التكسير، فوالدته سويدية، وهو يعرف لغة والدته ومعها الإنكليزية والفرنسية، ويتابع دراسة الألمانية والإيطالية. والحديث عن الوالدة يجرّ إلى الحديث عن بقية العائلة "الموسيقية"، فالوالد والوالدة والخالة وابنة العم والشقيق والابنة بعضهم مطرب معروف وبعضهم عازف. في حديثه عن الموسيقى بالذات كثير من الألفة والحبّ: "عندما تعزف مقطوعة صعبة وتكون راضياً عن عزفك، تشعر بالسعادة والكمال".
معظم التعليقات التي تصله حول الفرق الموسيقية التي ينشط فيها على "الكي بورد" الذي يضمّ إليه أصوات آلات موسيقية كثيرة، هي تعليقات إيجابية ومشجعة "السلبية قليلة، ومن ذلك قول أحدهم: أتظنّ نفسك بيتهوفن؟"، لكنّ ذلك لا يؤثر فيه "نحن نقدم الموسيقى في احترام، وفي أماكن راقية، لا في الشارع ولا في مطاعم صغيرة مقابل المال".
لا شكّ أنّ مثل هذه الشخصية المتنوعة النشاطات للقواس مميزة، لكنّ الأكثر تميزاً أنّ في إمكانه أن يجد روابط قد لا تخطر في بال بين الطبّ الشرعي والغطس والموسيقى. يفسر ذلك: "بطبيعتي أحب المغامرة وأفتش عن كلّ جديد. الغطس فيه هذا النوع من المغامرة، كما في البحث عن السفن الغارقة. هي متحف من الإبداع". وعن الطب الشرعي يقول: "هو مثل الغطس تميزه المغامرة، فلا جريمة تشبه الأخرى. البحث بين غابات الأدلة ومغاراتها المعتمة للوصول إلى حلّ تقدمه إلى القضاء هو كعتمة البحر ومغاراته، فمسرح الجريمة دائماً يفتقد الضوء، ومن الممكن أن يخرج منه ما يشكّل خطراً عليك. وهي مغامرة أيضاً أن تعمل باحتراف في هذا البحر من المعلومات الضئيلة فتوصلها إلى العدالة".
يصل في هذه المقارنة إلى الموسيقى: "هي أكبر مثال على المغامرة. وهي هنا ترتبط بالعزف أمام الجمهور والتمكن من الحصول على اهتمامه وانتباهه". يعطي مثالاً على ذلك: "قبل شهرين أديت مع الفرقة عرضاً موسيقياً أمام 650 شخصاً... أمام الجمهور يخرج منك نوع آخر من الإبداع، تلحظه بالذات في وجوههم". يقارن هذه المرة بالطبّ الشرعي: "عندها فقط تعرف أنّك قدمت أدلتك الموسيقية" إلى الجمهور - القاضي.
اقــرأ أيضاً
مداخل عديدة لقصة الدكتور سامي القواس. فقبل التحدث عنه تواجهك حقيقة أنّ والده (رئيس محكمة الجنايات السابق حسن القواس) قاضٍ وجده قاضٍ وجدّ والده قاضٍ أيضاً. هي ربما همزة وصل لانتقاله من طبّ العائلة إلى الطبّ الشرعي عام 2000.
بأعوامه الخمسة والخمسين وردائه الأبيض ووجهه الذي لا تفارقه الضحكة يتحدث القواس لـ"العربي الجديد"، من عيادته في محلة الحمراء في بيروت، عمّا هو أبعد بكثير من هذه المهنة. عدا عن الطب، هو رب أسرة ورياضي وموسيقي وغطاس أيضاً. ينجز كلّ ذلك باندفاع كبير ويوفر له الوقت اللازم مهما كانت المسؤوليات كبيرة. هي ليست مجرد هوايات يهرب بها من أجواء العمل، بل شغف يلامس فيه الاحتراف، كما في عروضه الموسيقية أو حين قدم محاضرة عن تاريخ موسيقى الجاز مثلاً.
