لم يفصح المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، عن تفاصيل مباحثات وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي الروسية، واكتفى بالقول، إنها تناولت العلاقات بين الجانبين. لكن اجتماع بوتين بالمعلم بعيداً عن الإعلام، وحتى قبل أن يلتقيه وزير الخارجية سيرغي لافروف، يشير إلى أن أموراً مهمة جرى بحثها خلال الاجتماع، ربما لم يتم الإفصاح عنها في المؤتمر الصحافي المشترك الذي أعقب لقاء لافروف والمعلم.
وركّز لافروف، خلال المؤتمر الصحافي، على مواصلة بلاده دعم نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، في مواجهة ما سمّاه مكافحة الإرهاب، وهي عملية قال الوزير الروسي، إنها يجب أن تستند إلى القانون الدولي، معتبراً أن ضربات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في الأراضي السورية تتعارض والقانون الدولي.
وأهم ما قاله لافروف إن "موسكو ودمشق تتفقان على أن خطر الإرهاب هو العامل الرئيسي الذي يحدد كيفية تطوّر الأحداث في المنطقة"، أي أن المقاربة التي تحاول موسكو تقديمها لإحياء العملية السياسية في سورية، تنهض على قاعدة "مكافحة الإرهاب"، وهي اللازمة التي طالما رددها خطاب النظام السوري على مدار سنوات الأزمة، وذهب بها إلى مؤتمري جنيف، وطالب هناك باعتمادها كقاعدة للمفاوضات. وهذا بالضبط ما أشار إليه لافروف في مؤتمره الصحافي بتشديده على "ضرورة تهيئة الظروف لاستئناف عملية التسوية السلمية في سورية بموازاة مكافحة الإرهاب".
والواقع أن هذه المقاربة، أي "مكافحة الإرهاب" أولاً، أو بالتوازي مع جهود الحل السياسي، تتقاطع مع مبادرة المبعوث الدولي، ستيفان دي ميستورا، التي تقوم هي الأخرى على تهدئة الجبهات، و"توحيد الجهود" لمكافحة "الإرهاب"، والذي يشمل وفق مفهوم دي ميستورا إضافة إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، "جبهة النصرة" والتنظيمات الإسلامية الأخرى التي توصف بالمتطرفة، وتشمل وفق دمشق وموسكو وطهران، جميع المجموعات التي تقاتل قوات النظام السوري.
وقد أعلن لافروف موقفاً واضحاً إزاء هذه المبادرة باسم بلاده والنظام في دمشق، حين قال، إن "موسكو ودمشق تدعمان مبادرة دي ميستورا بالتقدّم التدريجي نحو تسوية الأزمة في البلاد عبر تجميد القتال في مناطق منفردة من البلاد".
ورفض الوزير الروسي فكرة تنظيم مؤتمر دولي واسع النطاق بشأن التسوية في سورية على نمط مؤتمري جنيف في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين، واللذين انتهيا إلى إخفاق.
ويبدو أن الدبلوماسية الروسية تنشط لتحريك المياه الراكدة على المسار السياسي السوري، محاولة استثمار "الأجواء الجديدة" التي أشاعها القصف الجوي لطيران التحالف الدولي في العراق وسورية، لجهة توحيد الجهود ضد تنظيم "داعش"، وفكرة محاربة الإرهاب من جهة، ومحاولة الإفادة من الانتقادات الموجّهة إلى واشنطن بأن قصفها ومجمل استراتيجيتها في المنطقة، غير منتجة سياسيّاً ولا تفتح أفقاً لحل الصراع، بل تزيد من تفاقمه من جهة أخرى.
وتحاول موسكو جمع المعارضة والنظام للبدء في حوار أولي لتفعيل العملية السياسية المتوقفة منذ مؤتمر جنيف 2، وذلك عبر جمع أطراف سورية في موسكو تشمل إضافة إلى الوفد الرسمي السوري، عدداً من شخصيات المعارضة من الداخل والخارج وفي مقدمهم الرئيس الأسبق للائتلاف المعارض معاذ الخطيب.
وكان الخطيب زار في السابع من الشهر الحالي موسكو، وبحث هناك أفكاراً لإطلاق العملية السياسية، وقال وقتها إنه أكد للمسؤولين الروس أن نجاح أي عملية سياسية مرهون باستبعاد الأسد منها.
أما الائتلاف المعارض، فأصدر خلال اجتماعه الأخير في إسطنبول، بياناً حدّد فيه موقفه من المبادرات المطروحة، لتحريك العملية السياسية، وخصوصاً مبادرة دي مستورا، وأكّد أنّ أي عملية سياسية يجب أن تستند إلى قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وما ورد في مبادئ "جنيف 1"، ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب.
واعتبر أن المقترحات التي تقدم بها المبعوث الدولي تتناول جانباً من الإجراءات التمهيديّة، التي يمكن أن تهيّئ لاستئناف عملية سياسية تفضي إلى إقامة حكم انتقالي في سورية.
واعتبر الائتلاف الوطني، أنّ خريطة الطريق لتلك الإجراءات يجب أن "تشمل إقامة مناطق آمنة، شمال خط العرض 35، وجنوب خط العرض 33، وفي إقليم القلمون، على أن يحظر فيها وجود النظام ومليشياته وأي امتداد له، وفرض حظر للقصف الجوي بأشكاله كافة، وتوفير الحماية الكاملة للمدنيين، وضمان وصول المساعدات الإغاثية والطبية والإنسانية اللازمة للمناطق المحاصرة، وإلزام النظام بعدم استخدام المدنيين رهائن، والإفراج عن المعتقلين والكشف عن مصير السجون السرية، ومحاسبة مرتكبي جرائم حرب".
والواقع أنه وعلى الرغم من أن أفكار دي ميستورا تركّز على حلول جزئيّة وأهداف محدودة، تتمحور حول خفض مستوى العنف وتحسين وصول المساعدات الإنسانية، وزرع ما سماها "بذوراً لعملية سياسية شاملة"، بدلاً من الاستمرار في الرهان على توافقٍ دولي وإقليمي، إلا أنها تلقى قبولاً ضمنياً بدرجات متفاوتة سواء من جانب النظام أم المعارضة، ولو ظهرت بعض المواقف الرافضة أو المتحفظة في صفوف المعارضة، والتي يمكن تفسيرها كتعبير عن الإحباط والاستياء من الموقف الأميركي، والمواقف الغربية التي تركت الشعب السوري لوحده خلال السنوات الماضية، بل وبدأت تمد الحبل لنظام الأسد وتجاهر بأن إسقاطه ليس أولوية، وإنما محاربة تنظيم "داعش" هي الأولوية اليوم، وربما لسنوات مقبلة.
من جهته، يرى النظام أن هذه الأفكار لا تبتعد كثيراً عما كان يقوم به هو أصلاً بتوجيه من إيران من خلال الهدن والمصالحات التي عقدها في العديد من المناطق، لكنه ربما يخشى أن تتحول هذه المبادرة إلى قرار دولي ملزم، يُقيّد حركته، ويفسح المجال لتطوير قدرات قوات المعارضة، خصوصاً أن أفكار دي ميستورا تقضي باحتفاظ تلك القوات بكامل أسلحتها، مع مواصلة التواجد في المناطق التي تسيطر عليها.