وكان رئيس الوزراء الأسبق، سيلفيو بيرلسكوني، قد تقدم بنفس المقترح في سنوات ماضية وتصدت له المحاكم الإيطالية.
مسعى وزير الداخلية المتشدد، سواء في قضايا الهجرة واللجوء أو في نظرته التي توصف بـ"الاستعلائية" تجاه باقي الإيطاليين في الجنوب، وخصوصا أنه برز في الأصل كسياسي في "رابطة الشمال"، التي كانت تسعى لأن تنفصل عن "إيطاليا المتخلفة"، قبل أن يتغير اسمها إلى الرابطة والعمل السياسي ليشمل كل إيطاليا، ليس بجديد، بل سبق أن طرح مشروعه "حل عشوائيات الغجر" في 2015.
سالفيني في مسعاه الحالي الهادف من خلال "إحصاء وتسجيل" الغجر إلى "فرز الغجر الإيطاليين عن غيرهم وترحيلهم" سعى في 2015 إلى تسويق فكرة أنه لو وصلت الرابطة إلى الحكم "فسنقوم بتفكيك كل المناطق العشوائية للغجر في إيطاليا. وأثارت تصريحاته تلك للقناة 5 (Canale 5) في حينها موجة من الانتقادات الصاخبة التي رد عليها سالفيني متعنتا "سوف أمنح الغجر ستة أشهر ليجدوا سكنا وبعدها سأحضر الجرافات لتجرف هذه العشوائيات التي لا مثيل لها في كل أوروبا".
تصريحات سالفيني منذ سنوات أثارت مخاوف الأحزاب والحركات السياسية، ومنظمات حقوقية محلية وعالمية، بسبب ارتباط تاريخ الحكم الفاشي بزعامة موسيليني حيث لوحق الغجر واليهود والأقليات، وعادت لترفع منسوب القلق بسبب ربطه الدائم بين نظرته لمشاكل إيطاليا و"الغرباء"، ومن بين هؤلاء المهاجرون، أو من أصول مهاجرة، والذين لا يعترف أساسا، لا هو ولا "رابطة الشمال"، سابقا، بهويتهم الإيطالية.
وبالرغم من التأكيدات الرسمية التي صدرت بعيد تصريحات ماتيو سالفيني قبل 3 سنوات بأن "نحو 160 ألف غجري ومرتحل في إيطاليا هم في أغلبيتهم إيطاليون"، يعود اليوم سالفيني بمنصب وزير داخلية ليثير الجدل بسبب ربطه بين "خوف المواطنين" وما يسميه "جرائم الغجر"، بحلول يراها معارضوها الإيطاليون "جد متطرفة وشعبوية وموغلة في عنصرية إثنية".
من جهته، انتقد رئيس الوزراء الأسبق، باولو جينتيلوني، مقترحات سالفيني وكتب على صفحته في تويتر: "بالأمس كانوا اللاجئين (في إشارة إلى تطرف الرابطة مع المهاجرين/اللاجئين) واليوم الروما (الغجر)، وغدا سيكون هناك مسدسات للجميع (كمقترحات يسعى لها الشعبويون في أوروبا لتسليح المدنيين بحجة حماية مجتمعاتهم من الغرباء)".
وتشير التقديرات الرسمية الإيطالية الأخيرة، إلى وجود حوالي 180 ألف إيطالي غجري، يعيش الآلاف منهم في "كرفانات" منعزلة حول العاصمة الإيطالية، بدون مياه صالحة للشرب أو خدمات رسمية، وهي التي يسميها سالفيني "مناطق غيتو يجب جرفها". ويعامل بعض الغجر، بحسب تقرير لمنظمة أمنستي في 2013 بكثير من التمييز "رغم أن بعضهم يعيش منذ أجيال في البلد". وكانت بلدية العاصمة، روما، قد واجهت اتهامات في 2015 بممارسة التمييز العرقي في مشاريعها لإزالة بعض مناطق سكن هؤلاء الغجر.
لدى الكثيرين في المجتمع الإيطالي ذاكرة سيئة مع الفاشية والبروباغندا التي كانت تحرض على المختلفين معها، واليوم يرى كثيرون بأن سالفيني، رغم معارضة جزء من ائتلافه الشعبوي في حركة 5 نجوم، "يتجه إلى نفس المستوى الذي عاشته إيطاليا في فترة الفاشية الموسلينية"، بحسب مواقف اليسار الإيطالي. وكان سالفيني قد أصر في مقابلة مع التلفزيون يوم أمس الثلاثاء، على أنه "يبدو مؤسفا أنه يجب الاحتفاظ بالغجر الإيطاليين لأننا لا نستطيع ترحيلهم (بسبب جنسيتهم)"، فيما يشير بشكل غير مباشر إلى رغبته بطرد غير الإيطاليين.
ويربط سالفيني بين "الجرائم وتعليم الأطفال على السرقة والتسول" وبين "أمن المجتمع يأتي بالدرجة الأولى"، لتسويق أفكاره، وهو ما ينطبق أيضا على قضايا المهاجرين في بلده. وهو الذي وعد ناخبيه، في انتخابات مارس/آذار الماضي، مع بقية اليمين المتطرف، بترحيل 600 ألف مهاجر غير شرعي في حال تشكيله الحكومة.
وبالرغم من اندفاع وزير الداخلية سالفيني على وقع ما يسميه "الانتصار الأول بتحقيق أولى أهدافنا"، في تعقيبه على إغلاق الموانئ الإيطالية بوجه سفينة إنقاذ اللاجئين كواريوس واضطرارها للرسو في إسبانيا، إلا أن خبراء في قضايا حقوق الإنسان بالقانون والدستور الإيطالي يرون بأنه "من الصعب أصلا إجراء عملية إحصاء أو تسجيل على أساس الأصل العرقي".
ومقابل هذه المصاعب التي تواجهها مقترحات سالفيني المتطرفة بالنسبة للغجر، لترجمتها عمليا، يسير بالمجتمع الإيطالي نحو المزيد من التشقق والاصطفاف الحاد، ويرى البعض أيضا أن سالفيني يسعى للظهور وكأنه "يقوم بتنفيذ وعوده الانتخابية".
ومن الجدير ذكره أن الكنائس الكاثوليكية، ومنظمات حقوقية وإغاثية تقف وبقوة في وجه التمييز ضد "الروما"/الغجر في المدن الإيطالية. ويتخذ اليسار ويسار الوسط في إيطاليا مواقف رافضة وصارمة من كل محاولة للتمييز، بناء على النصوص الدستورية، التي تساوي بين الناس في إيطاليا بغض النظر عن الأصل والدين واللون والعرق.