زيارة ليفي... كيف تتمكن "الوفاق" الليبية من فكفكة المجموعات المسلحة؟

26 يوليو 2020
انتشار جماعات مسلحة غربي البلاد (محمود تركيا/Getty)
+ الخط -

لا تزال حكومة الوفاق الليبية تواجه تحديات جمّة في فرض وجودها في مناطق غرب البلاد، بعد تحرير بعضها من قبضة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ما اعتبره مراقبون ضعفاً في أدائها وسيطرتها قد يهدد وضعها السياسي كطرف فاعل في حال عودة الملف الليبي إلى طاولة المفاوضات.
ودار جدل واسع خلال الساعات الماضية بشأن كيفية دخول الصحافي الفرنسي برنارد هنري ليفي، الذي ساهم بشكل كبير في القرار الفرنسي بالتدخل في ليبيا ضد معمر القذافي في 2011 والمعروف بقربه من إسرائيل، أمس السبت، إلى ليبيا، ما دفع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق إلى نفي علاقته بدخول الصحافي الفرنسي، مؤكّداً أنه "لم يتم التنسيق معه بشأنها". كما أعلن المجلس "التحقيق في خلفيات هذه الزيارة لمعرفة كافة الحقائق والتفاصيل المحيطة بها".

وأثار تداول صفحات التواصل الاجتماعي لما يقال إنه جدول برنامج زيارة ليفي لمدن في غرب البلاد جدلاً، حيث طالب حراك شعبي باسم "حراك الشعب" بمدينة مصراتة الحكومة بتوضيح موقفها من دخول شخصية مثيرة للجدل وعلى علاقة بإسرائيل، ما دفع المجالس البلدية بمصراتة وطرابلس والخمس لنفي علمها بمجيء هذه الشخصية، فيما أعلنت "القوة المشتركة" التابعة لوزارة الداخلية عن إرسال فرق لها لإغلاق منافذ مدينة ترهونة لمنع ليفي من زيارة المدينة ضمن برنامجه المتعلق بتغطية حدث العثور على مقابر جماعية.


وعلى الرغم من مرور ساعات على الجدل، إلا أنه حتى صباح اليوم الأحد، لم يعلن عن أي إجراء بشأن زيارة الصحافي الفرنسي، وهو مظهر يشير إلى ضعف سيطرة الحكومة على مؤسسات الدولة وفروعها، بحسب الناشط السياسي الليبي عقيلة الأطرش.
ويلفت الأطرش، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "وبعض النظر عن الجدل الذي آثاره دخول هذه الشخصية من عدمه، وكونه دخل كصحافي لتغطية حدث المقابر الجماعية في ترهونة، إلا أن الجانب الآخر في القضية هو كيف دخل من دون علم كل هذه الجهات التي أكدت عدم علمها بوجوده في ليبيا إلا عندما تفاجأت بوجوده أمام أبوابها".

زيارة ليفي إلى ليبيا
وزار ليفي ليبيا مرات عدّة، أولها عام 2006، لإلقاء محاضرات في مدرجات الفكر الأخضر التابعة للقذافي، بصفته مفكرا وفيلسوفا، لكن أبرز زياراته كانت لتغطية أحداث الثورة التي أنهت حكم نظام القذافي عام 2011، قبل أن يثور جدل ليبي واسع في الأعوام اللاحقة عن علاقته بإسرائيل ودعمها.
لكن الحدث، بحسب الأطرش، يؤكد على أهمية تصريحات وزير الداخلية بحكومة الوفاق، فتحي علي باشاغا، بشأن نفوذ مجموعات مسلّحة في غرب البلاد في مؤسسات الدولة، وقد تكون إحداها لا تزال ترى في ليفي داعماً للربيع العربي، فسهلت دخوله من دون أي إجراءات رسمية، مضيفاً أنه "في كل الأحوال، الحدث يؤكد ضعف سيطرة الحكومة وأدائها".
وهو جانب دفع الباحث الليبي في الشؤون السياسية، بلقاسم كشادة، للإشارة إلى ضعف آخر لدى الحكومة يتمثل في عدم قدرتها على تنفيذ برامج تفكيك المجموعات المسلّحة ودمجها في مؤسسات الدولة العسكرية والشرطية، بهدف السيطرة عليها وإبعاد تأثيرها عن مؤسسات الدولة.

