وانبرى المسؤولون الحكوميون البريطانيون، وعلى رأسهم وزير الخارجية بوريس جونسون، للدفاع عن زيارة بن سلمان، مذكرين البريطانيين مراراً وتكراراً، بأن المملكة العربية السعودية "في طريقها نحو التغيير"، وأن كل من زارها خلال السنوات الأخيرة، لا بد أنه لحظ التحول في المجتمع السعودي نحو الانفتاح.
إلا أن التركيز البريطاني الأكبر ينصب في المقام الأول على العلاقات التجارية بين الدولتين. فبريطانيا تتجه إلى طلاق يبدو مُرّاً مع الاتحاد الأوروبي في مثل هذا الشهر من العام المقبل، وتسعى، كما صرح وزراء حكومتها، لأن تستغل الـ"بريكست"، للتركيز على الصفقات التجارية الدولية مع دولٍ خارج الكتلة الأوروبية.
ولا يخفى هذا الأمر على الجانب السعودي، خصوصاً بعد زيارة رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، إضافة إلى عدد من المسؤولين البريطانيين، إلى السعودية، خلال الأشهر القليلة الماضية بهدف تعزيز العلاقات الثنائية بين الطرفين.
وهكذا تأتي هذه الزيارة في هذا الإطار من التعاون الثنائي، حيث يحتاج الطرفان لبعضهما بعضاً: فعدا عن الأسلحة البريطانية، تحتاج السعودية في ظل حكم بن سلمان للخبرات والدعم البريطاني في سياساتها، و"رؤية 2030"، بينما تحتاج بريطانيا إلى أموال الاستثمارات السعودية، والتي يتوقع أن تصل إلى 100 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.
ويرى مسؤولون بريطانيون أن بريطانيا تتجاوب مع هذه التحولات في السياسات السعودية بتوسيع العلاقات بين الطرفين، لتتجاوز تجارة السلاح والنفط والتعاون الأمني، إلى استراتيجية تعتمد ثلاثة محاور: استقطاب الاستثمارات السعودية لدعم الاقتصاد البريطاني، والحصول على امتياز تداول أسهم شركة "أرامكو" النفطية في بورصة مدينة لندن، وأن تكون بريطانيا الداعم الأول للسعودية في سياساتها الإصلاحية، بحيث توفر لها الخبراء والخدمات في جميع القطاعات.
إلا أن مقاربة الحكومة البريطانية لزيارة بن سلمان على أنها فرصة اقتصادية في المقام الأول، تطرح العديد من علامات الاستفهام حول مدى التزام بريطانيا بعدد من الملفات السياسية في الشرق الأوسط، عدا عن تعامل ولي العهد السعودي مع معارضيه داخل البلاد.
فبريطانيا، التي وصفها بوريس جونسون بأنها "أقدم حلفاء السعودية"، تشهد معارضة داخلية شديدة لصفقات السلاح مع الرياض، والتي تستخدمها المملكة في حربها باليمن، ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.
فقد ذكرت الحملة ضد تجارة السلاح أن استطلاعاً للرأي كانت قد أجرته كشف عن أن 6 في المائة من البريطانيين فقط يدعمون مبيعات السلاح للسعودية. ويكشف الاستطلاع ذاته أن 37 في المائة من البريطانيين يعارضون زيارة ولي العهد السعودي لبلادهم، بينما يؤيدها 21 في المائة.
ويعود ذلك إلى مدى انتهاكات حقوق الإنسان في حملة القصف الجوي التي تقودها السعودية، والتي أدت إلى تدمير البنية التحتية في اليمن. كما فاقم الحصار المفروض على الموانئ والمطارات اليمنية من الوضع الإنساني المتدهور فيه.
وكان زعيم حزب العمال البريطاني المعارض، جيريمي كوربن، قد دعا رئيسة الوزراء إلى وقف مبيعات الأسلحة إلى السعودية، معتبراً أنه "يحب أن تستغل تيريزا ماي هذه الزيارة للإعلان عن وقف مبيعات الأسلحة البريطانية إلى السعودية ما دام القصف السعودي المهول على اليمن، وأن تقول بوضوح بمعارضة بريطانيا الشديدة لانتهاكات الحقوق المدنية وحقوق الإنسان في السعودية".
وبالفعل، فإن قمع النظام السعودي لمعارضيه دفع المتحدث باسم الحملة ضد تجارة الأسلحة، أندرو سميث، للقول إن "الأغلبية العظمى من البريطانيين لا يشاركون دعم تيريزا ماي العسكري والسياسي للنظام السعودي. ورغم الهالة التي يتمُّ رسمها حول ولي العهد، إلا أنه رأس أحد أكثر الدكتاتوريات تسلطاً في العالم. لقد نفذ هذا النظام العديد من الفظاعات ضد السعوديين لعقود من الزمان"، مشدداً على أنه "حان الوقت لأن تقوم تيريزا ماي وزملاؤها بوقف دعمهم المخجل".
إلا أن المسؤولين البريطانيين يبدون أقل حماسة في توجيه النقد للسياسات السعودية، سواء أكانت في اليمن أو في سورية أو في قطر، أو ضد إيران، أو حتى ضمن السعودية ذاتها. فبريطانيا ليست في صدد استغلال علاقتها الخاصة بالسعودية، للمساهمة في استقرار الشرق الأوسط، بل يقتصر اهتمامها بهذا الحلف ذي السبعة عقود في هذه الزيارة على مصالحها الاقتصادية فحسب.