سارة خورشيد: السيسي وعابدوه يُعيدون حقبة الدولة الأمنيّة

17 نوفمبر 2014
الصحافية المصرية سارة خورشيد
+ الخط -
بعد تعرُّضها لاعتقال مع الصحافي الفرنسي آلان غريش الأسبوع الماضي، كتبت الصحافية المصريّة سارة خورشيد مقالاً في صحيفة "نيويورك تايمز"، تحدّثت فيه عن الواقعة. واعتبرت خورشيد أنّ ما حصل هو "إعادة للدولة الأمنيّة البوليسيّة إلى مصر ما قبل الرئيس عبدالفتاح السيسي وعابديه". وقالت خورشيد إنّ "الوضع حالياً في مصر أسوأ من عهد مبارك"، معتبرةً أنّ "مصر تتقهقر إلى حقبة الستينيات".

وخورشيد هي كاتبة وصحافيّة مُتخصّصة في العلاقات المصريّة - الأميركيّة، وفي الشأن السياسي المصري والعربي. وتنشر مقالاتٍ في "الغارديان"، و"نيويورك تايمز"، وموقع "جدليّة"، و"الشروق" المصريّة، وموقع "مدى مصر"، وغيرها.

وقالت خورشيد في مقالها ما نصّه باللغة العربيّة: 

الأسبوع الماضي، ظهيرة ثلاثاء بدت هادئة، كنتُ شاهدة على ما يمكن أن تعنيه الحياة في ظل جو يتسم بالمغالاة في القومية، يعمد خلاله مواطنون عاديون، بتشجيع من الدول والإعلام الحليف، إلى الإبلاغ عن بني جلدتهم من المصريين.

كنتُ أجلس في مقهى بالقاهرة مع شقيقتي، ورئيس تحرير صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" السابق آلان غريش، لمناقشة الوضع في مصر، عندما قامت إحدى الزبائن بالنهوض، وصرخت فينا: "أنتم تدمرون الوطن"... حاولنا تجاهلها، لكنّنا لم ندرك أنها أبلغت ضباط شرطة في الخارج أن أجنبياً مع مصريتين يخططون ضد الوطن.

وبمجرّد أن أنهينا لقاءنا وغادرنا المقهى، الذي يقع بالقرب من السفارتين الأميركية والبريطانية، أوقفنا ضابط شرطة أخذ بطاقتَي الهوية الخاصة بنا، بالإضافة إلى جواز سفر آلان غريش، وبدأ استجوابنا، ووجّه سؤالاً للصحافي الفرنسي عن أسباب وجوده في مصر، وسألني عن كيفية وأسباب معرفتي به. وأخبرني أنهم وجدوا، من خلال التنصت علينا، أنني أكتب لصحيفة مصرية، واكتشف أيضاً أنني أحمل درجة بكالوريوس في العلوم السياسية، كما لو كان ذلك دليلاً على ضلوعي في أنشطة مُحرضة.

وبينما كنت رهن الاعتقال على مدى ساعتين، تذكّرت مقابلة مع صديق سوري في مقهى بدمشق عام 2008، حين بدأت التحدث بشكل معتاد عن السياسة، عندما أوقفني فجأة، هامساً لي أن النادلة يمكنها الإبلاغ عنا للشرطة السورية، وأدركت وقتها كم يبدو الوضع سيئاً في سورية، وكيف أنّ لدينا مقارنة معهم هامشاً من الانفتاح في عهد حسني مبارك.

أرى مصر الآن تتجه في المسار نفسه، لم أكن أتخيل منذ ثلاث سنوات، بعد الإطاحة بمبارك، أننا يمكن أن نصل إلى هذا الحد. كان ينبغي توقع الوصول إلى ذلك المردود، فالرئيس عبد الفتاح السيسي، قائد الدفاع السابق الذي أطاح بمحمد مرسي وسط احتجاجات شعبية ضد الإخوان المسلمين يحذر مراراً المواطنين ضد "مؤامرة" لإسقاط مصر، والعديد من صحافيي الجزيرة رهن الحبس منذ شهور، والإعلام المملوك من رجال أعمال موالين للسيسي يغرسون في المصريين خوفا من أي شخص يجرؤ على انتقاد الوضع الراهن، أو يتساءل عن الأداء الحكومي والأجهزة الأمنية، ويوجهون إلينا رسالة مفادها: "ادعموا الدولة، وامتنعوا عن انتقادها، أو ستسقط مصر في المصير ذاته الذي يواجه سورية وليبيا والعراق".

الوضع الحالي أسوأ ممّا كان عليه في عهد مبارك، حينما كان الإعلام الحكومي فحسب هو من يتبنى سياسة تحريرية موالية للحكومة، بينما كان الإعلام الخاص أكثر انفتاحاً على الآراء المتنوعة... لكنّ الصفوة الحاكمة تبدو حالياً أقل ثقة في قدرتها على تحمل النقد.

