عندما كانت سامية العبدالله في الرابعة من عمرها، انفصل والداها وعاشت مع أبيها في حيّ طيطبا في مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا، جنوبيّ لبنان. هي اليوم في الرابعة والعشرين من عمرها، وتتعايش مع صممها الذي ولدت وهي تعاني منه. على الرغم من كلّ ما واجهتها على خلفيّة إعاقتها هذه، فإنّها أصرّت على عدم حرمان نفسها من المثابرة وتعلّم مهنة تحميها في المستقبل.
لم تتمكّن سامية من متابعة تعليمها مثل الأطفال الباقين نظراً إلى حالتها الصحية، فتوقّفت عند الصف الرابع أساسي. ولأنّها تعاني من الصمم، لم تستقبلها مدارس وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فالتحقت بمركز خاص للأشخاص ذوي الإعاقة تابع لجمعية رعاية اليتيم في صيدا.
تخبر سامية بحسب ما تنقله عنها مدرّستها أنّ "أبي كان شديد الاهتمام بي. لم يترك طبيباً إلا وجعله يعاينني. لكنّ حالتي كانت سيئة، فقصدت جمعية رعاية اليتيم حيث تعلمت الكتابة والتطريز على القماش وحياكة القش. وبرعت في ذلك".
تجدر الإشارة إلى أنّ أختها التي تصغرها بأعوام قليلة، تعاني من المشكلة ذاتها. تضيف: "من جهتي، أحببت أن أتعلم مهنة ما. فأنا بعد إنهاء تعليمي في الميتم، صرت أقضي معظم أوقاتي في المنزل وأشعر بفراغ كبير. وصرت أتشاجر مع إخوتي الصغار لأيّ سبب كان. لذلك لجأت إلى الخياطة لأستفيد من الوقت، وفي الوقت نفسه أتعلم مهنة تحميني في المستقبل وأستطيع من خلالها تأمين حياة كريمة".
وتتابع سامية أنّها تعمل حالياً في مشغل للخياطة في مخيم عين الحلوة، وهو "ملاصق لمنزلنا. ونظراً إلى سهولة الوصول إليه، أحببت أن أعمل فيه، وقد التحقت به منذ تأسيسه". وتشير إلى أنّ "صاحبة المشغل كانت تراني دائماً من دون عمل، فطلبت من زوجة أبي أن أحضر إلى المشغل لتعلم الخياطة". وتقول الشابة إنّ "المشغل يعمل على توفير فرص عمل للفتيات اللواتي يقطنّ في المخيم، الأمر الذي يسهّل عليهنّ توفير المال الذي يحتجنَ إليه. كذلك تعلّمهنّ صاحبة المشغل الخياطة، وتهتم باللواتي يعانينَ من إعاقات إذ إنّهنّ لا يستطعنَ الالتحاق بالمدرسة. في مدارس الأونروا، لا أماكن متوفّرة لاستقبال حالات مماثلة، في حين أنّ أهالي المخيّم لا يستطيعون تعليم بناتهنّ في المدارس الخاصة. لذلك تكون فرص اللواتي يعاني من إعاقات متدنّية في مجال التعليم الأكاديمي، وبالتالي تؤمّن مثل هذه الأشغال فرص عمل لهنّ".
في ذلك المشغل، تعمل الفتيات بالخياطة بكلّ أنواعها. وهو يوفّر الملابس الجاهزة لمحلات في خارج المخيّم وداخله وبأسعار أقلّ كلفة من غيرها. وما يساعد في جعل ذلك أمراً ممكناً، هو توفير بدل إيجار المحل وتكلفة الكهرباء والمياه والنقل. وتشير سامية إلى أنّ "المشغل فتح في البداية في مدينة صيدا، لكنّه وبسبب ارتفاع بدلات الإيجارات وتكلفة الكهرباء وغيرها من الخدمات، كانت أسعاره تأتي أغلى بكثير ممّا هي عليه اليوم وأرباحه أقلّ. أمّا بعد انتقاله إلى المخيّم، صارت أسعاره أقلّ ممّا كانت في السابق. وهو إلى جانب توفير البضائع لخارج المخيّم وبأسعار مناسبة، يستقبل الملابس التي تحتاج إلى تصليح بصورة يومية".
إلى ذلك، لا يقتصر عمل المشغل على تأمين الطلبيات إلى المحلات، بل يوفّر كذلك الأزياء المدرسية والملابس الخاصة بالمطاعم وغيرها، وكلّه بحسب طلب الزبون.
سامية اليوم سعيدة بعملها في المشغل، وهي لا تشعر بالوقت الذي تقضيه هناك. فهو ينقضي بسرعة إذ إنّها تحبّ ما تقوم به، فهو فتح أمامها مجالاً يقيها من الشعور بالملل وبهدر الوقت ويؤمّن لها مصدر رزق يضمن مستقبلها. وتلفت مدرّستها إلى أنّه "عندما تصير الساعة السابعة مساء وتدرك سامية أنّ الوقت انتهى تحزن. فهي شعرت بالاستقرار النفسي في هذا المكان، وبالمادي في وقت لاحق". تضيف أنّ الشابة ما زالت في طور التعليم، وعندما تنتهي سوف تعمل في المشغل كأيّ موظفة أخرى، ولها الأولوية في ذلك.