يقول عن طبّ العائلة إنّه اختصاص يقوم على فكرة الطبّ الشامل الذي لا يهتم بالصحة الجسدية فقط بل يتعداها إلى نواحٍ أخرى نفسية - اجتماعية. هو اختصاص غير معروف في لبنان، ما يجعله يطالب بتعزيز حضور مبدأ الوقاية والعلاج وهو ركن أساسي من أركان طب العائلة. أما الطبّ الشرعي "فسوقه كبير وزبائنه الأكثر هم المعتدى عليهم، وبعض حالات الوفاة أيضاً". وفي حالات الوفاة يشبه الطبّ الشرعي طبّ العائلة، لكنّه في التشخيص ولو أنّه هنا يحاول أن يكشف عن سبب الوفاة بالذات: "الأدلة الجنائية تهتم بحقل الحادثة، أما الطبّ الشرعي فيهتم بالشخص المتوفي الذي له كلمة يريد أن يقولها، وعلينا نحن أن نكشف عن كلمته تلك في سبيل الحق".
الفن والإبداع لا يقتصران على هوايات القواس، بل يتعامل بهذا النفس مع عمله أيضاً، خصوصاً من خلال التقارير الدفاعية التي يهتم كثيراً في إعدادها مدعّمة بالصور والشهادات والحقائق العلمية، لتبيان الحالات التي يكشف عليها أمام المحكمة حين يواجَه بـ"دعاوى افتراء" من معتدين يرفضون تشخيصه في حالات معينة. لكنّه يتعامل مع هذه الدعاوى بهدوء وثقة: "كلّما ابْيَضّ شعرك أكثر كلّما كثر أعداؤك، أو كما قال لي والدي يوماً: المجرم لن يكون صديقاً لك".
القواس يتحدث اللغة العربية بلهجتها اللبنانية بطلاقة لكن مع قليل من التكسير، فوالدته سويدية، وهو يعرف لغة والدته ومعها الإنكليزية والفرنسية، ويتابع دراسة الألمانية والإيطالية. والحديث عن الوالدة يجرّ إلى الحديث عن بقية العائلة "الموسيقية"، فالوالد والوالدة والخالة وابنة العم والشقيق والابنة بعضهم مطرب معروف وبعضهم عازف. في حديثه عن الموسيقى بالذات كثير من الألفة والحبّ: "عندما تعزف مقطوعة صعبة وتكون راضياً عن عزفك، تشعر بالسعادة والكمال".
معظم التعليقات التي تصله حول الفرق الموسيقية التي ينشط فيها على "الكي بورد" الذي يضمّ إليه أصوات آلات موسيقية كثيرة، هي تعليقات إيجابية ومشجعة "السلبية قليلة، ومن ذلك قول أحدهم: أتظنّ نفسك بيتهوفن؟"، لكنّ ذلك لا يؤثر فيه "نحن نقدم الموسيقى في احترام، وفي أماكن راقية، لا في الشارع ولا في مطاعم صغيرة مقابل المال".
لا شكّ أنّ مثل هذه الشخصية المتنوعة النشاطات للقواس مميزة، لكنّ الأكثر تميزاً أنّ في إمكانه أن يجد روابط قد لا تخطر في بال بين الطبّ الشرعي والغطس والموسيقى. يفسر ذلك: "بطبيعتي أحب المغامرة وأفتش عن كلّ جديد. الغطس فيه هذا النوع من المغامرة، كما في البحث عن السفن الغارقة. هي متحف من الإبداع". وعن الطب الشرعي يقول: "هو مثل الغطس تميزه المغامرة، فلا جريمة تشبه الأخرى. البحث بين غابات الأدلة ومغاراتها المعتمة للوصول إلى حلّ تقدمه إلى القضاء هو كعتمة البحر ومغاراته، فمسرح الجريمة دائماً يفتقد الضوء، ومن الممكن أن يخرج منه ما يشكّل خطراً عليك. وهي مغامرة أيضاً أن تعمل باحتراف في هذا البحر من المعلومات الضئيلة فتوصلها إلى العدالة".
يصل في هذه المقارنة إلى الموسيقى: "هي أكبر مثال على المغامرة. وهي هنا ترتبط بالعزف أمام الجمهور والتمكن من الحصول على اهتمامه وانتباهه". يعطي مثالاً على ذلك: "قبل شهرين أديت مع الفرقة عرضاً موسيقياً أمام 650 شخصاً... أمام الجمهور يخرج منك نوع آخر من الإبداع، تلحظه بالذات في وجوههم". يقارن هذه المرة بالطبّ الشرعي: "عندها فقط تعرف أنّك قدمت أدلتك الموسيقية" إلى الجمهور - القاضي.