لا يرغب الطفل الفلسطيني زين العابدين أشرف إدريس (9 أعوام)، وهو من البلدة القديمة في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، في الذهاب إلى مدرسته، خشية أن يعتقله جنود الاحتلال الإسرائيلي مجددا من داخل بيته الثاني الذي لم يعد آمناً. وزين العابدين لن ينسى ما حصل معه يوم 18 مارس/آذار الجاري، حين اقتحم جنود الاحتلال حرم المدرسة واعتقلوه لعدة ساعات وحاولوا أن يعتقلوا شقيقه الصغير تيم (7 أعوام).
لا تزال لحظات الرعب التي عاشها زين العابدين حاضرة في مخيتله، ويصفها قائلاً: "دخلوا المدرسة ضربوني عند جدار المدرسة وضربوني بوكس على عيني، وشدّوني وسحبوني، أخذوني على الجيب، وأخذوني بعدين على الحاجز، خوفوني، مسكوا المسدس وضربوني به، والبارودة الجندي حطها على نص راسي"، يسرد زين العابدين، في حديث لـ"العربي الجديد"، ما جرى معه.
وتابع: "كنت لحالي، بس كنت خايف على أخوي تيم، كنت مفكرهم اعتقلوه وضربوه كنت أعيط (أبكي) عليه، أجت امي تاخذني ما قبلوش، أنا خايف أروح على المدرسة، أنا خايف يردوا يعتقلوني".
زين العابدين وشقيقه تيم ما زالا يشاهدان كوابيس في المنام، يستيقظان في الليل مفزوعَين، وهما لا يريدان الذهاب إلى المدرسة، كما تقول والدتهما ابتسام إدريس، في حديثها مع "العربي الجديد". وتصف اللحظات الأولى بعد الإفراج عن طفلها زين العابدين، بقولها: "كان يرتجف وشفتاه زرقاوين من الخوف، حين علمت بنبأ اعتقاله ذهبت مفزوعة إلى حاجز جيش الاحتلال في البلدة القديمة والمسمى حاجز جابر، هناك رفضوا أن يفرجوا عنه بداية، وحينما تم التواصل معهم من قبل الارتباط الفلسطيني أطلقوا سراحه".
قبيل انتهاء دوام المدرسة يوم 18 الجاري في مدرسة الحاج زياد جبر، في البلدة القديمة من الخليل، فوجئت الهيئة التدريسية باقتحام جنود الاحتلال لحرمها، وحاولوا اعتقال زين العابدين وشقيقه تيم، وبعد مشادات طويلة استمرت نحو ساعة اعتدى فيها جنود الاحتلال على الهيئة التدريسية، تمكن المعلمون من إفلات تيم من قبضتهم، لكنهم رغم ذلك اعتقلوه. الطفل الذي اقتاده جنود مدججون بالسلاح إلى حاجز جابر العسكري في البلدة القديمة من الخليل، وأرهبوه بتهمة رشق جنود الاحتلال بالحجارة، وهو ما ينفيه والده إطلاقا، في حديث لـ"العربي الجديد".
ويتساءل الأب: "كيف لأطفال صغار أن يدركوا معنى رشق الحجارة باتجاه جنود الاحتلال؟ لقد سببوا الرعب للأطفال الذين ما زالوا مصدومين لغاية الآن، ضربوا زين العابدين وأحدثوا له رضوضا وكدمات، صحيح أن البلدة القديمة مستهدفة دائما ومنطقة يوجد فيها احتكاك يومي مع جنود الاحتلال والمستوطنين، لكنني لم أكن أتوقع أن يتم اعتقال أطفالي! لقد سببوا لهم صدمة من المدرسة والذهاب إليها، خشية أن يتعرضوا للاعتقال مرة أخرى أو أن يعترضهم جنود الاحتلال!".
