إن صح قول "أعطني مسرحاً أعطك شعباً" أو شعباً مثقفاً، فماذا يمكن لحرب تطحن كل السوريين وما لديهم، من ممتلكات وميزات وحتى أحلام، أن تعطي، بعد نيف وخمس سنوات من القتل والتهجير والتجهيل، وهو -الشعب- قلما تم وضعه على أيّ طاولة بحث حل، رغم الإجماع، أنه وحده حامل التنمية، أياً تعاظم دور ما عداه، من أموال وتكنولوجيا، وحتى وصاية وحلول منقوصة فرضها منطق الاستقواء ومصالح "الأعدقاء" .
لن نرمي، رغم الأهمية، إلى نصف سكان سورية المهجّر ولا إلى أكثر من مليون قتيل وربما مثلهم معاقون، ولا حتى إلى مستقبل سورية الذي يضيع على أرصفة التسوّل وابتعاد الأطفال عن مقاعد التعليم.
كما لن نذّكر بما لحق سورية من تدمير ودمار، فاقت أكلافه خسائر الحرب العالمية الثانية، أو ما تم رهنه لشركاء الحرب وبيعه لضمان استمرارها، نكرر، رغم الوجع والأهمية، بكل مفردة آنفة، يحتاج الخروج من مستنقع عقابيلها، ملايين وأجيالا.
بل سنمر وبعجالة، على أمر ممكن المعالجة، وربما لا أثر مباشر به، لكل من تآمر على ثورة السوريين، وإجهاض حلمهم بحياة كريمة تحقق الحرية والعدالة، بمنح الفرص وتوزيع الثروة، وإن تتوزع مسؤوليته هذه المرة، على ضفتي سورية، ولا يتحمل مسؤوليته المباشرة، نظام الأسد وحيداً.
انتشرت الشهادات الجامعية المزورة، ضمن تزوير الوثائق وجوازات السفر، بين صفوف السوريين، ومن هم على ضفة المعارضة تحديداً، للحد الكارثي الذي خلط الأمور وجعل من شهادات التحصيل العلمي، لدرجة الدكتوراه، سلعة متوفرة بالأسواق السورية والتركية، وبأسعار تناسب كل الساعين لأمجاد مزيفة، وبدأ إثر صعوبة التحقق من وثائق من هم ببلاد اللجوء، مزاحمة الكفاءات والإساءة للتعليم السوري، لدرجة يمكن فيها القول "الشهادة السيئة تطرد الجيدة من السوق".
قصارى القول: ضبط نظام بشار الأسد أمس، شبكة تزوير الوثائق الرسمية والشهادات الجامعية بمدينة حماة الخاضعة لسيطرته، والتي كانت ربما توزع "الكارثة" وتقود عمليات التزوير والتزييف، داخل سورية وخارجها.
والشبكة تضم موظفين بدوائر الأسد، وبحوزتهم أختاماً لجميع كتاب العدل بالمحافظات السورية وأختام الجامعات السورية وإيرادات الأمن والجوازات، بمعنى، كل ما تتطلبه الوثيقة لتبدو وكأنها حقيقية، بما في ذلك نقل للملكيات ومنح الأمي شهادة بالطب البشري وباختصاص جراحة الأعصاب مع سنوات خبرة، إن دفع لقاء ذلك، لأن لكل تخصص جامعي وسرقة منزل أو سيارة، سعرا خاصا.
نهاية القول: رغم المسؤولية الكبيرة التي يمكن تحميلها لنظام الأسد، لأنه دمّر البلاد وهيأ المناخ لكل فساد ومفسدين، وترك موظفيه يسعون للمال ولو عبر السرقة والتزوير، وربما يغطي تلك العصابة التي تعمل منذ سنوات، ويقاسمها غلال تدمير السوريين وأرباح التزوير.
بيد أن ثمة عصابات أخرى، وبالمناطق السورية المحررة، وسبق لـ"العربي الجديد" أن أفرد لها تحقيقاً، تتحمل هي الأخرى، مسؤولية السرقة والتزوير والتشكيك بشهادات السوريين وكفاءاتهم.
ربما للموضوع تبعات لن يلمسها السوريون اليوم، لكنها ستتجلى تباعاً ولاحقاً، إن ضياع واختلاط الملكيات، أو بطرد كفاءات التزوير وربما الكفاءات الحقيقية من عملهم، بعد أن اشتغلوا وفق وثائق مزورة، وبالتالي الإساءة لدرجة ومصداقية التعليم السوري، أو في الأجيال والمشروعات التي ستخرج وتتخرج من تحت أيدي أصحاب عقد النقص وربما الحقد، تجاه العلم والمتعلمين.