زيارة هولاند إلى لبنان: دعم معنوي يبرّر كسر البروتوكول

18 ابريل 2016
زيارة هولاند إلى لبنان امتدت ليومين (حسين بيضون)
+ الخط -
يختزل العشاء الذي أقامه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في قصر الصنوبر (مقرّ إقامة السفير الفرنسي في لبنان)، زيارة العمل الرئاسيّة للبنان. كان يُفترض أن يُقيم الرئيس اللبناني العشاء، لكن لا رئيس في بعبدا. ما العمل إذاً؟ يدعو الرئيس الفرنسي لعشاء تحضره "الجمهورية". فقد شارك رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، ورئيس الوزراء تمام سلام، ورئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، ومعظم المشاركين في طاولة الحوار بمن فيهم رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، والنائب وليد جنبلاط، ورئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميّل، والنائب ميشال عون، إضافة إلى عدد من النواب والوزراء وقادة الأجهزة الأمنية. لكن الإضافة تمثلت في دعوة عدد من الناشطين في المجتمع المدني، والصناعيين والاقتصاديين و"المثقفين" إلى العشاء، "وهو من إيجابيات وجود ضيف أجنبي بهذا المستوى، في ظلّ غياب رئيس الجمهوريّة، إذ يفتح مجالاً للتواصل ما بين المجتمع المدني والمسؤولين اللبنانيين"، كما يقول الأمين العام للمركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع الأسمر لـ"العربي الجديد"، وهو أحد المدعوين للعشاء الذي أقيم ليل السبت ــ الأحد. لم يقل هولاند خلال هذا العشاء أكثر من التصريحات العلنية بعد لقائه برئيسي الحكومة ومجلس النواب، على اعتبار أنّ هذا النوع من الاجتماعات هو أصلاً للعلاقات العامة.



وبعدما أنهى هولاند يومه الأول في لبنان بمأدبة عشاء جمع فيه أطياف المجتمع اللبناني، وعلى ما يبدو هم بحاجة لمن يجمعهم، إضافةً إلى عقده لقاءات ثنائية مع عدد من السياسيين اللبنانيين، بدأ يومه الثاني، أمس الأحد بلقاء مع البطريرك الماروني بشارة الراعي ثم اجتمع بعدد من المسؤولين الدينيين المسلمين والمسيحيين، وكأن هولاند مصرّ على المحافظة على البروتوكول اللبناني أكثر من البرتوكول الفرنسي الذي تجاوزه بزيارة دولة لا رئيس جمهورية فيها. وقبل مغادرته أمس، زار هولاند مخيماً للاجئين السوريين في لبنان على غرار ما يفعل جميع المسؤولين الغربيين الرفيعين الذين يزورون لبنان. علماً أن هناك عدداً كبيراً من المسؤولين اللبنانيين الذين لم تطأ أقدامهم مخيماً للاجئين.
يبرر النائب انطوان زهرا، الذي شارك في لقاء هولاند في مجلس النواب وفي العشاء الليلي، زيارة هولاند بأنه "لم يجد مناسباً أن يزور الشرق الأوسط من دون زيارة لبنان، الذي يُعتبر بوابة فرنسا للمنطقة". يجد زهرا صعوبة في شرح سبب الزيارة الفرنسية، عدا كونها دعماً معنوياً للبنان.
اختار زهرا عبارات من نوع "أمّنا الحنون"، في اتصال مع "العربي الجديد" لتبرير الزيارة التي لم تحمل أي إضافة. فبحسب زهرا لا يحمل هولاند أي مبادرة على صعيد انتخابات الرئاسة الأولى.


