غير أن الشاهد قد لا يكون محظوظا في هذا الشأن، على غرار رئيس الحكومة الأسبق، مهدي جمعة، أو الرئيس الباجي قائد السبسي، اللذين عملا مع إدارة باراك أوباما، التي استثمرت بحماس كبير في التجربة الديمقراطية الناشئة في المنطقة، بل ذهب الشاهد أساسا ليدافع عما تحقق من اتفاقات سابقة، وليدعو الإدارة الجديدة إلى عدم تقليص الدعم، بعد أن قرر ترامب مراجعة الدعم الأميركي لعدد من دول المنطقة، من بينها تونس.
ويبدو أن الشاهد ذهب للعمل من جديد على إقناع الإدارة الأميركية بالأهمية الكبيرة لتونس في ملف محاربة الاٍرهاب، إذ أكد منذ وصوله إلى الأراضي الأميركية "أن خفض المساعدات العسكرية والاقتصادية الأميركية الموجهة لتونس من شأنه أن يبعث برسالة سلبية إلى التنظيمات الإرهابية في ما يتعلق بقدرات القوات الأمنية والعسكرية التونسية وجاهزيتها"، مؤكدا أن "تونس في مقدمة الدول التي تحارب الإرهاب، وهي مستهدفه لأنها ديمقراطية ناشئة".
وذكّر الشاهد مضيّفيه بأن لتونس دورا مهما في استقرار المنطقة، وهي لاعب رئيس في الملف الليبي، الذي قد يعني الأميركيين كثيرا بحكم أهميته الاقتصادية والأمنية، مشدّدا على الدور المحوري الذي تضطلع به تونس كحليف إستراتيجي في هذا الملف، بما يخدم العلاقات الدبلوماسية الجيدة التي تربطها بمختلف البلدان، في إشارة إلى المبادرة التي أطلقها الرئيس السبسي لحل الأزمة الليبية.
ويبدو أن الشاهد يحاول حلحلة هذا الملف، الذي يشهد ركودا سياسيا منذ فترة، بحكم تضارب مصالح دول الجوار، إذ يسعى لإقناع الإدارة الأميركية بوجهة النظر التونسية التي تعتمد على جمع كل الفرقاء دون إقصاء، في حين يرى آخرون الحل في التدخل العسكري وإمكانية الحسم على الأرض، رغم سقوط هذه المقاربة فعليا إلى حد الآن.
وجاءت الإشارات الأولى لسلسلة الاجتماعات إيجابية وحاملة على التفاؤل، إذ أكد الشاهد أن التجربة التونسية في مجال مكافحة الإرهاب والفساد تحظى بكامل التقدير من قبل الولايات المتحدة الأميركية.
وجدد نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، استعداد الولايات المتحدة لدعم تونس في المجالات الأمنية والاقتصادية والديمقراطية.
وفي تغريدة نشرها بنس على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، بعد لقائه أمس الاثنين بالشاهد، أكد أنه جدد دعم بلاده لتونس "من أجل مساعدتها على تعزيز قدراتها الأمنية وإنجاز الإصلاحات الاقتصادية ودعم مؤسساتها الديمقراطية".
وكان لقاؤه بوزيري الدفاع والخزانة الأميركيين إيجابيا أيضا، حيث أبديا تفهما لما طرحته تونس من رؤى وتصورات بشأن ترسيخ المسار الديمقراطي، وإبراز الانتعاشة الملموسة على المستوى الاقتصادي، وهو ما يعكس نجاح عملية الاختراق التي يبحث عنها الشاهد في عمق الإدارة الأميركية الجديدة، بإقناع كل أجنحتها الأمنية والسياسية والاقتصادية بأن تونس ليست هامشا في الاستراتيجية، وأنها تلعب دورا رئيسا "في حربها على الاٍرهاب والقضاء على التطرّف من أجل السلام في عالم حر.. ونحن هنا لتدعيم وهيكلة وتطوير تعاوننا العسكري في هذه الحرب"، نص كلمته في لقائه مع وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، الذي أكد بدوره على "استثناء التجربة التونسية بالمنطقة، والتزام الولايات المتحدة الأميركية بدعمها".
في جانب آخر، يرى مراقبون أن هذه الزيارة تحمل وجها سياسيا ثانيا، فالشاهد وافد جديد على السلطة في تونس، وكذلك الإدارة الأميركية الجديدة التي تسلمت بدورها السلطة حديثا، ما يعني أن أمامهما سنوات من التعاون الممكن.
ويريد الشاهد، الذي حقق نجاحا إعلاميا في الأوساط الأميركية بحربه على الفساد، أن يقنع واشنطن بأنه الرجل المناسب للمرحلة التونسية الجديدة، ليعزز مكانته الدولية "كحامل لطموحات التونسيين في إرساء دولة ديمقراطية تقاوم الفساد، وتعتمد المقاربة الشفافة في معاملاتها الاقتصادية، وتحترم حقوق الإنسان".