مدير مكتب وزارة التربية والتعليم الفلسطينية في الخليل، عاطف الجمل، يوضح ما جرى، خلال حديث مع "العربي الجديد": "قبل انتهاء الدوام يوم الإثنين الماضي بنصف ساعة، فوجئت الهيئة التدريسية باقتحام قوة من جيش الاحتلال مدرسة زياد جابر، وحاولوا اعتقال زين وشقيقه تيم، لكن أعضاء الهيئة التدريسية تصدّوا لذلك، وحدثت مشادات وتدافعات، واعتدى جنود الاحتلال بالضرب على المعلمين، وتمكن المعلمون من إفلات تيم من قبضة الجنود، ولكن الجنود أصروا على اعتقال زين العابدين، والذي جرى اعتقاله لعدة ساعات، بحجج كثيرة، منها رشق جنود الاحتلال والمستوطنين بالحجارة، وكل هذه الادعاءات بلا دليل".
وفي البلدة القديمة من الخليل، يوجد 25 مدرسة لخدمة السكان هناك، إذ يؤكد الجمل أن الوزارة سعت إلى الحفاظ على المدارس في البلدة القديمة من الخليل لتخفيف الخطورة عن الطلاب وتقصير المسافات التي قد تؤثر على نفسية الطلبة نتيجة الإجراءات الإسرائيلية والاستهداف للسكان، ومن أجل الحفاظ على ثبات السكان في المنطقة، إذ يحاول الاحتلال دفع الناس على ترك المنطقة المستهدفة بالاستيطان عبر إجراءاته واعتداءاته ومضايقاته للسكان.
ومنذ بداية العام الدراسي الحالي ولغاية الآن، تتعرض مدارس البلدة القديمة في الخليل لاقتحامات تصل إلى ثماني مرات في الشهر، علاوة على الاعتداءات على بعض المدارس بإطلاق قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع عليها، بشكل شبه يومي، بحجة رشق جنود الاحتلال والمستوطنين بالحجارة، ما يوقع عشرات الإصابات بحالات اختناق بالغاز بين الطلبة والهيئة التدريسية والأهالي في المنطقة.
كما تم اعتقال عشرات الطلبة والطالبات منذ بداية العام الدراسي، ووصل عدد المعتقلين إلى نحو 30 من تلاميذ المدارس والذين أفرج عنهم لاحقاً، وبعضهم يتم اعتقاله على الحواجز المنتشرة في البلدة القديمة من الخليل، وبعضهم الآخر يعتقلون من منزلهم، أو أثناء ذهابهم إلى المدرسة أو خروجهم منها.
ويستهدف الاحتلال الإسرائيلي البلدة القديمة من الخليل بالاستيطان والتضييق على أهلها، وهو ما بدا واضحا في حجم الاعتداءات على الأهالي، وفي أعداد نقاط التفتيش والحواجز والإغلاقات في الطرق المؤدية إلى البلدة وفي داخلها.
ويوضح الناشط في "تجمّع المدافعين عن حقوق الإنسان"، عارف جابر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التجمع يرصد اعتداءات شهرية لجنود الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين ما بين 100 و120 اعتداء، وتتنوع تلك الاعتداءات على كافة شرائح الفلسطينيين من أطفال ونساء وطلبة مدارس، منها الاعتقال أو إلقاء قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع أو إطلاق الرصاص الذي تنتج عنه إصابات أو استشهاد للمواطنين.
في البلدة القديمة من الخليل التي تمتد لمساحة تصل إلى نحو ثلاثة كيلومترات، بدا واضحا حجم الاستهداف الاستيطاني للمنطقة، إذ يقيم الاحتلال عليها ست بؤر استيطانية ومستوطنة "كريات أربع". أما الحواجز ونقاط التفتيش والشوارع المغلقة في بلدة الخليل القديمة، فإن الاحتلال لم يترك شارعا في البلدة القديمة من دون إجراءات أمنية، إذ يوجد في البلدة القديمة 101 حاجز وإغلاق، وهو ما يزيد من معاناة الأهالي، بشكل يومي.