زيارة السجن في مصر.. تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم

11 يونيو 2015
عشر دقائق أو أكثر قليلا هي مدة الزيارة(فرانس برس)
+ الخط -
"أهلا بكم في سجن برج العرب.. ادخلوها بسلام آمين.. الجيش والشعب والشرطة إيد واحدة" تمتلئ مداخل بوابات السجون المصرية، بعكس ما تمثله زيارة السجن من رحلة عذاب يعانيها أهالي أكثر من 40 ألف معتقل سياسي في مصر في فترة حكم الجنرال عبد الفتاح السيسي وفق إحصائيات منظمات الدولية.

الساعة الآن الرابعة فجرا، تبدأ الأسرة في تجهيز أمتعتها لزيارة معتقلها، طعام وملابس وبعض الاحتياجات الأساسية تحملها العائلة لتخفف عن السجين وطأة الغياب والبعد، ثم تتحرك السيارة حتى تصل في السابعة صباحا للسجن الذي يبعد كيلومترات في وسط الصحراء.

طوابير الانتظار الطويلة تحت حرارة الشمس الحارقة أول ما يستقبلك، يتزاحم فيها أهالي المعتقلين السياسيين والجنائيين، تقف كل أسرة محملة بحقائبها و"أشوِلتها" المكتوب عليها اسم المعتقل.


لا تسمح السلطات الأمنية إلا بزيارة 3 أفراد من عائلة المعتقل دون الأطفال، ويُشترط أن يكونوا أقارب من الدرجة الأولى، يتجهزون حينها للمرور بـ 5 بوابات تفتيش، أهمها الأولى حيث يتركون متعلقاتهم الشخصية وأجهزة الهواتف وأحيانا أوراقاً وأقلاماً أو رسائل في الحقائب الشخصية التي يمنع الدخول بها منعا لتدوين أو كشف وتسجيل أي مما يجري داخل الزنازين.

تستقبلك البوابة الحديدية العالية في مدخل السجن يصطف أمامها طابور يصل طوله لأكثر من 200 متر من الأجساد البشرية مختلفة الأعمار ما بين أطفال ونساء وشيوخ أتوا لزيارة ذويهم.

ولكن سرعان ما تتعدد الحكايات وتخلق القصص جوا من التعاطف بين الأهالي فيبدأ كل منهم في سرد قصة سجينه وسبب الاعتقال ومدته، يعقدون فيها مقارنة مع "المعتقل الأسوأ حالا" للتخفيف من حجم المصيبة، يتحدث الأهالي عن مدة مكوث المعتقل، ورقم زنزانته وعنبره، أصدقائه من شركاء الزنزانة، حالته الصحية، وإجراءات سير القضية، وكثيرا ما قامت علاقات صداقة قوية كان لطابور الزيارة فضل فيها.

اعتاد الأهالي على طوابير الشمس الحارقة دون أي مظلات تقيهم الحر لأكثر من ساعتين متواصلتين، وكثيرا ما خارت قوى بعض النساء والشيوخ والأطفال ففقدوا وعيهم بسبب الحر الشديد، بالمقابل تمر على البوابة الحديدية نقطة التفتيش الثانية للتدقيق من البطاقة الشخصية للمار، والتأكد من كونه قريب من الدرجة الأولى، وسط توسلات للضباط وأمناء الشرطة والعساكر للسماح بالزيارة.

هنا يأتي دور الكشوف لتسجيل أسماء زائري المعتقل، فيتسابق الأهالي إلى التسجيل مع أمين الشرطة المختص الذي يتفنن في التنكيل وإطلاق السباب والإهانات، كم من مرة ذهب لإشعال سجارته التي لا تنفد قبل أن يحترق الواقفون من الأهالي تحت قيظ الشمس منتظرين انتهائها.

7 ساعات من الانتظار في مكان لا آدمي ملئ بالقاذورات والضجيج وحرارة الشمس الحارقة، إلا أن وجود الأطفال يهوّن كثيرا من ضيق الانتظار، يطوي الصغار الوقت وساعات الانتظار بلعب البلي وكرة القدم في الساحات أو صنع هدايا وورود للحبيب المعتقل بالداخل إن كان أبا أو أخا أو زوجا.

التفتيش الأصعب


تفتيش الأمتعة وحقائب الزيارة هو المرحلة الأصعب على أهل السجين، "شِوال" كبير مكتوب عليه اسم المعتقل يبدأ العسكري المفتش بملئه، متعلقات شخصية للمعتقل من ملابس وأطعمة، ولكن اليوم قد يَسمح بدخول أشياء وغدا يمنعها، لا قانون هنا أو لوائح إلا مزاج عسكري التفتيش ورئيسه.

أحيانا يسمح المفتش بدخول الأوراق والكتب للسجين-لا سيما إن كان طالبا- ثم يمنعها في المرة التالية، في هذه المرة يمكنك إدخال المعلّبات لكنها ستقف عن المرور في الأخرى، الكراسي البلاستيكية ممنوعة، بالإضافة للأقلام وأي مصنوعات بلاستيكية أو معادن.

توسلات الأهالي بإدخال الأطعمة وما يشتهيه المعتقل، من المواقف الصعبة التي تراها، تقف الأم تستسمح الضابط المختص وترجوه أن اليوم عيد ميلاد ابنها ولو تكرم عليها وأدخل هذه الكعكة "التورتة"، لكنه يشير لها بيده هازئا، "لأ الحاجات دي ممنوعة، همة مش فاضيين عشان ياكلوا تورتة كمان، ده سجن يا هانم".

تأتي اللحظة الفارقة، لحظة دخول المعتقلين بملابسهم البيضاء إلى قاعة الزيارة التي يكتظ فيها عشرات المعتقلين وأهاليهم، هنا يتوقف الزمن عشر دقائق أو أكثر قليلا هي مدة الزيارة وسط هتافات وتكبيرات ودموع اللقاء بين الأهالي وقبلات الصغار ونظرات اللوعة والاشتياق، لحظات تهون كثيرا من عناء انتظار أكثر من 12 ساعة ملؤها الإهانات والتعب والمشقة والخوف من حدوث أي طارئ.

تدوّي طَرقات عالية لضابط الشرطة على الباب الحديدي معلنة انتهاء الزيارة، بكاء الصغار ودموع الزوجات ودعوات الأهل على الظالمين، ستكون الوداع الأخير للمعتقل، يستعدون حينها لزيارة جديدة في الأسبوع التالي لا تقل جحيما عن سابقتها.

(مصر)
المساهمون