ساعة إيلي كوهين وعقد بكر بكر

16 يوليو 2018
+ الخط -

قبل الدخول بأجواء النكد، تعالوا أروي لكم هذه الدعابة.
بعد توريث بشار الأسد كرسي أبيه عام 2000، سرت نكتة في أوساط الصحافيين السوريين، فكلما رأى صحافيٌ آخر، يقول له، لقد تم عزل مخلوف مخلوف. ومخلوف مخلوف بقي مديرا عاما لمؤسسة الدواجن بسورية لنحو عقدين من الزمن، ورغم كل تجاوزاته وسرقاته، لكنه خلّد في منصبه. وحينما يسأل الصحافي زميله، من عينوا مكانه، يرد الأول، أخرس الأخرس.

قد لا تثير هذه النكتة ضحك أي قارئ من خارج سورية، لذا لا بد من شرح المفردات.
زوجة حافظ الأسد، الرئيس السابق، اسمها أنيسة مخلوف، وذاك المخلوف بطل الدواجن قريبها، ولا يجرؤ أحد على محاسبته أو عزله، ولكن عام 2000 وحينما ورث بشار ملك أبيه، وزوجته اسمها أسماء الأخرس، فكان من الممكن أن يأتي أخرس الأخرس مكان مخلوف مخلوف.

ما الذي ذكرني بهذي الدعابة، بعد سنوات من التهجير وتغيير بنية الدولة في عهد الأسد الابن؟! إنه عقد الاتصالات الذي جعل حكومة الأسد تتربع على قائمة الدول المكافحة للفساد، والذي "ملأ الدنيا وشغل الناس" هذه الفترة، فأن يكتشف نظام بشار الأسد تلاعباً بعقد، وبقيمة مليار ليرة، فهذا ما يمنح النظام وآله وصحبه أجمعين، وشاح أمية من الدرجة الممتازة.


ولكن ما هي حكاية هذا العقد وكيف ومتى تم اكتشافه، وما علاقة أشهر جاسوس إسرائيلي اخترق النظام السوري في خمسينيات القرن الماضي ووصل إلى مواقع قيادية، قبل أن يتم اكتشافه وإعدامه عام 1965.

أعتقد أن أكثر من رابط بين الأمرين، لكننا تسهيلاً، ولتخفيف الضغط عن القارئ الذي ملَّ القراءة وتصديق جلّ ما يكتب في هذا "الزمان الرخو" سنأتي على خيط واحد.. والمعذرة إن تفرعت الحبكة الدرامية.

أعلنت إسرائيل يا سادة يا كرام، وقبل أيام قليلة، أنها استعادت ساعة إيلي كوهين، بل واعتبرتها بحسب تصريح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "نجاحاً وعملية خاصة وشجاعة أدت إلى استرجاع أثر تاريخي لواحد ممن تعتبرهم إسرائيل، أبطالها الأسطوريين".

وضاعت الطاسة كما يقال في أمثال السوريين، ففي حين تذرعت إسرائيل بأنها استعادت الساعة عبر شرائها من مجهول من خلال التسوّق الإلكتروني، لم ينبس نظام الأسد ببنت شفة، بل صمت، علّ الموضوع يضيع بزحمة الأخبار و"الانتصارات" وعودة العلاقات مع المحتل الإسرائيلي.

وأما بكر بكر، وربما لسوء طالعه أن اسمه كما نسبه، أي من فصيلة أخرس الأخرس ومخلوف مخلوف، فهو مدير عام شركة الاتصالات السورية، ولهذه الشركة خصوصية لاعتبارات كثيرة، من أهمها، أن رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد، مستأثر بأهم استثماراتها، السلكية والخليوية، بل هو المستثمر الحصري لشركتي الاتصال الخليوي بسورية حتى تاريخه "قلنا حتى تاريخه، لأن الأسد أعطى لإيران عقداً لمشغل ثالث وقد يرى النور قريبا".

ويبدو أن هذا الـ"بكر" كبّر راس كما يقول السوريون، وتمرد على "الواقعية" التي كثر تردادها هذه الآونة، فرفض إعطاء عقود لآل مخلوف والأخرس، فجاء الرد على تهريب ساعة إيلي كوهين، ومن شركة الاتصالات بأوتستراد المزة وسط دمشق هذه المرة، كما كان يأتي الرد على القصف الإسرائيلي وبكل مرة، من إدلب ودرعا والغوطة، فيدفع الشعب المحاصر المسكين، من دمه وممتلكاته، ثمن الغارات وردة فعل النظام الممانع.

وما إن "تمت الغارة الاقتصادية" على آل النظام، حتى أعلن مصدر مسؤول بنظام الأسد -مسؤول من دون ذكر الاسم، لمزيد الأحاجي والغموض طبعاً- "نتيجة التدقيق في أحد إجراءات دراسات العروض لأحد المشاريع الضرورية للشركة السورية للاتصالات، صدر قرار الحجز الاحتياطي رقم /2053/ المتضمن إلقاء الحجز الاحتياطي على مدير الشركة وبعض العاملين بمستويات مختلفة".

نهاية القول: من قبيل "لزوم ما يلزم" نشير إلى أن النظام الأسدي استطاع أن يكشف فساد "بكر بكر" فقط بعد 15 سنة من تبوُّؤ الرجل منصبه، وهي الفترة المقاربة لفترة اكتشاف الجاسوس الإسرائيلي كوهين.

ونشير أخيراً، إلى أن ثمة مقولات كثيرة حول رفض بكر تعهيد عقود لبعض آل النظام، ما أوصله لموقع الاتهام، ولكن ربما ليست هنا القضية، بل نحسبها في تقديم "كبش فداء" لقضية ساعة كوهين التي بدأت الصحافة تزيد من أسئلتها حول كيفية وصولها لإسرائيل.. والتي ننصح السيد بكر مربع، باختصار الزمن والاعتراف أنه من باعها لإسرائيل.. كما كان ثوار إدلب والغوطة، وبعد كل غارة إسرائيلية، يعترفون أنهم من يقصف المطارات الأسدية ومواقع القوى الإيرانية بسورية.