موقف
التحديثات الحية

سلطة المجموعات المسلحة
وتنتشر عشرات المجموعات المسلحة، التي تعمل تحت مسميات عديدة، تتبع لوزارتي الداخلية والدفاع بالحكومة، لكن كشادة يوضح، لـ"العربي الجديد"، أنها كانت مجموعات متصارعة ما قبل هجوم حفتر على العاصمة طرابلس في إبريل/نيسان من العام الماضي، ولكن انضباطاً في غالبيتها لوحظ فيما بعد.
ويشير كشادة إلى أن بعض تلك المجموعات المسلّحة متهمة في التورط في الاتجار في البشر وأعمال أخرى غير قانونية، ما يحتم على الحكومة سرعة تنفيذ برامجها بشأن تفكيكها وإنهاء نفوذها وتأثيرها، مؤكّداً أنه تحدٍ كبير يواجه الحكومة أمام الرأي العام المحلي والدولي، كونها طرفا رئيسا في حالة النزاع في البلاد.
ورغم تأكيد أيمن مختار، مواطن من طرابلس، أن الأوضاع هناك اختلفت نسبياً بعد غياب أصوات الرصاص والقذائف العشوائية، إلا أنه يشير إلى شعور سائد بين أوساط المواطنين بأن المجموعات المسلحة لا تزال تؤثر في حياة الناس واستمرار أزماتهم.
ونظّم حراك شعبي 11 تظاهرة أمام مقر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بطرابلس، منذ نهاية مايو/أيار الماضي وحتى منتصف الشهر الجاري، طالب فيها بتغيير مجلس إدارة الشركة العامة للكهرباء، على خلفية فشلها في حلحلة مشكلة غياب الكهرباء لساعات تصل إلى 18 ساعة يومياً، وأحياناً تعيش مدن غرب البلاد في حالة ظلام تامة ليومين أو أكثر. ولم تخف هتافات المتظاهرين دور مجموعة مسلحة داخل الشركة ومسؤوليها في التأثير على مسار عملها وتوجيهها لمصالح خاصة.
وكانت شركة الكهرباء قد أشارت، في عدد من بياناتها، إلى وقوف مجموعات مسلحة وراء إفشال برنامج طرح الأحمال لاستمرار استقرار شبكة الكهرباء في البلاد، مؤكدة أن تلك المجموعات المسلحة ترجع التيار الكهربائي بالقوة وتقوم بإغلاق محطات توليد أخرى بقوة السلاح أيضاً.
وفي العاشر من الشهر الجاري، دارت اشتباكات عنيفة لساعات بين مجموعتين مسلحتين تابعتين لوزارة الداخلية أمام مقر "حرس المنشآت النفطية"، قتل خلالها عدد من أفراد المجموعتين، على خلفية شجار بين أفرادها، من دون أن تعلن الوزارة عن موقفها أو تعلق على الحدث.
ويلفت كشادة إلى أن نفوذ هذه المجموعات المسلّحة هو أحد الأسباب التي جاء حفتر ومليشياته تحت ستارها، مبيناً أن تفكيك هذه المجموعات هو مطلب متكرر من المجتمع الدولي لحكومة الوفاق.
ويبين أن شعور الرأي العام في مدن غرب البلاد بأن كل الأزمات المتعلقة بحياة المواطن، كغياب الوقود والسيولة النقدية وأزمة الكهرباء، يمثل دليلاً هاماً على غياب الحكومة وسلطتها عن حياة المواطن في هذه المدن، وتركها للمجموعات المسلّحة تتنفذ في كل اتجاه وفي مفاصل حياة المواطن.
وبينما يعتبر الأطرش أن توعد الحكومة بالتحقيق في زيارة الصحافي الفرنسي مؤشر كبير على عدم سيطرتها وإشرافها على منافذ البلاد، يتساءل حول برامج وزارة الداخلية الخاصة بتفكيك المجموعات المسلحة: حتى الآن لم نرَ للوزارة قوات نظامية، ولو كان كذلك فلماذا لم تحدد تلك القوة النظامية وتفصل في شكل المجموعات التي لا تتبعها إلا اسمياً وتلك الخارجة عنها".
ويرى في هذا الصدد أن حكومة الوفاق تواجه تحدي الانتقال من الخطابات والبيانات إلى الفعل الرسمي والإجراءات العملية لبسط سيطرتها الحقيقية على أراضيها.  

المساهمون