مساحة حرية التعبير تضيق، فبعد عزل محمد مرسي، أُغلقت القنوات التلفزيونيّة المؤيدة للإخوان، وحُظر الإسلاميون من الظهور في القنوات الحكومية والخاصة.

وعلى مدى شهور، بدأت الأصوات غير الإسلاميّة الليبراليّة في الاختفاء، وأصبح واضحاً أنّ الأصوات الناقدة بشتى أنواعها لم تعُد موضع ترحيب، مثل حالة باسم يوسف صاحب النسخة المصرية من برنامج "ذا ديلي شو" لجون ستيوارت.

وهناك مثال آخر أكثر حداثة، بعد أن قتل مسلحون 30 جندياً في شبه جزيرة سيناء، حيث أصدر رؤساء تحرير 17 مؤسسة إعلامية حكومية وخاصة بياناً مشتركاً تعهدوا فيه بمحاربة "تسلل عناصر مؤيدة للإرهاب إلى الصحافة"، واعتبار أي شخص يلقي ظلالاً من الشكّ على كفاءة الحكومة ووزارة الداخلية والقوات المسلحة داعما للإرهاب بشكل تلقائي.

هذه الرسالة يُصدّقها على نحو واسع العديد من المصريين، الذين دعموا بدافع اليأس نظاما قمعيا، آملين في تجنب مصير الدول المجاورة المضطربة. وهكذا تتقهقر مصر إلى حقبة الستينيات، حينما كان الأبناء يبلغون الشرطة عن آبائهم.

المرأة التي أبلغت عنا، بدت مثل أي سيدة مصرية عادية... إنها تنتمي إلى الطبقة فوق المتوسطة، وتبدو في العقد السادس من عمرها، وترتدي "حجاباً" مثلي ومثل شقيقتي.

لقد بدت غاضبة ومخلصة... ورأيتُ العديد من الأشخاص على شاكلتها خلال الأشهر الماضية... حتى في وسط دائرتي الخاصة. أشخاص عاديون يعتقدون أنهم يخدمون بلدهم عبر الشك في ولاء مواطنين آخرين.

لا يهم كيف يبدو هؤلاء الأشخاص أو الفئات الاجتماعية الاقتصادية التي ينتمون إليها، قد يكونون رجالا أو نساء، علمانيين أو مناهضين للعلمانية.

الانقسامات شديدة العمق، على نحو يجعل أصحاب الآراء المعارضة يجدون صعوبة أكثر في تحدي الرأي السائد.. ولمَ لا؟ وهم يجدون السياسيين ومقدمي البرامج الذين يثقون فيهم يحرضون ضد "الخونة"، الذين يخططون مع "جهات أجنبية"، ضد الدولة المصرية والجيش.

وبعد اتصال آلان غريش بالسفارة الأميركية ونقيب الصحافيين، تلقى أحد أفراد الأمن الذين يحققون معه اتصالاً هاتفياً... قبل أن يطمئنه الأخير أنه سيعيد جواز سفر غريش، ويسمح له بالمغادرة.

ولحسن الحظ، بالنسبة لي وشقيقتي، أصرّ غريش على البقاء حتى الإفراج عنا... وبعد فترة من المواجهة، أعاد إلينا الضباط بطاقتي الهوية، وتركونا نغادر.

ويمكن افتراض أن المتصل، مهما كانت هويته، خشي من فضيحة تنتشر في الإعلام الأجنبي، حول احتجاز صحافي فرنسي والتحقيق معه من دون سبب... ويحتمل أن هذا هو ذات السبب الذي حدا بوزارة الداخلية للاتصال بآلان غريش، طالبين منه مقابلة مسؤول حقوق الإنسان في الوزارة، والذي اعتذر له عما حدث.

وبعد كل ما حدث، ترغب حكومة السيسي، بدهاء، في جذب الصحافة الأجنبية نحوها، مع التشديد على التقارير في الداخل. السيسي وعابدوه لا يدركون إلا قليلاً أنّ قمع حرية التعبير لم يحمِ الدول الاستبدادية في الماضي، كما لن يجعل مصر الحالية أكثر أمناً.


وسائل الإعلام والمواقع المصريّة نقلت بدورها المقال، وأغلبها حملت عنوان "كاتبة مصريّة تُهاجم السيسي وعابديه في نيويورك تايمز". وذكّرت صحيفة "الوفد" على موقعها الإلكتروني بأنّ خورشيد قاطعت الانتخابات الرئاسيّة المصريّة الأخيرة، ونقلت عنها ما قالته حينها: "لا دستور تحت حكم العسكر، ولا انتخابات تحت حكم العسكر".

المساهمون