أما النائب أحمد فتفت فيختصر الأمر في اتصال مع "العربي الجديد" بجملة مشابهة "أراد أن يقول للبنانيين إنه لا يزال لهم مكان في السياسة الخارجية الفرنسية، وأنه لا يزور الشرق الأوسط من دون المرور بلبنان". بدوره، يشير وزير الشؤون الاجتماعية، رشيد درباس، في حديث لـ"العربي الجديد" إلى الأمر نفسه، إذ اعتبر أن هولاند لم يترك البروتوكول يمنعه من زيارة لبنان، وتصرف كصديق والتقى كل العائلات اللبنانية والمسؤولين والمرشحين للرئاسة.
في لقائه مع بري، طلب هولاند من مجلس النواب إقرار اتفاقية تعاون وتدريب وتسليح بين الجيش الفرنسي واللبناني. بعبارة أخرى، طلب هولاند من النواب اللبنانيين الموافقة على اتفاقية الدعم الفرنسي للجيش اللبناني، وخصوصاً أن النواب اللبنانيين مشغولون بقضايا "أكثر أهميّة" من نوع عدم المشاركة في جلسات انتخاب رئيس للجمهورية. كما أن هذه الاتفاقية تهدف لحماية الخبراء الفرنسيين الموجودين في لبنان.

في المقابل، طالب بري بدعم فرنسي لترسيم الحدود البحرية للبنان، وأكّد أن القضية الأساس في المنطقة العربية هي القضية الفلسطينية، وأن لا أمل بالسلام من دون حلّها. وينقل زهرا موافقة هولاند على كلام بري في ما يتعلق بفلسطين والسلام.
من جهة ثانية، يُجمع من تواصلت معهم "العربي الجديد" على أن هولاند كرّر التأكيد في لقاءاته على أن لا أحد يُريد توطين اللاجئين السوريين في لبنان، وأن هذا الأمر ليس مطروحاً على طاولة البحث، مشدداً على ضرورة عودتهم إلى سورية بعد حلول الأمن والسلام. وفي السياق، يلفت درباس إلى أنه لم يتضح بعد في أي مجال ستصرف المساعدة الإضافية للبنان التي قدّمها هولاند والتي تبلغ قيمتها مئة مليون يورو (نحو 112 مليون دولار)، على الرغم من أنه رجح أن تكون الحصة الكبرى منها للجيش اللبناني. ويلفت درباس رداً على سؤال حول سبب تركيز المجتمع الدولي على الاستقرار الأمني واللاجئين في لبنان، إلى أنه يوجد تخوّف من أن انهيار الدولة اللبنانيّة قد يُعرض القاطنين فيها، لاجئين أو مواطنين لبنانيين، للاضطهاد والتشريد، كما أن هذا الانهيار سيؤدي إلى "سيولة إرهابية" باتجاه مختلف مناطق العالم، على حد وصفه. ومن هنا، يعتبر درباس أن ثمة اهتماماً بالاستقرار الأمني "والصمود الاقتصادي ــ الاجتماعي". وينقل أن الجميع يدعو لتفعيل الحياة السياسية، ويُحذّر من مخاطر تأثير الأزمة السياسية على مقومات الدولة.
وعلمت "العربي الجديد" أن الرئيس السابق ميشال سليمان، طلب من هولاند خلال لقائهما العمل على ترسيم الحدود الشرقية للبنان ونشر مراقبين دوليين عليها. وأفاد أحد المقربين من سليمان أن هولاند بدا مؤيداً لهذه الفكرة. كما طرح سليمان مخاطر تقسيم سورية على لبنان، إذا ما كان التقسيم خياراً. كما طلب سليمان من هولاند عدم تجميد العمل على تصنيع الأسلحة التي كانت مدرجة ضمن الهبة السعودية للبنان، وخصوصاً أن الاعتمادات متوفرة، "لأنه عندما تُحلّ المشكلة السياسية بين لبنان والسعودية سيُعاد تفعيل الهبة سيكون الجيش بحاجة ماسة لهذه الأسلحة، وأن تكون مصنّعة وموجودة في المستودعات الفرنسية أو السعودية، أفضل من انتظار إعادة تصنيعها". يُذكر أن السعودية أوقفت هبة بقيمة ثلاثة مليارات من الدولارات، كان يفترض أن تموّل شراء أسلحة فرنسية تُصنع خصيصاً للبنان. في حين وعد هولاند فتفت، بإعادة النظر في طلب وزارة الخارجية الفرنسية من مواطنيها عدم زيارة طرابلس وشمال لبنان.

المساهمون