تفتخر عائلة رباح من قرية "عرّابة البطوف" في الجليل برعايتها أكبر شجرة زيتون في المنطقة العربية. يبلغ عمرها 3700 عام وفق اختصاصيين من منظمة "يونيسكو"، وأصبحت باحتهم مزاراً لكل مهتم وسائح وللمختصين الزراعيين الذين يقومون بتقليم الشجرة والحفاظ عليها من أي مرض.
وهُجّرت عائلة رباح عام النكبة من قرية حطين التي تقع على بعد تسعة كيلومترات غرب مدينة طبريا، ولجأت إلى قرية عرّابة البطوف، وقد كانوا يملكون 500 دونم من الأراضي، منها أشجار زيتون كثيرة.
عام 1963، اشترى محمود رباح ووالده دونم أرض من عائلة السعدي. ومع مرور الوقت، اشترى باقي الأرض حتى وصلت إلى ستة دونمات. ويقول محمود رباح، من مواليد 1936، وهو معلم متقاعد، "جئنا إلى عرابة عام 1948 وسكنّا في بيت بالإيجار وبقينا على هذه الحال حتى سنة 1963، واشترينا أول دونم أرض، أنا ووالدي وبنينا عليه بيتاً، من وقتها عدنا لنأكل الزيت والزيتون من الأرض ولم نعد نشتريه من الأسواق".
أما جهاد رباح مواليد 1938 وهو أستاذ متقاعد، يقول، "جئنا من حطين بملابسنا، استقبلنا أهالي عرّابة واقتسموا معنا البيوت ولقمة العيش". ويضيف "بدأت التدريس عام 1960 في عرابة. واستطعنا تجميع بعض المال لشراء الأرض التي عمّرنا بيوتا عليها".
وأشار جهاد إلى إحدى أشجار الزيتون، "من هذه الشجرة كنا نتزود بالزيتون والزيت كل سنة. إنها شجرة معمرة، أفكر دائماً كم من الناس ومن الشعوب أكلت من خير وثمار هذه الشجرة التي يقدر عمرها بـ 3700 عام". وأوضح أنه قبل خمس سنوات أخذ "صندوق إسرائيل" ومعهد "فولكاني" للزراعة، عينات من الشجرة وقدرا عمرها بما يتجاوز 37 قرناً، وهو ما أكده متخصصون أيضا تابعون لمنظمة يونيسكو.
وذُكرت هذه الشجرة في كتاب "101 شجرة" باللغة العبرية، والذي يتناول موضوع أعمار الأشجار القديمة في فلسطين، وقدرت فيه أن محيط الشجرة يبلغ سبعة أمتار وعشرين سنتيمتراً.
وتحولت زيتونة عائلة رباح إلى مزار سياحي لسكان فلسطين المحتلة، وعن ذلك يقول جهاد رباح "كنت جالسا في ساحة البيت، ورأيت شخصاً سائحاً دلف إلى الدار من الباب الخارجي، فسألته من أين أنت؟ فأجاب من فيينا، قرأت عن الشجرة وجئت لأزورها وأراها بنفسي".
وعن تأثر الشجرة بالعوامل الجوية، يقول محمود رباح "قبل سنتين يبست الفروع، فتوجهنا لمزارع متخصص، وأعطاني دواء لمعالجتها". وأضاف "نحن ننتظر أن يهطل المطر، ومن ثم سنقطف الزيتون عنها. الأرض في عرّابة أبرد من الأرض في حطين، وذلك لارتفاعها، وهو ما يجعل موسم القطاف متأخراً، إذ يبدأ في نوفمبر/ تشرين الثاني، أما إذا كان موسم هطول الأمطار أبكر فنقوم بقطافها بعد أول سقية ماء".
ويلفت محمود إلى أنه في حطين المهجّرة كنا نملك أراضي كثيرة، وما زلنا نملك الكواشين (طابو الملكية)، وبها أشجار زيتون، وتعتبر اليوم أملاك غائبين، فتقوم إسرائيل بتضمينها لأشخاص ولكن شرطهم ألا يكون الشخص من حطين".
والزائرون دائما يستغربون من أن عمر الزيتونة 3700 سنة. فشجر الزيتون يكبر ببطء، وليس كباقي الأشجار.
ويسرد محمود أن هناك مختصاً من سويسرا أيد ووافق على عمر الشجرة، فجميع الخبراء يعرفون أن هذه الشجرة أكبر زيتونة في البلاد. وغالبية شجر الزيتون في بلدة عرابة هو من صنف "صوري"، وهذا الزيتون أفضل وزيته يحافظ على جودته مدة طويلة في وسائل الحفظ البدائية، حتى لو بقي فيها أربع سنوات. فاسمه صوري نسبة لمدينة صور اللبنانية من أيام الفينيقيين. وكل الزيتون في عرابة هو صوري. وكل من زرع صنفاً من شجر الزيتون النبالي قام بتطعيمها بالصوري".
ويقاطع جهاد الحديث بالتأكيد على أهمية الشجرة كتاريخ، وليس لجني ثمارها وعصرها فحسب، وتابع "والدي رحمه الله بعد أن خسرنا الأرض في حطين"، قال: "نحن خسرنا الأرض مع النكبة، فلم يبق لنا غير العلم، وجميعنا تعلمنا، وهذا كان نادراً في تلك الأيام، وجميع أبنائنا من خريجي الجامعات".