زي الشمس

29 مايو 2019
+ الخط -
تخلت المسلسلات العربية لموسم شهر رمضان الحالي عن عادتها في اختيار أسماء مرعبة ومخيفة ودموية لها، وهو شهر التصالح والتقارب كما يفترض. وقد هلّ علينا الموسم الرمضاني الجديد بأسماء مسلسلاتٍ توحي بأنك أمام جرعةٍ من الطاقة الإيجابية والتفاؤل، وبأن المسلسل يمكن أن يتابعه أفراد العائلة، لولا قصته الصادمة التي ترتطم بعينيك ومشاعرك منذ الحلقات الأولى منه.
"زي الشمس" مسلسل يعرض في رمضان. يوحي اسمه بأن الحقيقة ستكون ظاهرةً للعيان، ولكنك تجد نفسك في متاهةٍ من الأحداث، والجري خلف خيوط جريمة، وكذلك متاهة أخرى من المشاعر التي لا تتوقع أن تتعثر بها في مجتمعاتنا العربية كثيرا. ولا يُلام صناع هذا المسلسل بالتحديد، لأن قصته مأخوذة عن مسلسل إيطالي شهير اسمه "الأخت"، ولكنّ الأختين في النسخة العربية تنشران مشاعر الحقد والكراهية والغيرة بينهما، إلى درجة أنك تحاول أن تهرب بعيون ابنتيك من أمام الشاشة، وأنت قد أفنيت عمرا لتبني جسور المحبة والتضحية بينهما، ولكنهما تواجهان أشرس علاقةٍ بين شقيقتين وأقبحها، مع انحياز الأم لإحداهما على حساب الأخرى بالطبع.
ما الذي يقدّمه مسلسل "زي الشمس" للجمهور العربي، وكيف استطاع أن يحقق أعلى نسبة مشاهدة بين مسلسلات رمضان؟ لماذا هذا الشغف على متابعة أحداثه لاكتشاف قاتل الأخت المستهترة بكل القيم، واكتشاف علاقاتٍ محرّمة وغير سوية بين الأبطال والبطلات؟ ما الذي تريد أن توجهنا إليه البطلة نور (دينا الشربيني)، وهي تستعطف رجلا اكتشفت خيانته مع أقرب إنسانة لها، لكي يستمر على علاقته بها، وبالتالي فهو لا يبادلها أي مشاعر؟ هل تريد أن تقول لنا، يا نساء العالم، ابقين بلا كرامة، لتحتفظن بحبيب؟ أم أنها تعتمد على ثغرة التسامح التي تكبر مع تقدّم عمر المرأة، لأنها تعيش في مجتمعٍ اعتاد أن يخذلها؟ أم أنها تريد أن تؤكّد المثل الشعبي أن "القط لا يحب إلا خانقه"؟
تكتشف، في "زي الشمس"، وبمرور ذكرى وفاة أحد أهم كتاب القصة والسيناريو والحوار المصريين، أسامة أنور عكاشة، أن ساحة هذا الفن أصبحت فارغة، وأصبح السطو على قصص غربية، وتحويلها إلى مسلسلاتٍ هو الظاهرة التي تزداد موسما بعد موسم. ولذلك، التخلص من الكم الكبير من التباين بين مجتمعين، عربي وغربي، يصبح صعبا، والتوجه إلى قصص شائكة نفسيا تنتجها مجتمعات مفككة أسريا، ولم تتربَّ على قيم الأسرة والحارة الشعبية على سبيل المثال، فكيف يمكن أن نعقد مقارنةً مثلا بين مسلسل "زي الشمس" والأم المتعددة الزيجات التي تشبهها ابنتها باستهتارها بميثاق الأسرة، وبين أسرة مسلسل "المشربية" أو "الشهد والدموع"؟
نجا هذا المسلسل من اختيار عنوان قاتم وصادم، ولكن داخله كان محشوا بدماء قتيلة، وأسرار يندى لها الجبين، ولا يليق بها أن تنبش في ساعات ما بعد إفطار الصائمين في شهرٍ له رحمته، ونورانيته، ولكننا مصدومون إلى درجة أن نسأل على مواقع التواصل الاجتماعي "من قتل فريدة؟". وفريدة التي تجسد شخصيتها الممثلة ريهام عبد الغفور فنانة بوهيمية متقلبة، تضرب بعرض الحائط علاقتها بأختها، وتحمل من خطيب أختها، ما يضطر الأخت (دينا الشربيني) للهروب من مصر، ثم تعود بعد علمها بخبر اختفاء أختها. وتمضي أحداث المسلسل، بحثا عن قاتل الأخت، ولا تخفي سعادتها بأنّ جسورا قد عادت لتبنى بينها وبين الزوج الخائن الذي تشير إليه أصابع الاتهام بقتل الفنانة التي تكشف كل حلقةٍ عن سر جديد في حياتها، لا يمكن أن يصدقه المشاهد العربي، ولكن كاتبة السيناريو التي لم تنته من وضع نهاية المسلسل، لتثبت أنها قامت بتمصير المسلسل الإيطالي، تنجح في حصد ملايين المشاهدات، وهي تخترع أقذر الأسرار لقتيلةٍ، امرأة متحرّرة، لديها وجه بريء وابتسامة ماكرة مغوية، تحولهما إلى لغة إغواء قذرة، مصوّبة نحو خطيب أختها الذي سيجد سببا لقتلها، إن كان هو القاتل، وإن لم يكن، فيكفي أنه عاد لينسج شباكه حول أختها بعد مقتلها.
دلالات
سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.